« أنا وابن خالتي ».. مفاجآت في كل الاتجاهات

« أنا وابن خالتي ».. مفاجآت في كل الاتجاهاتمحمود عبد الشكور

الرأى28-1-2024 | 16:18

بدأ الموسم السينمائي 2024 بمجموعة من الأفلام، من بينها فيلم "أنا وابن خالتي"، سيناريو وحوار عمرو أبو زيد، وإشراف علي الكتابة دعاء عبد الوهاب، وإخراج أحمد صالح، وبطولة الثنائي سيد رجب وبيومي فؤاد، وهو عمل مدهش يمكن اعتباره مفاجأة سارة بمعايير كثيرة، فليس مألوفا أن يكون هناك فيلم مصري يقوم ببطولته اثنان من الممثلين اللذين تجاوزا سن الشباب، وإن كان فيلم "وقفة رجالة" قد سبق في هذا الاتجاه، وربما يكون نجاحه سببًا في إسناد بطولة "أنا وابن خالتي" لاثنين من أبطال "وقفة رجالة"، وهما بيومي ورجب، ولاشك أن بينهما كيمياء وتفاهما ممتازا وواضحا.

المفاجأة الثانية أن "أنا وابن خالتي" يحقق إلي حد كبير مفهوم الكوميدي الناضج، الذي يتعامل مع الكوميديا ليس بوصفها مجرد مواقف ضاحكة وإيفيهات، لكن باعتبارها دراما متكاملة الأركان، تقوم علي مفارقة كبيرة، وهكذا رأينا في "أنا وابن خالتي" رسما جيدا للشخصيات، بل إشارة الي أحد الأبعاد النفسية في شخصية أحد أبطال الفيلم، ورأينا بناء متماسكا إلي حد كبير، مع ملاحظات قليلة، وتطويرا للفكرة من جزء إلي آخر، دون أن يفلت معني الحكاية، ودون أن يبتلع الضحك والاستطراد حبكة الدراما، ودون أن يؤثر علي تماسكها.

رغم أن هذا هو المفروض، بل نراه دوما في كثير من أفلام الأبيض والأسود، إلا أن هذه الأمور صارت نادرة في سينما المضحكين، وتشكّل مفاجأة في زمن الكتابة العشوائية، وفي عصر إضافات الممثلين للسيناريوهات، هذا لو افترضنا وجود سيناريوهات متماسكة من الأساس.

المدهش أيضًا أن حبكة الفيلم تذكرنا للوهلة الأولي بحبكة فيلم شهير من سنوات الخمسينيات هو فيلم " أمريكاني من طنطا "، بطولة حسين رياض وسليمان نجيب، وإخراج أحمد كامل مرسي، لكنك ستري معالجة مختلفة، وأجواءً جديدة، ومواقف مبتكرة، ففي العملين، يعود أقارب من الخارج، للعيش في مصر، بعد أن تدهورت ظروفهم المالية، ومن خلال هذه العودة إلي الوطن، تتغير حياة الجميع، مع لمسة خاصة في الفيلمين تقدم التحية للوطن الأصلي، لكن بشكل ذكي وغير مباشر.

"أنا وابن خالتي" يؤسس العلاقة بين بطلي الفيلم حسن سيد رجب، وابن خالته إسماعيل بيومي فؤاد، بشكل أفضل، فيعود بها إلي سنوات الطفولة، فالاثنان ولدا في نفس اليوم، لكن حظوظهما اختلفت منذ الصغر، وبينما حصل حسن علي الإعجاب والثناء، كان إسماعيل يتعرض للوم والتأنيب، مع أنه لم يكن يتورط في الخطأ، وبينما كان حسن يتفوق في دراسته، كان إسماعيل ينجح بالكاد.

وعندما تجاوزا سن الشباب، بدت الكفة أرجح كذلك في اتجاه حسن، الذي صار رجل أعمال، بينما ما زال إسماعيل يعيش في الجمالية. لا نعرف بالضبط ماذا يعمل؟! لكن أمه ميادة (ميمي جمال)، ترتب أحوال الأسرة، وأحوال المنطقة، بالجمعيات المتنوعة.

لكن نظرة من قريب تقول إن حسن يعاني من علاقته مع ابن وابنة مدللين، ينفقان نقوده بلا حساب، هما بسنت (هنادي مهني)، وأكرم (مغني الراب علي لوكا)، ويتعرض أيضا لأزمة مالية، بينما تبدو حياة إسماعيل أكثر هدوءا مع بنتيه، أخصائية العلاج الطبيعي إسراء (سارة عبد الرحمن)، والطالبة سلمي (إسراء رخا).

