د. حكمت صالح يكتب*: الرِّئَةُ الَّتِي تَتَنَفَّسُ الصُّعَدَاءَ فِي ظِلِّ الغَزْوِ الأَجْنَبِيّ

د. حكمت صالح يكتب*: الرِّئَةُ الَّتِي تَتَنَفَّسُ الصُّعَدَاءَ فِي ظِلِّ الغَزْوِ الأَجْنَبِيّد. حكمت صالح يكتب*: الرِّئَةُ الَّتِي تَتَنَفَّسُ الصُّعَدَاءَ فِي ظِلِّ الغَزْوِ الأَجْنَبِيّ

* عاجل2-10-2018 | 17:17

إذا كان الـ(نَحنُ) معادِلاً موضوعيّاً للأُمّةِ ؛ فإنـَّما هَدَفْنا إلى شموليّةِ الحِسِِّ الجَمْعِيِّ، على اعتبار أَنَّ الأمَّةَ مجموعةُ الوقائعِ؛ لا مجموعة الأَشياء. ولكن كيف نُفسِّرُ العلاقةَ بينَ (النـُّكُوصِ)؛ وبينَ التَّمرُّد على واقعِ المؤمنينَ المُتردِّي داخلَ وطنهم !.

إِنَّ (المؤمنينَ) في المجتمعِ الإِسلاميِّ المعَاصِرِ؛ الخاضِعِ للْهَيْمَةِ الأَجنَبيَّةِ  بشَكْلٍ أو بآخَرَ - هم الذينَ تَتَنفـََّسُ الأُمّةُ من خلالِهِمُ الصُّعَداءَ.. فهُم أَمَلُ المستَقبَلِ.. يتَجَشَّمونَ كُلَّ مُضايَقاتِ الحِصَارِ والمطَارَدَةِ، ويَبذِلونَ الغالِيَ والنـَّفيسَ في سبيلِ إِحقاقِ الحَقِّ؛ ونُصرةِ البلادِ بصِدق، ويجالِدُون قِوَى الانهيارِ الذي تُنَظِّمهُ الدَّوَائرُ الأجنبيّة.. بالتَّصدِّي لتلكَ القِوى؛ بُغيةَ أنْ يَهَبوا الأُمََّةَ مَناعَةً حقيقيَّةً ضِدَّ الاسْتِلابِ السُّلْطَوِيِّ؛ وضِدَّ ابتزاز الغَزوِِ الأَجْنبيِّ بأَشكالِِه (والفِكْريِ منه). ولدورِهِ هذه النُّخبةِ الجهادِيِّ كانتْ مُكافأَتُهم ثمِينَةً:

إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنـَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً.. [التَّوبة 111].

من هنا كان الاسْتبْشارُ بهذا (البَيْعِ).. ولنا أَنْ نتصوَّرَ الطّاقاتِ المتفجِّرةَ عن مثلِ هذهِ القِوَى المؤمنَةِ – بكلِّ أَرْضٍ - بعد أَنِ اختاروا التَّنازُلَ عن الرُّوح والنـَّفسِ والنـَّفيسِ من والمالِ والجَاهِ والوَلَدِ في سبيلِ اللَّه تعالَى .

هذه النـُّخبةُ الممتازةُ تبقَى مُستهدََفةً !. فإنْ كانَ المُجاهِدُ منهم (طَريداً)؛ فإنـَّه يُوظِّفُ هذا (الطَّردَ) لممارَسَةِ تجرِبَةِ البَذرَةِ الَّتِي تبحثُ – من خلالِ اجتياحِ الرِّياحِ لها – عن تُربةٍ صالِحةٍ للإِنباتِ؛ كي تُؤتِيََ أُكُلَها بإِذنِ رَبِّها.

فإِنْ لمْ يستقِرَّ بالمجاهِدِ المطافُ إِلاّ في السّجنِ؛ فمجتمعُ السّجنِ لا يخلُو من (كَسْبٍ)!.. وهنا تبدأُ تجربةُ من نوعٍ آخرَ، إنـّها تجربةُ (تبادُلِ الأَدوارِ)!. فإنْ أُوقِفَ المؤمنُ رَهْنَ الاعتقالِ؛ فهو يتحَسَّسُ – من خلالِ ذاتِهِ – بمعانَقَةِ الجماعَةِ. وبقدرِ ما يحسُّ به من كآبةٍ جرّاءَ وَعيـِهِ للاسْتِلابِ؛ فإنـّهُ يستمِدُّ من قوَّةِ الإيمانِ بالله والإنتماء للوطن ما يُعزِّزُ بهِ احتواءَهُ لإِفرازاتِ الشُّعورِ بالاغتِرابِ؛ فيقْهَرُهُ وينْتَصِرُ عليهِ !!!.

