فاض بنا الكيل.. ثورة الفلاحين والعمال تجتاح أوروبا

فاض بنا الكيل.. ثورة الفلاحين والعمال تجتاح أوروباصوره من المظاهرات

عرب وعالم1-2-2024 | 13:05

بعد هدوء نسبي على جبهة الاحتجاجات في الأيام الماضية المنصرم، يخطط المزارعون لاتخاذ إجراءات جديدة للضغط بشكل أكبر على الحكومات من خلال حصار المناطق بجراراتهم اعتبارا من يوم الإثنين الماضي ولفترة غير محددة.

احتجاجات المزارعين في ألمانيا

شارك نحو 25 ألفا من المزارعين الألمان في مظاهرة جابت شوارع المربع الحكومي بالعاصمة برلين، مطالبين بإحداث تغييرات جذرية في السياسات الزراعية لحكومتهم والاتحاد الأوروبي، وعبروا عن رفضهم لمعارضة وزيرة الزراعة الألمانية إلزا أيغنر تخصيص المفوضية الأوروبية مبلغ 55 مليار يورو؛ لدعم توجه الفلاحين الأوروبيين للزراعات الطبيعية البعيدة عن استخدام الكيماويات والجينات الوراثية.

وحملت المظاهرة عنوان"فاض بنا الكيل"، وهي تجري للعام الثالث على التوالي بمناسبة انعقاد الأسبوع الأخضر، الذي يقام ببرلين هذا العام خلال الفترة بين 17 و29 يناير الماضي، ويعد أكبر معرض في العالم للمنتجات الزراعية والغذائية.

ودعت للمظاهرة جمعيات في مجال حماية حقوق المستهلك والبيئة والحيوان، من أهمها: أتاك وأوكسفام وبوند.

وانطلقت المظاهرة من أمام محطة قطارات برلين المركزية، وجابت المربع الحكومي، حيث مقار البرلمان الألماني (البوندستاج) وعدد من الوزارات، وانتهت بتنظيم 70 جرارا زراعيا حصارا رمزيا لدائرة المستشارية الألمانية.

دعوة للتغيير وعدد متحدثون بكلمات ألقيت أمام المتظاهرين أهداف المظاهرة بالدعوة لإجراء تغيير جذري في السياسات الزراعية في ألمانيا وأوروبا، ومعارضة التحويل الواسع للزراعة إلى صناعة، وعزل مواليد الحيوانات المنتجة للألبان عن أمهاتها، وإعطاء الأولى ألبانا وأعلافا صناعية لبيع ألبان أمهاتها، ورفض استخدام الجينات والهرمونات الوراثية والكيماويات في الزراعة.

واعتبر رئيس المنظمة الألمانية لحماية الطبيعة ومكافحة الطاقة النووية (بوند)، هوبرت فايغنر، أن استمرار السياسات الزراعية الأوروبية الحالية سيؤدي لمشكلات غذائية واقتصادية كبيرة بالعالم.

وقالت رئيسة الاتحاد الألماني لمنتجي الألبان، يوهانا بويزه: إن انتهاج طريق الليبرالية الجديدة في الاقتصاد الأوروبي سيؤدي إلى تدمير المزارع الصغيرة.

وانتقد رئيس القسم السياسي بمنظمة (خبز للعالم) الكنسية الألمانية، كلاوس زايتس، السياسات الزراعية الأوروبية تجاه الدول النامية، وأشار إلى أن هذه السياسات تمثل تهديدا للمزارعين في الدول الفقيرة.

وطالب المتحدثون في المظاهرة المستهلكين الألمان والأوروبيين بالضغط على نوابهم بالبرلمان الأوروبي؛ لدعم إقرار خطة للإصلاح الزراعي الأوروبي أعدتها المفوضية الأوروبية، ولاقت معارضة من عدد كبير من الحكومات الأوروبية وفي مقدمتها ألمانيا.

وتقضي الخطة المقرر نقاشها والتصويت عليها في البرلمان الأوروبي خلال الأسبوع الجاري، بتخصيص مبلغ 55 مليار يورو لدعم الفلاحين الأوروبيين أصحاب الزراعات العضوية البعيدة عن استخدام الجينات والكيماويات، بدلا من توجيه هذا المبلغ لعموم فلاحي أوروبا مثلما جرى في السابق.

وأعطى هذا الدعم في السنوات الماضية بلا شروط غير أن المفوضية الأوروبية اشترطت بموجب خطة الإصلاح الجديدة توفر ثلاثة شروط للفلاحيين، الذين سيحصلون على الدعم المالي.

وتضمنت شروط الدعم تخصيص كل فلاح راغب بالحصول على الدعم المالي 7% من مساحة أرضه للنباتات والمزروعات التلقائية وليس للمحاصيل التجارية، وتنويع المزارع للمحاصيل المزروعة بأرضه خلال الموسم الواحد وعدم قصرها على محصول واحد، وعدم تجاوز الفلاح زراعة محصول الذرة بأرضه عن 70% من مساحتها، وبقاء مساحة أراضي رعي الحيوانات المستخدمة في زراعة محاصيل تجارية، عند 5% بحلول عام 2020.

