د. عزة بدر تكتب: «أكثر منى»

د. عزة بدر تكتب: «أكثر منى»د. عزة بدر تكتب: «أكثر منى»

الرأى27-10-2018 | 12:47

عيناك كعينىّ ملاح تائه يخشى أن يضل الطريق فى عرض البحر , ثنيتا الكُم وإفصاحهما عن ذراعيك مشهد من بنيان سفينة كانت منذ لحظات شاهقة و متسيدة على الأمواج الغاضبة , قميصك الأبيض

آخر راية بيضاء يرفعها آخر ناج من الغرق .

ربما لايعنى شىء من هذا كله أحدا على متن الباص الذى لايعرف أحد أنه سفينة لن تصل أبدا إلى شاطئها

وأننا جميعا قد علقنا بهذا البحر الثائر بلا أمل أن نصل إلى بر .

نظراتك السريعة المتنقلة من راكب إلى راكب كقبطان يرعى بحارته حتى آخر لحظة , ليصبح آخر ناج

ويبقى عارض كتفيك مساحة حقيقية لتأمل أرض جديدة عامرة .

أوشك أن أسألك ... هل بُعثت فى هذه اللحظة لتملأ فراغا شاسعا بعرض السماوات والأرض ؟

هل جاءت أصابعك بهذه المعزوفة الطويلة الصامتة عزاء عن لمسة لم تتحقق , ومسا حميما غامضا لخيال حميم .

كم فاتتنى الأشياء , وكم فوَت على روحى أن تكتشف جسدها الخاص , ذلك الحيز البشرى من الوجود

لتحل فيه حلولا حقيقيا , يعطى لهذه الروح معنى , لن أضيع الفرصة هذه المرة , وأستدعى شجاعتى

كاملة .. يحتاج هذا لبأس ٍ أن أسألك : هل أنت الروح التى كانت لى ؟ , والجسد الذى لم يكن ؟ .

لتسمح لى حياة الباص القصيرة بمحطاتها السريعة الزائلة بلحظة توقف لأسألك : هل جئت فى هذه الليلة بالذات لتدرك سفينة ضلت فى عرض البحر , وركاب لا يعرفون وجهتهم , مثلى يعتمدون على الصُدفة لتفرحهم , عل المفاجأة تقدم لهم شيئا من العزاء عن أولئك الذين فقدناهم , وفى لحظة يردد الجميع :

" إن الذين فقدناهم بالموت ألفناهم ميتين " .

يتعالى الصوت كهدير بحر غاضب على بشر لا يسكنون سوى مدن الصمت , ويهدرون أعمارهم دون مغامرة واحدة تدل على أنهم أحياء , لا يجرؤ أحد منهم أن يملأ صدره بشهقة حقيقية من يود البحر

ولا يجرش شيئا من ملحه , ولا يتحمل تكسر الأصداف تحت قدميه , وجراحا مهما تكن فهى ضرورية

لمعرفة طعم الخطو , أغامر بالسؤال , وأخشى أن تسرقك المحطات منى , أسالك فى لهفة , وأنا أضع يدى على عارض كتفيك عن محطة أعرفها جيدا

لو سمحت أين تلك المحطة...... نبهنى إذا جاءت !

تبتسم فى أدب جم

سأنزل قبلك بمحطتين , بعدهما استعدى للنزول

تعالت أصوات دقات قلبى , ضربته موجة عاتية بعدما وجدتك ستنزل قبلى بمحطتين !

كدت أهتف بك

ابق معى

وجاءنى صوتك عميقا :

تصلين بالسلامة

الغُنة نفسها , تردد الصوت نفسه , المساحة العريضة لقرار وجواب , يعرفهما قلبى جيدا , ويحفظهما سمعى كلحن باق رغم زبد البحر , وما يذهب جفاء , لو واصلت محاولة شجاعة على طريق محفوف بالصدف , واحتملت تكسره تحت قدمىّ العاريتين لبلغت الشاطىء , لنجوت من أرض الفقد , من قيعان القاع , من أن يطمرنى الماء , ونجوت من أفواه الأسماك الوحشية فى الأعماق .

بقى فقط أن أسألك : هل أنت توءم حلمى ؟ , هل سبحت معه فى محيط ماء رحم ودمه ؟ , هل ولدتما على ثدى واحد لعروس بحر مشقوقة الذيل , نصفها إنسى , ونصفها الآخر ينتمى لعالم الأسماك , بر وبحر فى

جسد واحد , هل أبوكما واحد ؟ , عريس بحر ؟ .

قل لى صراحة .. هل يعنى فمك لك شيئا أكثر منى ؟ , هل يعنيك ذلك الشهيق الذى تتسع له أنفاسك أكثر منى ؟ , أو حتى الزفير الذى تنفثه دون أن تبالى أكثر منى ؟ .

هل لمحطاتك المعدودة القصار أى معنى ؟ سوى أنك فى انتظار النزول قبلى بمحطتين كما غادر هو دنياى قبلى بما لا أدرى من محطات تاركا ملامحه تطاردنى , وفمه يتوحش فيعود بقبلاته التى لم أعرفها أبدا

كسيل لن يُبقى ولن يذر , هل َدرَب ذراعيه أن يكونا كذراعيك تتسقان لأحضان تحتوى العالم , وتفيض علىّ أنسا ورحابة ؟ , ولماذا لايكون سؤالى جريئا شجاعا :

هل أنت آخر ناج , وآخر قافز…

أضف تعليق

إعلان آراك 2