الآن ستعود أسرة حسن للعيش مع أسرة إسماعيل في الجمالية، بكل ميراث الغيرة المتراكمة من الطفولة بين الأبوين، وبكل التناقضات بين من عاشوا وتربوا في الخارج، وبين سكان الجمالية، وبألوان من الصراعات الجديدة، حيث يفكر إسماعيل في استغلال ورشة الجد المغلقة، ثم يشاركه حسن في المشروع، وتتعرض تجربتهما لصعوبات كثيرة.

رغم أننا أمام شخصيات كثيرة نسبياـ إلا أن الخطوط بين الأبناء تم رسمها بدقة وفي مكانها، دون إغفال الخط المحوري للصراع، بين حسن وإسماعيل، خاصة أن ميادة، أم إسماعيل، ما زالت تمتدح حسن طوال الوقت، وما زالت تلوم ابنها حسن، ودون إغفال رسم كل الشخصيات بشكل جيد، حتي الشخصيات الثانوية، وبطريقة ساخرة جيدة، مثل شخصية فوزي الجعرّ، التي لعبها أسامة عبد الله، وهو تاجر يريد شراء الورشة، وعم مرشدي العجوز، الذي سيدير الورشة، والذي يطمع في أن يستعيد علاقة عاطفية من زمن سحيق مع ميادة، ولعب دوره الممثل القدير جميل برسوم.

الشخصيات تتصرف أيضًا وفقا لطبيعتها، ووظائفها، والأحداث تتقدم إلي الأمام، ولا تدور حول نفسها، وأغنيات الراب توظف أيضا في مكانها، والتغيرات تصيب الجميع، مع مشاهد ممتازة يتألق فيها سيد رجب وبيومي فؤاد، ويثبتان من خلالهما أنهما ممثلان كبيران حقا، لديهما القدرة علي إضحاكنا، وإثارة الشجن والتأمل في نفس المشهد، وبسلاسة كاملة، فلا تستغرقهما الإيفيهات عن الجوانب الإنسانية المرسومة جيدة للشخصيتين، ومن مرحلة عدم الارتياح والصراع، ينتقلان إلي مرحلة يكتشف كل طرف في الجانب الآخر أمورا لم يكن يعرفها، كما يتواجهان أكثر من مرة في أفضل مشاهد الفيلم.

ربما كان الفيلم في حاجة إلي ذروة أفضل من حكاية اختطاف بسنت وسلمي، فقد بدت اللعبة واهية ومفبركة، لكن السيناريو عرف في النهاية كيف يعود إلي نهاية متسقة مع رحلة طريفة، لا تخلو من المعني، رغم المفارقات والضحكات، فالشخصيات الثلاث التي تجاوزت سن الشباب وهي: حسن وإسماعيل والأم ميادة اكتشفوا الكثير عن أنفسهم في هذه السن، وعرفوا أيضا الكثير عن الآخرين، وهو نفس ما حدث مع الشباب، وكل شخص يحتاج إلي المراجعة والتعديل وربما الاعتذار أيضا، بالإضافة إلي تحية ضمنية للبقاء في الوطن، ولحوار الأجيال وتفاهمها، وللعلاقة التي لا تنفصم أبدا مع الأقارب، مهما ابتعدت المسافات.

بالطبع بدت ميمي جمال أصغر سنا من أن تكون أما لبيومي فؤاد، لكن حضورها وبراعتها في الأداء حققا بعض التوازن، فجعلتنا ننسي هذه المشكلة في مشاهد كثيرة ناجحة، ومن مفاجآت الفيلم أيضا الأبطال من الجيل الشاب، سارة عبد الرحمن وإسراء رخا وجهان مصريان، وممثلتان واعدتان، وكانت هنادي مهني مقنعة ومناسبة في دورها، ولفت نظري كذلك مغني الراب علي لوكا الذي قدم أداء جيدا كممثل، أما الممثل الكبير لطفي لبيب فقدم مشاهد قليلة ممتعة وضاحكة، وكذلك القديرة إنعام سالوسة التي تألقت في مشهدين فقط.

لدينا حقا أساتذة كبار في الأداء علينا أن نستفيد بهم في أدوار مميزة.

يحسب كل هذا التميز لفريق الكتابة، وللمخرج أحمد صالح، الذي اختار وأدار كل هؤلاء بتمكن، ومعه فريق تقني جيد، وعناصر مميزة، أبرزها موسيقي عمرو إسماعيل، وهي من العناصر المحورية في التعبير والتأثير عن ألوان مختلفة من المواقف الضاحكة والجادة.

نستطيع أن نقدم دراما كوميدية جيدة مثل " أنا وابن خالتي "، فلماذا يترك الموهوبون الساحة لأفلام الإيفيهات والتريقة والهزار؟!

أضف تعليق

حكايات لم تنشر من سيناء (2)

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
تسوق مع جوميا

الاكثر قراءة

إعلان آراك 2