وأبدت وزيرة الزراعة وحماية المستهلك الألمانية إلزا أيغنير مدعومة باتحادات المزارعين الكبار معارضة للخطة الجديدة للإصلاح الزراعي الأوروبي.

وأوضح ممثل حزب الخضر المعارض بلجنة الزراعة في البرلمان الألماني، فريدريش أوستدورف، أن المزارعين الألمان سيحصلون بموجب الخطة الجديدة على دعم يقدر بخمسة مليارات يورو.

وتهدف خطة المفوضية الأوروبية للإصلاح الزراعي لحماية التربة وصغار المزارعين وزيادة جودة المحاصيل والمنتجات الزراعية من خلال التوسع بالزراعات العضوية.

يشار إلى أن خمسة ملايين شخص يعملون بالزراعة من بين 82 مليون نسمة يمثلون تعداد سكان ألمانيا، التي بلغت قيمة صادراتها الزراعية ،بعد الاكتفاء المحلي- 62 مليار يورو العام الماضي.

احتجاجات المزارعين في فرنسا

رغم محاولات الحكومة الفرنسية تهدئة غضبهم إلا أن المزارعين صعدوا من حراكهم المعارض الذي طال عدة دول أوروبية أخرى منها بلجيكا وإسبانيا وإيطاليا واليونان. وتقدم المزارعون بجراراتهم نحو مدينة ليون بجنوب شرق فرنسا كما ضيقوا الخناق على الضاحية الجنوبية لباريس، وأوقفت السلطات نحو مئة منهم على خلفية احتجاجاتهم.

على خلفية احتجاجات هم، التي تشهد توسعا في دول الاتحاد الأوروبي، أوقفت الشرطة الفرنسية نحو مئة مزارع، حيث يتصاعد غضبهم رغم محاولات الحكومة تهدئتهم بطرق عدة. وأجبر هذا الحراك بروكسل على تقديم تنازلات.

وبعد اقتحامهم في وقت متأخر "منطقة تخزين" في سوق رونجي، أكبر سوق للمنتجات الطازجة في العالم ونقطة إمداد مهمة للعاصمة الفرنسية، تم القبض على 79 شخصا، بالإضافة توقيف 15 شخصا بتهمة "عرقلة حركة المرور" في وقت سابق قرب رونجي جنوبي باريس.

هذه التوقيفات هي الأولى في حركة الاحتجاج التي تصاعدت منذ عدة أيام في فرنسا، حيث قام مزارعون بإغلاق العديد من الطرق السريعة المؤدية إلى باريس بجراراتهم، ما تسبب في أزمة اجتماعية جديدة بعد عام من الإصلاحات المثيرة للجدل في نظام التقاعد.

وفي نفس يوم الاحتجاج، تم تسجيل أكثر من 80 إغلاقا وخروج 6000 متظاهر و4500 مركبة في أنحاء البلاد، بحسب مصدر في الشرطة. وأبدى وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان، المعروف بحزمه، تفهمه للاحتجاجات.

وإذ رحبت باريس بكون بروكسل "استجابت لطلبات فرنسا"، اعتبرت منظمة "كوبا-كوغيكا"، التي تضم غالبية النقابات الزراعية في الاتحاد الأوروبي أن الإعفاء يأتي "متأخرا" ويظل "محدودا".

تتكرر نفس المطالب والانتقادات في أغلب البلدان الأوروبية، التي تواجه سخط المزارعين: السياسة الأوروبية معقدة للغاية، والأرباح منخفضة بشدة، والتضخم مرتفع، والمنافسة الأجنبية وخاصة من المنتجات الأوكرانية غير منصفة، في ظل ارتفاع أسعار الوقود.

هناك موضوع خلاف آخر لا يزال دون حل في بروكسل: تتفاوض حاليا المفوضية الأوروبية، المسئولة عن السياسة التجارية للدول السبع والعشرين، حول اتفاق تجارة حرة مع دول الميركوسور (البرازيل والأرجنتين وأوروغواي وباراغواي)، ما يثير قلق القطاع الزراعي في الدول الأعضاء وقد أعلنت باريس معارضتها له.

واعتبر وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لومير أن هذا الاتفاق مع دول الميركوسور الزراعية المهمة "ليس في صالح مربي الماشية لدينا ولا يمكن، ولا يجب، التوقيع عليه بصيغته الحالية"، معربا عن استعداده لخوض "مواجهة" مع المفوضية.

من المقرر أن يجتمع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي رفض "تحميل أوروبا المسئولية" مع رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين الخميس، على هامش القمة الأوروبية حول دعم أوكرانيا.

ودعا الأمين العام للاتحاد الوطني الفرنسي لنقابات المزارعين أرنو روسو إلى "الهدوء والتروي"، مشيرا إلى أن "التوقعات هائلة" في مواجهة "تراكم المعايير والقواعد".

وأوضح أن "هناك أيضا العديد من القضايا الأوروبية التي لا يمكن حلها خلال ثلاثة أيام".

