115 يوماً لم يشهد فيها قطاع غزة إلا الدمار والقتل والخراب، بفضل آلة الحرب الإسرائيلية الطائشة، التي تستهدف كل ما تطول في قطاع غزة، دون التمييز بين الحجر والبشر، معاناة مريرة يتذوق مرارتها سكان قطاع غزة، كل يوم، بل كل لحظة، بين استشهاد وإصابات، وتدمير منازلهم، ونزوحهم من مكان إلى آخر، وفي ظل هذه الأوضاع المأساوية، إلا أن فصل الشتاء فاقم المعاناة؛ فتجتاح العواصف خيام النازحين، وتغرقها الأمطار الغزيرة.
تجارب مؤلمة وأزمة إنسانية هائلة، يسرد تفاصيلها إعلاميون فلسطينيون، دمر الاحتلال منازلهم، واضطروا للنزوح عدة مرات من مكان لآخر في قطاع غزة، ومع ذلك يؤكدون إصرارهم على التمسك بواطنهم، إيًا كان ما فعلته أو ستفعله إسرائيل، لأنهم أصحاب الأرض، ولن يتخلوا عن تمسكهم بها، ما بقي الزعتر والزيتون.
تبدأ سالي ثابت الإعلامية والمراسلة الميدانية بقناة الكوفية الفلسطينية، التي نزحت عدة مرات، منذ بدء الحرب في 7 أكتوبر، قائلة: يعيش الفلسطينيون أسوأ تجربة على الإطلاق تجربة استثنائية غير طبيعية، تم نزوح العديد من المدنيين «تهجير قسري» من آلة الحرب الإسرائيلية، والقتل والدمار والموت يلاحقهم في مدينتهم مع عائلاتهم، دون أن يتمكنو من حمل أي شئ من ممتلكاتهم، لينطلقوا أحيانا بملابس المنزل فقط إلى مناطق الجنوب في ظروف قهرية حزينة.
وتضيف: حتى أن النازحون تم استهدافهم عبر ما يسمى بـ«بأكذوبة الممرات الإنسانية الآمنة»، فهي محاولة من العدو لاصطيادهم بشكلٍ أسرع وأسهل، واستشهد العديد من النازحين، وظلوا لساعات ينزفون دون أن يسمح الاحتلال لطواقم الإسعاف بانقاذهم حتى تعفنت جثثهم وتحللت.
وتتابع: 115 يومًا بلا كهرباء ولا وقود للمركبات، وهذا ما يضاعف أعداد الشهداء؛ بسبب عدم تمكن المركبات المدنية وحتى مركبات الإسعاف من التحرك للوصول إلى أماكن الاستهداف؛ لنقل المصابين لإسعافهم، والوسيلة الوحيدة للتنقل هى العربة التى يجرها حيوان مع انهيار تام للمنظومة الصحية، بعد استهداف المستشفيات الكبرى كالشفاء والاندونيسي والمعمداني والعودة وكمال عدوان كل من تلك المستشفيات عاش لحظات عصيبة، من اقتحامات للآليات والدبابات واعتقال الأطباء والنازحيين، واغتيالهم واقتيادهم إلى جهات مجهولة، حتى المرضى لم يسلمو من انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي وارتقى معظمهم ودفن بعض الجرحى وهم أحياء.
أجواء دموية
وتكمل: كل هذا والعالم صامت و إسرائيل ضربت بعرض الحائط كافة الأعراف والقوانين والمواثيق الدولية، واتفاقية جنيف الرابعة، واقترفت ابشع المجازر والمذابح ضد المدنيين في قطاع غزة، نحن نمر في كل لحظة بأجواء دموية، ومجازر ومذابح بكافة مناطق قطاع غزة.
وتضيف: خطة التهجير مستمرة ومتتالية، نعيشها بكل يوم كتجربة شخصية، تم نزوحى قسرا من مدينتى غزة أكثر من مرة وبعد ذلك نزحت إلى الوسطى، وقبل أيام وصلت إلى رفح، وكل ذلك النزوح رغما عنا بفعل آلة الحرب الإسرائيلية، التى لا خط أحمر لها ف إسرائيل تقتل الفلسطيني بأسلحة أمريكية إسرائيلية «فتاكة محرمة دوليًا»، وبضوء أخضر من أمريكا تُلقي غاز الفسفور الخانق والقاتل على المدنيين، تقصف بمقاتلات الحرب وتستهدف بمدفعية الدبابات التى تتمركز وتتمحور على كافة محاور قطاع غزة، يهاجر الفلسطيني ظلمًا ورغمًا عنه خوفًا على حياته من القتل المتعمد، لمناطق ليست أكثر أمانًا، وفي أغلب الأحيان يستشهد الفلسطيني أثناء نزوحه.
