كشرت الطبيعة عن أنيابها لدول الخليج العربي، حيث تعرضت عدة دول أبرزها الإمارات وسلطنة عمان والبحرين وقطر ، لموجة سيول وفيضانات غير مسبوقة ألحقت أضراراً بالغة بالطرق والمباني السكنية وتعطيل التعليم وسقوط ضحايا من بينهم أطفال مدارس، وخسائر مادية كبيرة.
كما كشرت الكرة الأرضية عن أنيابها وشهدت عدة دول فى معظم قارات العالم زلازل وسيول وبراكين وفياضات وارتفاع حرارة غير مسبوق وأعاصير دمرت اَلاف المدن بأكملها وشردت ملايين بسبب التغيرات المناخية بفعل دول الاقتصاديات الكبرى والمستمرة برفع انبعاثاتها من غازات الدفيئة على الرغم من الانهيار البيئي والتي تقف فيها الدول الكبرى مكتوفة الأيدي تجاه البشرية دون تنفيذ تعهداتها بتمويل تغير المناخ.
وعرضت الدراسة الدولية المتميزة للمفكر والمؤرخ القضائي المصري القاضي الدكتور محمد عبدالوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة المصري، للتقاضي المناخي كوسيلة ضد الدول الاقتصادية الكبرى بعنوان ( العدالة المناخية تشرق على البشرية من أرض الحضارة والتاريخ دراسة عالمية حديثة لمنازعات تغير المناخ)، باعتبار أن تغير المناخ يأتي على رأس التحديات التي تواجه العالم في العصر الحالي والمشكلة الأكبر عالمياً، وتأتي الدراسة لرفع مستوى الوعي العام بمفهوم العدالة المناخية، ودور مصر الجوهري في هذا المجال.
ونعرض لدراسة الفقيه المصرى عن التقاضى المناخى يغزو محاكم أوروبا لإنقاذ الكوكب من الإنهيار المناخي (القضاء الهولندي والأيرلندي والبلجيكي) و10 قضايا مناخية لأول مرة في تاريخ المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان ضد (إنجلترا و النمسا و إيطاليا و فرنسا والنرويج وسويسرا والبرتغال و32 دولة أخرى)، وأن مصر أدركت الخطر مبكراً وطالبت الدول الكبرى بتحمل تعهداتها 100 مليار دولار سنوياً للدول النامية لسلامة البشرية.
التقاضي المناخي يغزو محاكم أوروبا لإنقاذ الكوكب من الانهيار المناخي
يقول الدكتور محمد خفاجى "أنه عبر قاعات المحاكم في جميع أنحاء العالم نجد العدالة المناخية تشق طريقها على منصة العدالة، لحماية كوكب الأرض ومستقبل البشرية من الدمار البيئي، ومنذ عام 2015، عام اتفاقية باريس، بدأت تلك الدعاوى القضائية من هذا النوع تتضاعف حول محاكم العالم ليتضاعف مقارنة بالفترة السابقة عليه، وهذا ما أعلنه معهد غرانثام لأبحاث تغير المناخ والبيئة، بركيزة من التقارير السنوية لكلية لندن للاقتصاد (LSE)، وهذا ما يعني أن القانون البيئي طرق أبواباً جديدة على أعتاب منصة القضاء العالمية للتعبير عن نفسه حماية لبيئة اَمنة ومناخ صحي يحمي البشرية من الانهيار".
نزاع مناخي لمؤسسة Urgenda ضد هولندا لمطالبة الحكومة بخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بنسبة 25%
يقول د. محمد خفاجى: "أن أول قضايا المناخ ضد أوروبا نزاع مناخي لمؤسسة Urgenda ضد هولندا لمطالبة الحكومة بخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بنسبة 25%، ففي هولندا لجأت مؤسسة Urgenda إلى نزاع مناخي طالبة الحكومة الهولاندية بخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بنسبة 25% حتى عام 2020، وقد نظرت القضية محكمة الاستئناف الهولندية من 900 مواطن هولندي أقاموا الدعوى القضائية وأمرت المحكمة الجزئية في 24 يونيه 2015، في لاهاي الدولة الهولندية بالحد من انبعاثات غازات الدفيئة إلى 25% دون مستويات عام 1990 بحلول عام 2020، وأقامت المحكمة قضاءها على أن تعهد الحكومة الحالي بخفض الانبعاثات بنسبة 17% غير كافٍ لتلبية مساهمة الدولة العادلة نحو هدف الأمم المتحدة المتمثل في الحفاظ على زيادات درجات الحرارة العالمية في حدود درجتين مئويتين من ظروف ما قبل الصناعة، واستندت المحكمة إلى أنه على الدولة واجب اتخاذ تدابير التخفيف من آثار تغير المناخ بسبب شدة عواقب تغير المناخ والمخاطر الكبيرة لهذا التغير للوصول إلى هذا الاستنتاج".
