روي ثوبان مولى ، رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
" يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن، فقال قائل يا رسول الله: وما الوهن؟ قال حب الدنيا وكراهية الموت" رواه أحمد وأبو داود.
تصوير عجيب من رسول الله صلي الله عليه وسلم لحال الأمة ، وهو الذي لا ينطق عن الهوي ، ( يوشك الأمم ان تداعي عليكم ) أي يدعوا بعضهم بعضا (كما تداعى الأكلة إلى قصعتها ) أي كما يدعون بعضهم بعضا للطعام ‘ وقد صور صلي الله عليه وسلم أمتنا علي أنها فريسة أو مأدبة سهلة التناول وسهل النيل منها ، سهلة الأكل.
وهو ما يحدث حرفياً الآن ، يدعو الغرب بعضهم بعضا لينالوا من امتنا ، وبوارجهم في البحر المتوسط خير شاهد وخير دليل ، وكأن أمم الارض قد اجتمعت علي امة المسلمين ، حتي أنهم صاروا يعلنونها بجرأة لم تكن من ذي قبل ، أنها حرب صليبية ، أنها الصهيونية ، و أنهم ماضون في سفك دمائنا واحتلال أرضينا وتحقيق أهدافهم وان كانت علي جثث المسلمين.
لماذا كل هذه الجرأة على المسلمين الذين سادوا الأرض مئات السنين؟
والعجيب في الأمر ، أنه لما سأل الصحابي رسول الله ،صلي الله عليه وسلم ، ومن قلة نحن يومئذ ؟ أجاب النبي بل انتم يومئذ كثير
وسؤال الصحابي سؤال طبيعي حيث من المعتاد أن يتجرأ الكثير علي القليل ، أو علي الاقل يحسب لهم الحسابات ، لكن ما يحدث هو العكس
قلة من اليهود ، قلة من الصهاينة ، لا يتجاوزون بضعة ملايين ، يتطاولون علي أمة ، تعدادها مليار وثلث المليار من المسلمين
لكن لا حول ولا قوة الا بالله ، عبر عنهم النبي أنهم كغثاء السيل وهو ما يحمله السيل من زبد ووسخ ، والمعني انهم لا يستطيعون المقاومة ، لا يملكون من أمرهم شيء ، يساقون ، يدفع بهم الماء ( أي القوة المعادية ) أينما أراد .
وذلك لأن الأمة اصابها الوهن وقد نزع الله من قلوب الاعداء المهابة منا ، فتطاولوا علينا ، وتجرأوا علي التعدي علينا ، فقتلوا وشردوا وخربوا ، وما يحدث في فلسطين ، في غزة ، خير شاهد وخير دليل
اذ ما فائدة كثرة العدد اذا ما اصيب بالوهن ، وما فائدة كثرة العدد اذا ما أصابه الضعف والمرض ، فليرحمك الله يا صلاح الدين
ولم يقف الأمر خارجياً وفقط ، بل أصبح في الداخل كذلك ، بين أصحاب الأمة الواحدة ، حيث انتشر الفساد في البلاد ، وظهرت نتائج سوء الاخلاق في المجتمع ، في كل شيء
في الشارع ، فوضي و تعدي و تبجح وقلة أدب ، في العمل إهمال ورشاوي وفساد ، في السوق غش واستغلال واحتكار ، تفككت الأسر، وتشرد الأبناء ، وتخاصم الأهل ، وعقوق الأبناء لوالديهم ، خربت الزمم ، انتهكت الاعراض ، سلبت الأموال ، ضيعت الأمانات ، امتلأت المحاكم وازدحمت الأقسام ، تاهت العقول ، وما أكثر ما نري ، أجسام البغال وعقول العصافير
وما كل ذلك الا صناعة أيدينا ، هذا كلام رب العالمين : " ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس "
والنبي صلي الله عليه وسلم يؤكد ذلك فيقول : " ما من مولود إلا ويولد علي الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه " رواه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة
أي أن الأصل في المولود أنه منتج علي أعلي درجات السلامة ، منتج جاهز للتأهيل للقيام بدوره المنوط به ، خدمة المجتمع ، حمل هم الأمة ورفع شأنها
لكننا أهملنا ذلك التأهيل ، فصرنا ننتج الابناء ونتركهم لغيرنا يأهلهم لأغراضه ، أو علي الاقل يفسدهم فلا ننتفع بهم
أهملناهم ، فالتقطهم غيرنا واهتم بهم فرودهم لخدمة أهدافه ، فكان منهم من تم تجنيده فحمل السلاح في وجه أهله وذويه ، ومنهم من خرب مقدرات الدولة وفجر ودمر ، ومنهم من أصبح كغثاء السيل ، لا حول له ولا قوة ، لا يحرك ساكناً ولا يسكن متحركاً ، ومنهم من اصبح عالة علي الاسرة والمجتمع وهم كٌثر
وهذا الحال الذي وصل اليه أبنائنا للأسف هو صناعة أيدينا ، عشان خلفنا ولم نربي
فما فائدة كثرة الابناء اذا لم يكونوا أعضاء نافعين في المجتمع ، ما فائدة كثرة الابناء اذا لم تراعي الله فيهم وتربيهم تربية حسنة
