إسماعيل منتصر يكتب «خواطر حرة جدًا»: قطعة جاتوه.. وشريحة لحم!

إسماعيل منتصر يكتب «خواطر حرة جدًا»: قطعة جاتوه.. وشريحة لحم!إسماعيل منتصر يكتب «خواطر حرة جدًا»: قطعة جاتوه.. وشريحة لحم!

*سلايد رئيسى7-8-2018 | 19:58

سافرت إلى إسبانيا فى أواخر السبعينيات ضمن وفد صحفى مصرى.. وفى الليلة الأولى لنا فى العاصمة الإسبانية مدريد أقيم لنا عشاء شبه رسمى تناولنا خلاله الأطعمة الإسبانية وأشهرها «البهية».. وعندما جاء الدور على الحلوى كان نصيب كل واحد منا قطعة جاتوه كبيرة لم أذق مثلها من قبل.. وأبدينا جميعًا إعجابنا الشديد بالجاتوه، فطلب لنا مضيفنا المزيد.. وأخبرنا مضيفنا أن سر مذاق الجاتوه أنه مصنوع بالكونياك.

يا نهار أسود.. خمرة!

أبعد معظمنا الطبق من أمامه.. أما أنا فقد احتفظت بالطبق أمامى ورحت أنظر إلى قطعة الجاتوه وأنا متردد.. وأخيرًا انهارت مقاومتى وتناولت قطعة الجاتوه!

وعشت شهورًا وسنينًا وأنا أشعر بتأنيب ضمير لما فعلته، ثم حدث أن سافرت إلى يوغسلافيا فى منتصف الثمانينيات.

تضمن جدول رحلتنا زيارة قرية يوغسلافية وهناك تناولنا غداءنا المكون من طبق واحد.. شرائح لحم مشوية ظلت منقوعة فى النبيذ يومين كاملين قبل شوائها.

رفض عدد من زملائى الصحفيين تناول اللحم المنقوع فى النبيذ.. أما أنا فلم أتردد فى تناول الطعام!

قلت لنفسى أن النبيذ مسكر لأنه يحتوى على الكحول.. ولا بد أن الكحول قد تطاير وتلاشى عند تعريض اللحم للنار.

كان مذاق شرائح اللحم رائع وغير مألوف.. والتهمت غدائى وأنا مستريح لتفسير النار والكحول، لكننى عدت بعد ذلك أسأل نفسى إن كان ما فعلته حلال أم حرام؟

ومن جديد راح ضميرى يؤنبنى إلى أن استمعت مؤخرًا للدكتور سعد الهلالى أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر يتحدث عن الحلال والحرام فى تناول الطعام.

قال الدكتور الهلالى إن هناك مسألتين فى غاية الأهمية.. الأولى هى الاستحالة أي أن يستحيل الشىء إلى شىء آخر مختلف عن جنس الشىء الأول.. أما الاستهلاك فالمقصود به تلاشي وتبدد مادة فى مادة أخرى.

وضرب الدكتور الهلالى مثالًا على الاستحالة فقال إن الطين يتحول بفعل النار إلى فخار.. فإذا كان الطين نجسًا بسبب فضلات الحيوانات وأحيانًا البشر فهل يعنى ذلك أن الفخار نجس أيضًا؟!

ثم ضرب الدكتور الهلالى مثالًا عن مسألة الاستهلاك فقال لو أننا وضعنا قطرة خمر فى إناء كبير مملوء بالماء.. فهل يكون شارب الماء فى هذه الحالة شارب خمر؟!

ومضى الدكتور الهلالى يوضح مقصده، فقال إن جزيئات قطرة الخمر تلاشت وتبددت واستهلكت داخل جزيئات الماء.. تمامًا كما لو أن ألف شاب تبولوا فى البحر.. فهل يؤثر ذلك فى طهارة البحر؟!

وروى الدكتور الهلالى بعد ذلك قصة عجيبة، فقال إن النبى صلى الله عليه وسلم كان يجلس مع الصحابة داخل المسجد عندما دخل أعرابى وجلس يستمع إلى حديث النبى.. ثم فجأة قام الأعرابى من مكانه وذهب إلى أحد أركان المسجد ليتبول.

قام الصحابة من أماكنهم غاضبين لكن النبى صلى الله عليه وسلم أمرهم بالبقاء فى أماكنهم وترك الأعرابى يقضى حاجته، ثم طلب منهم بعد ذلك أن يأتوا بدلوين من الماء لإلقائه فوق بول الأعرابى.. وهكذا عاد المكان طاهرًا غير نجس.. لماذا؟! لأن جزيئات البول القليل الحجم تلاشت وتبددت فى جزيئات الماء الكبير الحجم.

أخيرًا استراح ضميرى الذى ظل يعذبنى بسبب قطعة جاتوه وشريحة لحم!

    أضف تعليق

    وكلاء الخراب

    #
    مقال رئيس التحرير
    محــــــــمد أمين
    إعلان آراك 2