والغضب مرده السياسة الزراعية الأوروبية المشتركة الجديدة، التي عززت الأهداف البيئية الملزمة منذ العام 2023، وقانون "الميثاق الأخضر" الأوروبي، وأن لم يدخل حيز التنفيذ بعد.

وإذ كانت فرنسا المستفيد الأول من الإعانات الزراعية الأوروبية، التي تجاوزت قيمتها تسعة مليارات يورو سنويا، إلا أن مزارعيها نددوا بالسياسة الزراعية المشتركة

احتجاجات المزارعين في إيطاليا

تحدثت مصادر إعلامية إيطالية عن اشتعال فتيل الاحتجاجات من قبل المزارعين في أرجاء البلاد، كما كان متوقعا،وقالت إن الفلاحين الإيطاليين يتظاهرون "من أجل الدفاع عن أراضيهم من السياسة الأوروبية، التي يرون من ناحية أنها شديدة التقييد للقواعد البيئية في إطار الصفقة الخضراء، ومن ناحية أخرى، متساهلة للغاية مع ثغرات قواعد اللحوم المزروعة".

وأضافت أن "المنتجين والمربين الزراعيين الإيطاليين، يتحركون من الأسفل بدون أعلام، استعدادا لتصعيد الاحتجاج. لقد ظلوا يقولون ذلك لعدة أيام، لدرجة أن من المتوقع اليوم أن تكون هناك تعبئة كبيرة أخرى، تنظمها حركة يقودها الشباب في المقام الأول، تطلق على نفسها اسم: الخلاص الزراعي”.

حيث تظاهر آلاف المزارعين، من سردينيا إلى بيدمونت، . ورفع متظاهرون لافتة كتب عليها "الزراعة تحتضر" في بلدة كونيو في شمال البلاد أثناء تظاهرهم.

وقال وزير الزراعة الإيطالي فرانشيسكو لولوبريجيدا "يجب أن نقول إن بعض خيارات الاتحاد الأوروبي خاطئة"، مضيفا "إن خفض الإنتاج مع بقاء الاستهلاك على نفس المستوى يعني شراء المزيد من أولئك الذين لا يحترمون قواعدنا بشأن حقوق العمل والبيئة".

احتجاجات المزارعين في إسبانيا

النقابات الزراعية الإسبانية تنضم إلى احتجاجات المزارعين في أوروبا.

أعلنت النقابات الزراعية الرئيسية في إسبانيا انضمامها إلى الاحتجاجات التي تجري في العديد من الدول الأوروبية بشأن الأزمة في هذا القطاع.

وقالت النقابات الزراعية الثلاث الرئيسية في إسبانيا إنها ستنضم إلى العدد المتزايد من الاحتجاجات التي تجري في العديد من الدول الأوروبية.

وأكدت جمعية المزارعين "ASAJA" في بيان صحفي أن "غالبية المنظمات الزراعية المهنية، ASAJA وCOAG وUPA، وافقت على استئناف جدول خطاباتها للمطالبة بخطة طموحة، بما في ذلك التدابير على مستوى الاتحاد الأوروبي وعلى مستوى الحكومة الإسبانية".

وأوضحت: "يواجه القطاع الزراعي في أوروبا وإسبانيا مخاوف متزايدة بسبب الظروف الصعبة الخانقة الناتجة عن لوائح الاتحاد الأوروبي، كما يشعر المزارعون بأن عليهم التعامل مع سوق غير منظمة تستورد المنتجات الزراعية من بلدان ثالثة بأسعار منخفضة، مما له تأثير سلبي على تسويق المحاصيل المنتجة في كل من الاتحاد الأوروبي وإسبانيا".

تم الإبلاغ عن تجمعات قرب ليون وزامورا في الشمال الغربي. وأعلن وزير الزراعة الإسباني أنه سيستقبل الجمعة الاتحادات الزراعية الرئيسية الثلاثة التي وعدت بـ"التعبئة" في "الأسابيع المقبلة".

كما دعا المزارعون البرتغاليون إلى التعبئة صباح الخميس على طرق البلاد بالجرارات والمركبات الزراعية.

و أضافت كلا من نقابة عمال المزارعين البرتغاليين والاتحاد الوطني للزراعة، الذي يمثل مزارعي المزارع الصغيرة والمتوسطة، أن المزارعين المحتجين في هذا البلد بدأوا احتجاجات ومسيرات بطيئة، وستكون هناك فعاليات احتجاجية أخرى، لكن لم يتم تحديد مواعيد هذه الأحداث بعد.
كما ظهرت الاحتجاجات و المظاهرات في كلا من بولندا ورومانيا وبلجيكا واليونان.

في مواجهة السخط، قدمت المفوضية الأوروبية تنازلات الأربعاء حول أمرين يثيران استياء المزارعين، فقد اقترحت بالنسبة لعام 2024 منح إعفاء "جزئي" من إراحة الأرض الإلزامية التي تفرضها السياسة الزراعية المشتركة، وبحث آلية للحد من الواردات الأوكرانية، وخاصة الدواجن.

أضف تعليق

تدمير المجتمعات من الداخل

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
إعلان آراك 2