نجوم في ذاكرة رمضان : سمير غانم

نجوم في ذاكرة رمضان : سمير غانممحمود عبد الشكور

الرأى17-3-2024 | 17:35

ظل سمير غانم و سيبقي جزءًا من ذاكرة رمضان سواء بفوازيره مع جورج والضيف أو فوازير سمورة و فطوطة في الثمانينيات أو بعرض بعض أعماله الدرامية في رمضان، مثل مسلسل " حكاية ميزو "، أو مسلسل "شربات لوز" أو بمشاركاته الأخيرة مع ابنته الموهوبة دنيا، كما في مسلسل " لهفة ".

ولكن ذاكرتي الشخصية عن سمير وأعماله حافلة بالتفاصيل والحكايات، ففي أول مرة شاهدت فيها سمير غانم شخصيا، أدهشني أنه يبدو كرجل عجوز.

كان خارجا لتوه من الملحق التجاري لفندق رمسيس هيلتون، حيث يعرض مسرحية بعنوان «بهلول في اسطنبول»، ويسير ببطء شديد مرتديا معطفا أسود، في طريقه إلي مبني التليفزيون.

ظننت في البداية أن دهشتي سببها ارتباطه في ذهني بصورته القديمة كشاب، لكني عندما عدت إلي أعماله في نفس السنة، التي رأيته فيها اكتشفت أنه يتحول تقريبا عندما يقف أمام الكاميرا أو الجمهور، يعود شابا شديد الحيوية، ويتبخر تماما ذلك الرجل العجوز المرهق.

من المستحيل ساعتها أن تخمن عمره الحقيقي أو أن تعرف من أين يأتي بهذه الطاقة والحيوية؟

سمير كان دائما شابا بفنه وأدائه، كان يعرف ويدرك ذلك، لم يتوقف أبدا عن العمل حتي أيامه الأخيرة.

كان فنه هو عمره الأهم و الموازي، الذي يستحقه عن جدارة.

وكلما شاهدت عملا استثنائيا ل سمير غانم مثل «موسيكا في الحي الشرقي» أو « حكاية ميزو » أو «البعض يذهب إلي المأذون مرتين»، تتجسد أمامي فكرة «سلطنة» المؤدي وهو يبدع وكأنه مطرب، يأخذ من الجمهور ويعطيه، يمتع ويستمتع، ويفعل كل شيء يكتشف إمكانياته بقدر ما يكتشفها الجمهور، يصول ويجول، يطير بلا أجنحة، وينتشي بلا خمر.

في مشهد استدعاء سمير لأولاده من خلال النفير في «موسيكا في الحي الشرقي» قال لصفاء أبو السعود: «يا سيدي.. ايه اللي باهببه ده؟».
أحسب أنه كان يقول العبارة لنفسه، منتشيا بإبداعه في لحظة سلطنة فريدة.

يمكن أن يكتفي الكوميديان بقدرة أو قدرتين، ولكن سمير غانم كان يمكنه الإضحاك في كل الاتجاهات، وبكل الأدوات: بوجهه، وجسده وبحركاته وبصوته، الذي يحوله أحيانا بكل سهولة إلي مؤثر صوتي.

بملابسه، بهيئته، بالنظرة، بالاكسسوار، بالصلعة، بالباروكة، بالشارب، بدونه بل وبمجرد الظهور أو الطلة.

كان يستطيع أن يبدع من خلال موقف ونص محكم، وكان يمكنه أيضا أن يضحكنا مرتجلا، واقفا أو جالسا، صاخبا أو هادئا.

يضحكنا بالحوار والإفيه أو من خلال أغنية، مؤديا لاسكتش أو من خلال دراما، مقدما للبرامج أو ضيفا عليها.

ممثلا في إعلان تليفزيوني.

وسط كوميديانات كبار، وكجزء من الثلاثي أو يضحكنا بمفرده كان يسير معه الضحك، حيث يسير.

أتوقف عند أفضل مسرحياته براعة وإحكاما: مسرحية «موسيكا في الحي الشرقي»، هذا بالمناسبة اسمها الرسمي، أشاهدها في كل مرة سعيدا ومستمتعا ومتأملا هذه
المواهب المدهشة، التي قدمت واحدة من أجمل مسرحيات السبعينيات، علي رأسهم سمير بالطبع.

