تصدرت شخصية المريض النفسي الدراما، فقد وجد مؤلفو المسلسلات في قصص المرضى النفسيين مادة ملهمة لكتاباتهم، لكن التناول الخاطئ في بعض الأحيان لشخصية المريض النفسي في الدراما يؤثر بصورة كبيرة على نظرة المجتمع للمريض النفسي، كما قد يتعاطفوا معه مثلما حدث مؤخرا بعد تجسيد شخصيات قاتلة وعرض مشاهد ذبح وقتل على شاشات التلفزيون وتبرير أفعالهم بمرضهم النفسى ...لقد قام كثير من الشباب بتغيير نغمة هاتفه المحمول إلى نغمة هاتف محمول بطل المسلسل" السفاح"، وعلى الأرصفة تباع تيشيرتات بصورته واسم العمل الفنى، ومطاعم استبدلت اسماءها باسم العمل أيضا.. فهل تحول القاتل إلى رمز و بطل شعبي، وما السر وراء الإنجذاب لمثل هذة النوعية من الأعمال.
تقول سارة ممدوح، استشارى علاقات أسرية وتربوية ومدربة تنمية بشرية أصبحت الشخصية السيكوباتاتية التى ظهرت فى مسلسل السفاح تريند على مواقع التواصل الاجتماعي، وجعلت كل من يشاهده يتحدث عنه ويتابع حلقة وراء الأخرى باهتمام شديد وهنا لابد من السؤال عن المشاعر وقت مشاهدة الشعور الألم والذبح ومشاعر الخوف ، ماهو الإستمتاع بمشاهدة مثل هذه الأحداث ؟ .. فالأشخاص الذين يشعرون بالمتعة فى مشاهدة الدماء والعنف لابد من مراجعة أنفسهم ،
وتتابع الاستشارى التربوى، ما الهدف من نشر هذه المسلسلات و الشباب المراهق الذى لايملك من الحكمة كثيراً لايجب أن تسمح له الأسرة بمشاهدة هذه المسلسلات فنحن الآن فى عالم الإنترنت والإنفتاح التكنولوجى الذى يواكب الأحداث سريعاً فلابد من رب الأسرة أن يمنع أولاده من مشاهدة هذه المسلسلات حتى لا تتأثر شخصياتهم من هذه المشاهد ومن أسلوب الحوار والألفاظ.
وتوضح سارة أن مايحدث من مشاهد العنف يرفضه العقل البشري بطبيعة خلق الله سبحانه وتعالى له وهنا لابد من الحديث عن ماذا بعد كثرة مشاهدة الدم والعنف والضرب والقتل والمشاهد التى لاتليق بالأسرة المصرية ماذا ننتظر من الجيل الذى يرى كل هذه الأحداث فالكل يعرف أن المسلسل مأخوذ من قصة حقيقية وحدثت على أرض الواقع ولكن ما الفائدة من تحويل شخص مريض نفسى إلى مسلسل يحكى قصة حياته، فهو شاهد الأم وهى تقتل الاب بدم بارد فهذه أول ما وقعت عليه عينه فى بداية عمره فماذا كنا ننتظر منه وماذا ننتظر أيضاً ممن يشاهد مثل هذه الأحداث التى ومن الواضح أنها أثرت على كل من شاهدها؟.. فمن يتحدث بضحك وسخرية عن مشاهد القتل ، وآخرون يتحدثون عنها بعدم رضى.
وأشارت ممدوح إلى أن العين عندما ترى الدم تتأثر جدا والقلب أيضاً، فمن يشاهد هذه الأحداث ولا يتأثر بها لابد ومن الضرورى مراجعة مابهم والبحث جيداً فى نفوسهم، فشخصية السفاح الذى يقتل و يشعر بالإستمتاع وأنه تخلص من أداة لم تحقق له رغبته وليس إنسان وروح خلقها الله ولا يحق قتل النفس وإن هذا عند الله ذنب عظيم، فهو تربى فى بيئة ساعدته على ذلك ورأى الأم وهى تقتل فأصبح هذا العمل شيء عادى بالنسبه له وأصبح يتعامل مع من حوله في صورة أنهم مسخرين لرضاه فقط وليس من حقهم قول لا فبالتالي كان تكوين هذه الشخصية خطأ منذ النشأة ، ولذلك نقول دائما الأم عليها دور كبير جداً فى نشأة الأجيال فليست كل قصة حقيقية يجب أن تكون مسلسل ، لدينا قصص كثيرة عن أشخاص مميزين وناجحين ومتزنين نفسياً فلماذا نترك كل هذه القصص ونتلذذ بقصص المرضي النفسيين والغير سويين، فاالمشاهد له حق أن لا يرى مايسئ لنظره وأن يخاف على أسرته وهو يشاهد مسلسل أو فيلم.