ويؤكد د. محمد خفاجى: "أن حكم المحكمة الهولاندية يعد أول حكم قضائى تتخذه محكمة في العالم يأمر الدول بالحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري لأسباب أخرى غير التفويضات القانونية لجأت فيه المحكمة إلى ابداعات قانونية لمناخ اَمن بمبادئ عدة، بيد أن الحكومة الهولندية قدمت استئنافًا ضد هذا الحكم بأن Urgenda لا يمكنها الاحتجاج مباشرة بالمادتين 2 و8 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان (ECHR) في هذه الإجراءات، وفي المقابل قدمت مؤسسة Urgenda استئنافًا متعارضًا، وفي 9 أكتوبر 2018 أيدت محكمة استئناف لاهاي حكم محكمة المقاطعة، ثم طعنت الحكومة الهولندية في حكم الاستئناف أمام المحكمة العليا الهولاندية، وبجلسة 20 ديسمبر 2019 أسدلت المحكمة العليا في هولندا الستار عن هذا النزاع المناخي وقررت رفضه وتأييد حكم المحكمة الأدنى درجة بموجب المادتين 2 و8 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان واجبتى التطبيق والسريان في هولندا".
قضية أيرلندا بشأن خطة التخفيف الوطنية التي تسعى إلى الانتقال إلى اقتصاد منخفض الكربون بحلول عام 2050
يقول د محمد خفاجى " توالت الدعاوى القضائية عن منازعات المناخ محاكم العالم , ففي عام 2017 جاء دور أيرلندا مع قضية المناخ التي روجت لها منظمة أصدقاء البيئة الأيرلندية ، وانتصرت أيضًا فى حق المناخ الاَمن ، مما أجبر الدولة الأيرلندية على سن قانون جديد وأكثر صرامة بشأن الانبعاثات الملوثة حيث رفع أصدقاء البيئة الأيرلندية (FIE) ، دعوى في المحكمة العليا بحجة أن موافقة الحكومة الأيرلندية على خطة التخفيف الوطنية في عام 2017 تنتهك قانون العمل المناخي والتنمية منخفضة الكربون في أيرلندا لعام 2015".
"وقد نظرت القضية أمام المحكمة العليا في 22 يناير 2019 طلبت FIE من المحكمة العليا إلغاء قرار الحكومة، وفي 19 سبتمبر 2019 تم رفض القضية لصالح الحكومة، وفي 22 نوفمبر 2019، تم الطعن على هذا الحكم أمام المحكمة العليا في أيرلندا، وبجلسة 31 يوليو 2020، نقضت المحكمة العليا حكم المحكمة الابتدائية وأصدرت حكمًا بإلغاء الخطة، وقررت المحكمة أن الخطة لا ترقى إلى مستوى التحديد الذي يتطلبه القانون لأن الشخص العادى لن يفهم كيف ستحقق أيرلندا أهدافها لعام 2050، وأوضحت المحكمة أن الخطة المتوافقة يجب أن تكون محددة بما فيه الكفاية فيما يتعلق بالسياسة خلال الفترة بأكملها حتى عام 2050".
قضية بلجيكا قضية بتقليل الانبعاثات إلى 48% عام 2025 وما لا يقل 65% عام 2030
ويذكر د. محمد خفاجى: "في بلجيكا كذلك فإن القضاء البلجيكي أقر بأن قوانين المناخ الحالية ليست فعالة تمامًا في حماية الحق في الحياة المنصوص عليه في الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، وتم رفع قضية من قبل منظمة "Klimaatzaak" وتدخل معها 58000 مواطن، بركيزة أن القانون البلجيكي يتطلب نهج الحكومة البلجيكية لتقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري الأكثر عدوانية، وحملت عريضة الدعوى ضد الدولة البلجيكية ومنطقة والون والمنطقة الفلمنكية ومنطقة العاصمة بروكسل، وقد طلب المدعون تخفيضات بنسبة 40% دون مستويات عام 1990 بحلول عام 2020 و87.5% أقل من مستويات عام 1990 بحلول عام 2050، كما طالبوا الحكومة لتقليل الانبعاثات من 42 إلى 48% في عام 2025 وما لا يقل عن 55 إلى 65% في عام 2030".
"وفي جلسة 17يوليو2021، قضت محكمة بروكسل الابتدائية بأن الحكومة البلجيكية انتهكت واجبها في العناية، بالفشل في اتخاذ التدابير اللازمة لمنع الآثار الضارة لتغير المناخ، لكنها رفضت تحديد أهداف خفض محددة على أساس مبدأ الفصل بين السلطات، ولم تيأس منظمة Klimaatzaak ومعها الخصوم المنضمين البالغ عددهم 58000 مواطناً وأقامت استئنافًا ضد حكم محكمة بروكسل الابتدائية في 17 نوفمبر 2021 يصممون فيه على طلباتهم وضع أهداف ملزمة محددة تتعلق بالحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بمرور الوقت، ومازال الطعن في هذه القضية منظوراً أمام المحكمة العليا في بلجيكا حتى كتابة هذه السطور، حول مدى إجبار الحكومات الفيدرالية والإقليمية على تقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري".