كتبت كثيرا عن أستاذية المخرج حسن عبد السلام، الحركة، التي تبدو مستقيمة الخطوط في بداية المسرحية، سرعان ما تتأثر بحركة نرجس المربية عاشقة الموسيقي، نرجس نفسها لا تتحرك حركة عادية، ولكنها تتحرك حركة راقصة طوال الوقت، وسرعان ما يقلدها الجميع بحرية في مشهد النهاية.

سمير في دور فريد، أب مثير للسخرية من فرط تشدده وغروره وجهله بالموسيقي، يرتجل ببراعة، ويصول ويجول، يضحك بكل شيء: من الافيهات اللفظية والحركية، إلي الملابس والنظرات واللفتات.

أعتقد أن هذه المسرحية أنضجت تماما محاولات سمير، لكي يكون له أسلوب من خلال الدراما، وليس عن طريق الاسكتشات، جورج أيضا كان رائعا، وانسجامه في الأداء مع سمير واضح ومميز، وصفاء فراشة جميلة، تقف راسخة أمام موهبة سمير وجورج.

عمل متكامل مبهج، وتمصير ذكي من فهيم القاضي لفيلم «صوت الموسيقي».

اعتبرت المسرحية سخرية لامعة من السلطة الأبوية بكل مستوياتها: صورة الأب هنا مسخرة كاملة، إدارته، التي تعتمد علي العصا والزمارة، وبهيئته وملابسه وحركاته، وبحركات سمير وارتجالاته، وبالأسماء التي يطلقها علي أبنائه، وبآرائه الغريبة في الأغاني وكلماتها.

يصف الجميع الأب، قبطان الأسرة، بأنه «تافه» وتقول له نرجس: «اللي عملك أب ظلمك»، هذه العبارة مفتاح خطير للعمل.

المسرحية محاولة لإصلاح سلم الحياة المكسور، باستبعاد النشاز، وبالعودة إلي سلم الحياة الصحيح، سلم الموسيقي، كل شيء في العرض يترجم هذا التحول، من الاضطراب إلي الانسجام والتوافق، وسمير هو قلب النص والأداء كله.

في آخر رمضان حضره، كان سمير غانم يضحكنا أيضا من خلال إعلانات قصيرة لشركة اتصالات، أنجزها مع ابنته الموهوبة إيمي، ورغم ظهوره مستندا علي عكاز، إلا أنه لم يفقد قدراته الاستثنائية علي الارتجال أو علي إلقاء الإفيه في وقته.

ظل قادرا علي إضحاك الملايين، حتي من خلال هذه الإعلانات، التي تعتبر «ضحكة الوداع»، ومعها لقطة سريعة في فيلمه الأخير «تسليم أهالي»، لم ينطق إلا بعبارة واحدة في الفيلم، ولكنه أضحكنا أيضا.

في الإعلان الأول، ينجح سمير في نرفزة مخرج الإعلان (لعب دوره المخرج معتز التوني)، بإجراء مكالمات تليفونية أثناء التصوير، يسأله معتز في النهاية:

«أطلبلك حاجة يا أستاذ سمير؟»

فيرد سمير بتلقائيته المدهشة:

«يا ريت واحد آيس كريم عشان حاسس إني عايز أشرب قهوة»

في إعلان آخر، ينشغل سمير بمتابعة مسلسل طويل جدا من خلال باقة الموبايل، ولا يركز أبدا مع إيمي، ولا مع مخرج الإعلان.

يقول سمير لإيمي مستغربا:

تصوري مسلسل 140 حلقة ؟!!

فاضيللي حلقتين"

ترد إيمي:

يللا يا بابا

(تطلب منه تصوير الإعلان)

«الباروكة بتهرشني»

فيجيب سمير:

«خدي باروكتي»

ويضيف:

«تخيلي في الحلقة 160 البطل طلع أمّ البطلة !!»

تسأل إيمي:

«بتقول البطل طلع هوه البطلة؟»

يرد سمير:

«لأ.. البطل طلع أم البطلة.. يظهر بيوفّروا»

ينبض الإعلان بالبهجة بلمسات سمير.

وكأن عبد الرحمن الأبنودي كان يصف سمير عندما قال:

«أحسن ميت»

هوه اللي لما يعدي علي بالك

تضحك مش تتغم"

يذهب الفنان، ولكن يبقي الفن، وتبقي الابتسامة.

أضف تعليق

حكايات لم تنشر من سيناء (2)

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
تسوق مع جوميا

الاكثر قراءة

إعلان آراك 2