وتكمل: رغم كل ما حدث وما يحدث لم أفكر ولو للحظة بمغادرة قطاع غزة مدينتنا التي أحبها حب يعقوب ليوسف، ولا أنوى الهجرة أو الخروج منها، فنحن ولدنا وتربينا وعشنا بهذه المدينة الشاهدة على سنوات عمرنا، ونحن عشقنا وشاهدنا تفاصيلها، وبطبيعة عملي كإعلامية لدي واجب ورسالة سامية، وهي «توصيل صوت الحق للعالم»، ورسائل المواطن الذي أُبيد وهُجر قسرًا وقهرًا، واستنفزت طاقته آلة العسكرية الإسرائيلية الغاشمة.
بريق أمل
وتتابع: ولكن موقف مصر منذ بداية الحرب على غزة، هو أكثر شئ يجعلنا متعلقون بالأمل ونشعر بالطمأنينة، من ردود فعل دولة مصر الشقيقة القريبة قلبًا وقالبًا، ووقوفها جنبا الى جنب ضد الإبادة الجماعية التي تحدث كل يوم بحق الشعب الفلسطيني، وتدين وتشجب المجازر المتتالية علينا، وضد الأسر النازحة والشعب المدني الأعزل.
وتكمل: مصر سارعت بتقديم مقترحات لوقف الحرب على غزة، وحشدت مع كثير من الدول العربية والغربية لجلب حقوق الشعب الفلسطيني، ووقف شلالات الدم التي تسيل بمدينة غزة، وفتحت الطرق المعابر؛ لإدخال المساعدات وفسح المجال لإخراج المصابين والجرحى من القطاع، وإقامة نقاط طبية ومستشفيات ميدانية وإسعاف؛ لاستقبال المكلومين من غزة، فنحن نعتز بهذا الدور المميز والذي اعتدنا عليه من دولة مصر الشقيقة.
ومن جانبه، يروي أحمد اللوح كبير مراسلي إذاعة صوت الوطن بقطاع غزة، تجربته الشخصية مع النزوح، بعدما دمر الاحتلال منزله واضطر للنزوح هو وأسرته، قائلًا: تجارب كثيرة عصرنا هنا في قطاع غزة، فأنا أصيبت عدة مرات بكسور في قدمي ويدي، ولكن ولا زالت أقاوم بصوتي وبقلمي وبصورتي، ما دُامت اتنفس؛ حتى اكشف جرائم هذا المحتل، الذى قصف منزلي، وأصبحت بلا مأوي، انا هنا من قطاع غزة، اتحدث بمرارة الكلمات، فأصبحنا في أزمة كبيرة، نطلب ما على العالم من واجبات ليقدم لنا ولأبناء شعبنا المساعدات السريعة؛ حتى يتم تلبية أدني متطلبات الحياة اليومية لنا ولأطفالنا، كالأدوية والأغطية والطعام والمياة، أبسط مقومات الحياة الأساسية؛ والتي أصبحت غير متوفرة.
عالم مظلم
ويضيف: هناك بالفعل مساعدات تدخل قطاع غزة لكنها لا تكفى 5% من احتياجات أبناء الشعب، هنا الجميع محتاج للدعم السريع من كافة العالم؛ حتى يتم الوصول إلى كل بيت «أننا هنا في قطاع غزة أصبحنا نعيش حياة بدائية ينقصها كل شي»، حتى أصبح كل ما نأمل به، وهو استكمال تعليمنا ودراستنا العليا، أصبحنا الآن في عالم مظلم، حتى حُرمنا من هذا التعليم ومن هذه الأمنية، التي كنا نتمنها، أصبحنا نازخين ومُهجرين من بيوتنا نفترش الأرض، لا يوجد أي شئ لنا الآن إلا السماء التي نلتحف بها، والأرض لنفترشها.