-- 10 قضايا مناخية لأول مرة في تاريخ المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان ضد إنجلترا و النمسا و إيطاليا و فرنسا والنرويج وسويسرا والبرتغال و32 دولة أخرى
يضيف الدكتور محمد خفاجى: "أن 10 قضايا مناخية لأول مرة في تاريخ المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان ضد إنجلترا و النمسا و إيطاليا و فرنسا والنرويج وسويسرا والبرتغال و32 دولة أخرى.
- القضية المناخية الأولى التي تنظرها المحكمة ضد المملكة المتحدة هي الفشل في الحد من انبعاثات غازات الدفيئة المقامة في 11 يوليو 2022.
- القضية المناخية الثانية التي تنظرها المحكمة ذاتها ضد المملكة المتحدة زراعة المصانع والأوبئة ومقاومة المضادات الحيوية المقامة في 26 يوليو 2022.
- القضية المناخية الثالثة التي تنظرها تلك المحكمة ضد النمسا و11 دولة أخرى تغير المناخ ومعاهدة ميثاق الطاقة.
- القضية المناخية الرابعة التي تنظرها المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان ضد إيطاليا و32 دولة أخرى عن الاحتباس الحراري والرياح والعواصف والحرائق وموجات الحرارة المقامة في 3 مارس 2021.
- القضية المناخية الخامسة التي تنظرها المحكمة ضد إيطاليا و32 دولة أخرى الضيق التنفسي بسبب الاحتباس الحراري المقامة في 3 مارس 2021.
- القضية المناخية السادسة التي تنظرها المحكمة ضد فرنسا وما إذا كان هناك انتهاك للمادة 8 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان على أساس التعرض لمخاطر المناخ بسبب عدم كفاية الإجراءات الحكومية المقامة فى عام 2021.
- القضية المناخية السابعة التي تنظرها المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان ضد النرويج وما إذا كانت النرويج قد انتهكت الحقوق الأساسية للنرويجيين من خلال اعتماد قرار ترخيص كتل جديدة من بحر بارنتس لتطوير استخراج النفط والغاز في أعماق البحار وعدم اتخاذ الإجراءات اللازمة لمواجهة مخاطر أزمة المناخ.
- القضية المناخية الثامنة التي تنظرها المحكمة ضد سويسرا ومدى كفاية أهداف الحكومة السويسرية للتخفيف من آثار تغير المناخ وتدابير التنفيذ والانتهاكات المحتملة لحقوق الإنسان من عدمه.
- القضية المناخية التاسعة التي تنظرها المحكمة ذاتها ضد النمسا وما إذا كانت النمسا قد انتهكت الحقوق الأساسية لمريض التصلب المتعدد من خلال تقاعسها بشأن تغير المناخ.
- القضية المناخية العاشرة التي تنظرها تلك المحكمة ضد البرتغال و32 دولة أخرى بركيزة أن تلك الدول انتهكت حقوق الإنسان من خلال عدم اتخاذ إجراءات كافية بشأن تغير المناخ، ويسعى للحصول على أمر يطالبهم باتخاذ إجراءات أكثر طموحًا".
مصر أدركت الخطر مبكراً وطالبت الدول الكبرى بتحمل تعهداتها 100 مليار دولار سنوياً للدول النامية لسلامة البشرية
ويشير الدكتور محمد خفاجى: "أنه مع الاعتراف بأن الدول المتقدمة والصناعية الكبرى هي التي تسببت في الأزمة منذ حوالي أربعة قرون - منذ بدء الثورة الصناعية – وتضعاف حتى اليوم، وعليها تحمل مسئوليتها بحسبان أن الضرر الناجم عن تلك الأزمة يلحق بالكرة الأرضية دون استثناء خاصة وإنه ولئن كان الضرر يمس البشرية جمعاء فإن الدول النامية والفقيرة هي الأكثر تضرراً رغم أنها لم تكن متسببة فيه وليس من العدل أن تتحمل نفقات مواجهة التغير المناخي بمعزل عن الدول الصناعية الكبرى مصدرة الأزمة".
ويختتم: "أن القيادة المصرية أدركت جوهر قضية تغير المناخ مبكراً وتحدث الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسي للعالم عن الأساس الجوهري لتحقيق العدالة المناخية، بأن واجه الدول الكبرى بضرورة تحمل مسئوليتها والالتزام بتعهداتها والالتزام بتقديم الـ100 مليار دولار سنويًا للدول النامية من أجل أن تستطيع تلك الدول الوفاء بالتزاماتها في هذا الإطار، لأن الدول النامية تعاني من تبعات أزمة المناخ رغم أنها لم تكن متسببة في تلك الأزمة.
وحذر – بحق – من تفاقم تداعيات أزمة تغير المناخ إذا استمرت الدول الكبرى في التنكر لوعودها والتزاماتها الدولية تجاه الدول النامية، وهو ما كشف عنه حال كوكب الأرض خلال السنوات الخمس الأخيرة".