وإنْ عُذِّب المؤمن؛ فإنَّ لاحتمالِ التَّعذِيبِ في سبيلِ اللّه جائزةً ربَّانيَّةً.. بمُجّرَّدِ تَفكِيرِ المؤمِنِ بها يرتفِعُ فوقَ الإحسَاسِ بالأَلَمِ !.. ذلكَ أنَّ حياةَ أَغلَبِ الأَنبياءِ سِجلٌّ حافِلٌ بالدُّروسِ والعِظَاتِ والعِبَرِ.. قد يكونُ السِِّجنُ خياراً مُفضّلاً – في حالاتٍ وِقَائِيَّةٍ خاصَّةٍ – في مُقابلِ مُنْزَلَقَاتِ الانحِرافِ الإِبْلِيسيِّ والنـَّزَواتِ الشَّيطانِيَّةِ.. فسَيِّدُنا (يُوسُفُ) عليهِ السّلام:

قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ  [يوسف/ 33]؛ وهكذا كان !.

ولنا أَيضاً في كوكَبَةِ الرَّعيلِ الأَوَّلِ من الطَّليعَةِ الإِسلامِيَّةِ مَعِينٌ لا يَنضَبُ مِنَ " النـَّماذِجِ/ القُدوَةِ " في التَّعزِيزِ المعنَوِيِّ، مُتمثـِّلاً في سِيَرِ حَياةِ الأَوَّلِينَ الأَوَّلِينَ؛ السَّابقِينَ السَّابقِينَ منَ الصَّحابَةِ الكِرامِ ؛ أَمثالِ: (يَاسِرَ)، و(بـِلالٍ)، و(خَبَّّابٍ)، و(خُبََيْبٍ)، و(صُهَيْبٍ)....

لمْ تكُنْ مصادَرَاتُ حقُوقِ الحَيَاةِ بـِدْعَةً غريبَةً علَى أَفرادِ النـُّخبَةِ الممتازَةِ منَ المؤمنينَ ذوي الشّعور بالإنتماء؛ فإنـَّهم المُتأَهِّبونَ بصدَّدِ مشروعِ للشَّهادَةِ .

والشّهادَةُ: شُهودٌ لِعوالِمِ الكُلِّيّاتِ، تَمْرُقُ بالرُّوحِ خارجَ سُلْطَةِ الزَّمانِ والمكانِ؛ وخارجَ تَحَكُّمِ القَوانِينِ الطَّبيعةِ ، بَلْ وخَارجَ دَائرَةِ الخَوفِ!... إِنـَّها دَرَجَةٌ عاليَةٌ منَ الحضورِ النـُّورَانيِّ البَهِيجِ .

ونَحنُ لا نَرَى في وَصْفِ: ((الطَّريدِ.. أَوِ السَّجينِ.. أَوِ الطَّعينِ)) فِي السِّياقِ الحَرَكيِّ والوطَنِيِّ – إِلاَّ هُوِيَّاتٍ يَعتَزُّ بها حمََلتُها؛ ويتَرَفَّعُونَ بها علَى كُلِّ (( إِمَّعَةٍ يَقُوَلُ : أَنَا مَعَ النـَّاسِ؛ إِنْ أَحْسَنُوا أَحْسَنتُ؛ وَإِنْ أَسَاؤُوا أَسَاْتُ))!.

وكَمَا الآبارُ الارْتِوازِيَّةُ تَتَدفَّقُ؛ علَى قاعِدَةِ الأَوانِي الْمُسْتَطرَقَةِ؛ في نقْلِها مِيَاهَ الْمُرْتفعاتِ العَالِيَةِ؛ إلَى حَيثُ الْمُنخَفَضاتُ البَعِيدَةُ؛ لتَتَشَقَّقَ الصُّخورُ؛ وتَتَفَجَّرَ في الوِديانِ ؛ وحَتَّى فِي الصَّحارَى – فكَذلِكَ العَمَلُ في نُصرَة البلادِ والعِبادِ ؛ حيثـُما وُجِدَ الفَسادُ ؛ تَدَنـّياً وتَرَدِّياً !. يتدَفَّقُ إِلَيهِ الَعَمَلُ كَاليُنبُوعِ؛ لِيبعَثَ الحيَاةَ فِي الْمَوَاتِ مِن جَديدٍ، ويُسْبـِغَ علَى الإِنسانِ كَرَامَتَهُ الإِنسَانِيَّةَ.

* الكاتب: من الموصل_ العراق

عضو اتّحاد الأُدباء فِي العراق.ـ رابطة الأدب الإِسْلامِيّ العالميَّة بالرِّياض. ـ رابطة العلماء فِي العراق. ـ اتّحـاد الأُدبـاء العرب بدمشق. ـ جمعيَّة الآداب الإِسْلامِيّة فِي العراق. ـ نقابة المعلّمين في  العراق. ـ رابطة المدرِّسين والمعلِّمين فِي العراق ـ مؤسّسة الفيض الإنسانيّة.

أضف تعليق

إعلان آراك 2