ويتابع: أهالي قطاع غزة يعيشون وضعًا مأساويًا وصعبًا، وانا اتحدث الآن بقربي العديد من أصوات الانفجارات القوية والدمار، التي نحن نعيشها الآن بين ركام هذه المنازل المدمرة، انعدام للتيار الكهربائي يكاد لا يأتي لو للحظة واحدة، وهناك انقطاع كامل للمياة والوقود، وضع صعب جدا يعيشه أبناء قطاع غزة، لا وجود لأي مقوم من مقومات الحياة، حتى النساء اللواتي خرجن من البيوت التي دمرها الاحتلال خرجن بالملابس التي عليهن فقط، دون أي شئ آخر يحميهم من البرد القارس، وشدة الرياح والعواصف الرعدية، فقط بالملابس، ها نحن نسير في فصل الشتاء نتكلم عن أوضاع غاية في الصعوبة.
ويستكمل: في ظل استمرار عدوان الاحتلال وحرب الإبادة على أبناء الشعب في قطاع غزة، الدمار الشامل والقصف العنيف للمنازل؛ نتج عنه أشلاء هنا وهناك، لا زالت الإصابات واقعة في الشوارع لا زال الشهداء ملقون في الشوارع، غزة «أصبحت عتمة»، أصبح لا وجود لها من على خريطة النور أو العلم والثقافة، كل شئ الاحتلال دمره بشكلٍ كامل، قصف محطات وإسلاك الكهرباء الممتدة في الشوارع والتي توصل النور للمنازل، قصف آبار المياة وحتى المساجد وجميع دور العبادة، ومراكز تحفيظ القرآن والجامعات والمدارس، كل شئ داخل قطاع غزة أصبح يُدمر ويقتل، القطاع بالكامل أصبح عبارة عن كوم من الركام والرماد، بجانب استهدافه المباشرة للطواقم الطبية، حتى لا تسعف الجرحى، وحتى الصحفية التي تحاول أن تصل للمصابين والشهداء، حتى لا تنقل الصورة للعالم.
تمسك رغم الدمار
ويضيف: المعاناة كبيرة والخوف لا زال يخيم على جميع سكان قطاع غزة، لا سيما الأطفال والنساء، ولكن سيظل الوطن وحب الوطن والأرض مكانه هو منبع القلب، ويجري ويسري كـ سريان الدم في العروق، فلا أحد ينكر جميل الوطن، وكلنا هنا مدينون لوطننا فلسطين الحبيبة، لا أحد يتحدث على الإطلاق عن آماله في ترك غزة رغم القصف والدمار وكل شئ.
ويضيف: على الرغم من تدمير منزلي ومربع سكني كامل يعود لعائلتي بأكملها، وعقب تدمير قام بتجريف المنطقة بالكامل، فحدث محو كامل لمنازلنا،ولا يوجد مآوي لنا الآن إلا الخيم، ورغم ذلك حتى بعدما بقيت لنا الشوارع فقط، فلن نترك قطاع غزة ولن نخرج من وطننا متمسكون بالوطن ما بقيا الزعتر والزيتون، هذا هو لسان حال أهالي قطاع غزة.
ويتابع: موقف مصر مشرف ويُحترم من كامل الشعب الفلسطيني، و مصر هي الأم في هذه القضية، تراعي اتفاقيات التهدئة ووقف إطلاق النار وهي التي تقدم كل شئ من أجل شعبنا، فسمحت بفتح معبر رفح رغم المضايقات، وتقوم بإدخال المساعدات الإنسانية قدر المستطاع من أدوية ومواد غذائية ومستلزمات طبية لأهالي قطاع غزة، وفي ظل استمرار العدوان.
ويضيف: الموقف المصري مشرف ووطني بامتياز لا يمكن أن يتم تجاهله من أي طرف من الأطراف سواء من الجانب الفلسطيني وحتى من جانب الاحتلال الإسرائيلي، الجميع يعلم حجم المساعدة المصرية بدايةً من أول يوم في الحرب، ولا يمكن محو هذا الموقف ومن يتحدث بأن أي اتفاق أو عملية لوقف إطلاق النار في غزة سيكون بعيدًا عن مصر فهو واهم كل الوهم، فأي موقف أو عملية تحدث أو ستحدث يجب أن تكون عليها بصمات مصر لكي تنجح.
رائحة طيبة
ويستكمل: مصر هي الحاضنة والأم لكل الشعب الفلسطيني، والبوابة الجنوبية لقطاع غزة ومنفس فلسطين والرائحة الطبية التي نستنشق عبيرها نحن الشعب الفلسطيني، وموقف مصر الوطني ليس وليد هذه الأزمة بل من عشرات السنين وحتى الآن هي الداعمة للقضية الفلسطينية وتخفف عن معاناة أهالي قطاع غزة.