ما فائدة كثرة الابناء اذا كانوا يسعون في الارض فسادا ، واذا كانوا عالة علي الاسرة وعلي المجتمع
ما فائدة الابن أو البنت ان لم يأخذوا بيديك في شيخوختك ، وان لم يسقوك كوب الماء عند العطش
ولا شك أن الهدف الاول الذي يسعي اليه الاباء هو ابتغاء الولد ، فهو الذي يخلد ذكراهم ، ولكن كثرة الابناء غير المنضبطة ينعكس اثرها سلباً علي الفرد والاسرة والمجتمع
لذلك بقولك لو ماكنتش قادر علي التربية متخلفش
و القدرة ليست فلوس ، ليست أكل وشرب ولبس وحسب ، مع انهم من الأهمية بمكان ، لكن القدرة التي نقصدها ، هي القدرة علي الاعداد والتجهيز ، انك تعد وتجهز عضو نافع للأسرة والمجتمع ، تلك هي مهمتك ، ومهمة كل اسرة ، فالأسرة مصنع لإنتاج و اعداد وتجهيز أعضاء نافعين للأسرة والمجتمع ، مهمتها انتاج جيل قادر علي حمل هم الوطن ورفع شأنه
فالمجتمعات القوية لا تقوم الا علي افراد أقوياء ، و لأن الاسرة هي الركن الاساسي في تكوين المجتمع وهي عماد الوطن
سبقت الشريعة الاسلامية كافة الحضارات في الاهتمام بها ، حيث وضع الاسلام قواعد وضوابط واحكام لضمان تكوين اسرة سليمة مستقرة ، قادرة علي تحقيق مهمتها ، وليس بعد نشوئها وانما سبقت ذلك بكثير
فوضع الاسلام ضوابط لاختيار الزوج المناسب فروى الترمذي وابن ماجة عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ ، وَفَسَادٌ عَرِيضٌ " حسنه الألباني في "صحيح الترمذي .
ووضع ضوابط لاختيار الزوجة المناسبة ، فروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " تنكح المرأة لأربع : لمالها ، ولحسبها ، وجمالها ، ولدينها ، فاظفر بذات الدين تربت يداك "
وحث علي حسن اختيار الزوجة ( يعني مش اي زوجه وخلاص ) لأنها اساس الاسرة فروي الامام مسلم ، أن النبي صلي الله عليه وسلم قال : " الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَخَيْرُ مَتَاعِهَا المَرْأَةُ الصَّالِحَةُ, الَّتِي إِذَا نَظَرَ إِلَيْهَا سَرَّتْهُ, وَإِذَا غَابَ عَنْهَا حَفِظَتْهُ فِي نَفْسِهَا وَمَالِهِ "
ووضع ضوابط لاستقرار الاسرة وبقائها وضمان السعادة فيها ، فأمر الزوجة بطاعة زوجها في المعروف و أمرها بحفظ ماله وعرضه ، وعدم خروجها الا بإذنه ، وان لا تدخل بيته ولا يطأ فرشه من يكره
كما أمر الزوج بمعاشرة زوجته بالمعروف واكرامها والاحسان اليها ، وبين أنهم في الاسرة سواء بسواء في الحقوق والواجبات فقال تعالي : " وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ "
ثم بين حقوق الابناء علي الاباء فأمر بعد ان استحسن الطرفين اختيار شريكه ، باختيار أفضل الاسماء لهم ، والعناية بهم و تربيتهم تربية حسنة وملاعبتهم ، وتعليمهم علوم الدين والدنيا ، فيعلموهم طاعة الله ورسوله ، ويعلموهم الاخلاق الحميدة كالتعاون والتراحم وغيرها ، ويعلموهم التصرف في الامور الحياتية ، وكذلك طرق الوقاية من شرور الدنيا ، وتجنب ايذاء الاخرين ، والابتعاد عن الاخلاق السيئة ، ويباشروهم بالتوجيه والتشجيع ، ويعودوهم ويدربوهم علي تحمل المسئولية
الاسلام الذي امر الكبير بالعطف علي الصغير و أمر الصغير باحترام وتوقير الكبير
الاسلام الذي حرم مالك ودمك وعرضك
الاسلام الذي منع الناس من التحدث عنك في غيابك ( الغيبة والنميمة )
الاسلام الذي كافئ من يساعدك و أمر الناس بإعطائك من أموالهم اذا ما اصابتك ضائقة مادية
الاسلام الذي أمر التجار بالوفاء بالكيل والميزان حمايةً لأموالك
الاسلام الذي امر الابناء ببر الآباء ومصاحبتهم وخفض الجناح لهم عند الكبر
الاسلام الذي لم ينساك حتي بعد وفاتك حيث أمر الجميع بالدعاء لك والترحم عليك
هذا هو الاسلام وتلك هي تعاليمه التي تصنع مجتمع قوي متماسك ، فلما ابتعدنا عنها وتركناها حتي صرنا كغثاء السيل
فهلا عودنا الي العمل بتعاليم الاسلام فنعود أمة قوية تسود الأمم كما كانت من قبل
هلا رجعنا الي كلام ربنا وسنة نبينا صلي الله عليه وسلم فيضع الله المهابة منا في قلوب أعدائنا وينزع الوهن من قلوبنا
اللهم ردنا اليك مردنا جميلاً وارفع مقتك وغضبك عنا وفقنا لما تحب وترضي و انصرنا علي أعدائنا يا رب العالمين