وتقول أسماء محمد نبيل أستاذ مساعد علم الاجتماع بكلية التربية جامعة عين شمس، تتميز الدراما التليفزيونية بأنواعها المختلفة بأن لديها القدرة على جذب انتباه واهتمام مختلف الأفراد داخل المجتمع وخاصة الشباب ومن الممكن أن تساعد الأفلام والمسلسلات على اكتساب بعض السلوكيات والقيم الجديدة على المجتمع وتغيير بعض السلوكيات الاجتماعية الموجودة، فهى سلاح ذو حدين إما أن تساهم في بناء وتقدم المجتمع والارتقاء به من خلال الأعمال الدرامية الهادفة الجيدة التي تقدمها وتعرض من خلالها القيم الإيجابية والمبادئ والمثل العليا والسلوكيات الحسنة أو تساهم في هدم المجتمع من خلال الأعمال الدرامية غير الهادفة التي تقدم النماذج السيئة من الشخصيات والتي تتسم بالانحراف وتقوم بارتكاب الجرائم وممارسة العنف السلوكى والأفعال الغير اللائقة التي لا تتناسب مع القيم الدينية والأخلاقية والاجتماعية للمجتمع المصرى.
وتتابع دكتورة أسماء، تكمن المشكلة الحقيقية في وجود الكثير من الآثار السلبية الخطيرة الناتجة عن تقليد بعض الشباب للشخصيات الدرامية التي تقوم بارتكاب الجرائم وممارسة العنف السلوكى فقد أكدت العديد من الدراسات أنه كلما زادت متابعة الشباب ل مسلسلات العنف ارتفع معدل اتجاههم نحو جرائم العنف الأسرى مما يؤدى إلى انتشار العنف وارتفاع نسبة الجرائم التي تهدد أمن وسلامة الأفراد وتؤثر بشكل سلبى على استقرار المجتمع.
وأضافت أستاذ علم الاجتماع، لماذا كل هذا الكم من هذه الدماء والقتلى ولماذا يعتاد الناس تصوير كل تفاصيل الجرائم ومشاهد البلطجة وسفك الدماء فما الهدف ؟ فلابد أن تكون للأعمال الدرامية رسالة وهى تمثل قوة مصر الناعمة ولدينا أكثر من 65% شباب وهم مستقبل هذا الوطن فيجذب انتباهه مثل هذه الشخصيات البطولية ويحاول تقليدها، والخوف أن تصبح ممارسات العنف جزءاً لا يتجزأ من نسق الممارسات اليومية بالمجتمع المعاصر
وتتابع ، فلابد من ضرورة الحد من كثرة الأعمال الدرامية الغير هادفة والمؤثرة سلبياً على جميع الجوانب الأخلاقية والاجتماعية والإنسانية في المجتمع ، وعدم المبالغة في عرض وتقديم مشاهد الانحراف الأخلاقى والسلوكى لبعض الشخصيات الدرامية، والحرص على وضع نهايات سيئة للشخصيات الدرامية التي تقوم بارتكاب الجرائم سواء بتعرضهم للمعاقبة القانونية أو لبعض النهايات السيئة التي تكون عبرة وموعظة للتحذير من ارتكاب الجرائم.
ويقول دكتور ابراهيم مجدى ، استشارى الطب النفسى هناك بالفعل إقبال شديد علي مشاهدة مثل هذة النوعية من الأعمال ، وحدث تفاعل شديد مع مسلسل يحكي عن سفاح حقيقي ، على الرغم من أن القضية الحقيقية نفسها لم تاخد هذا الصخب .
ويتابع، أن هذا سيقودنا إلى مصطلح حديث و هو إدارة الوعي الجمعي "precepation management " و شركات استطلاعات الراي و البحوث التسويقية التي تقيس نسب المشاهدة و تلك الشركات تجعل أى عمل يظهر وكأنه أعلى مشاهدة ، كما أنها قادرة على معرفة ما يدور فى فكر الناس إذا علمت بنوعية الأعمال التى ينجذبوا لها .
والسؤال هنا هل ارتفاع نسب المشاهدة يعكس المزاج العام أم التسويق القوي للمسلسل هو الذي أحدث هذه الحالة من التفاعل؟
يقول دكتور أحمد إسماعيل، دكتور علم الاجتماع، عواقب مسلسلات القتل والعنف على المجتمع ليست بالهينه، خاصة لو كان مسلسل يحاكى قصة حقيقية لقاتل حقيقى وليس مجرد عمل فنى عن شخص سيكوباتي، وأضاف أن هذا
يسهل الجريمة على الناس ومن الممكن أن يقوم مرضى نفسيين أو ضعاف نفوس بتقليد ما يراه من قتل وتعذيب على يد أبطال مسلسل مشهورين ومحبوبين ، فيتوهم بالدور و يقلده، ويتابع ، كان من الممكن إعدام السفاح أمام الجميع ليكون عبرة وتنتهى القصة ، لا أن نحولها إلى عمل درامى غارق فى العنف والدماء، وأضاف أن المسلسل تحول على مواقع التواصل الاجتماعي إلى تريند وتم تناول ما به من قتل و جرائم بشكل ساخر، وكأنه أصبح أمر عادى مقابلة سفاح.