في الذكرى الـ42 لـ تحرير سيناء .. مصر أول من استخدمت القوة الذكية لاسترداد أرضها

في الذكرى الـ42 لـ تحرير سيناء .. مصر أول من استخدمت القوة الذكية لاسترداد أرضهاتحرير سيناء

كان الرئيس الراحل أنور السادات عبقرية سياسية فهو أول من استخدم القوة الذكية فى استرداد سيناء، فبالقوى الصلبة حارب وانتصر فى أكتوبر 1973 ثم بالقوى الناعمة الممثلة فى الدبلوماسية نجحت مصر فى التوصل إلى اتفاقية كامب ديفيد ثم معاهدة السلام، وما ترتب عليها من استرداد سيناء وصولاً لاسترداد طابا فى 19 مارس 1989 بالتحكيم الدولى.

وكان وقف إطلاق النار بداية البحث عن السلام الدائم والعادل الذى انتهى باسترداد مصر ل سيناء فى 25 أبريل 1982، وذلك بعد إصدار مجلس الأمن فى 21 أكتوبر 1973 القرار رقم 338 الذى يقضى بوقف إطلاق النار، ثم مباحثات الكيلو 101 والتى ترتب عليها فصل القوات وإيجاد منطقة فصل بين قواتنا وقوات العدو.

وبدأت الدولة المصرية طريق العمل السياسى والدبلوماسى لاسترداد سيناء فى ٩ نوفمبر 1977 عندما أعلن السادات تحت قبة البرلمان عن استعداده للذهاب إلى الكنيست الإسرائيلي فكانت زيارته للقدس المحتلة فى 19 نوفمبر 1977، ولا يخفى على أحد أن الهدف الإسرائيلي الاستراتيجي والعسكرى خلال عملية التفاوض كان طرح فكرة تغيير الحدود إلا أن مصر رفضت أي تعديل فى الحدود كمبدأ ثابت مما يعنى رفض مصر لأي مستوطنات على أراضيها، وكان المقصود بها مستوطنتا ياميت وكارمن لتعارضه مع الانسحاب الإسرائيلي الشامل من سيناء.

كانت رحلة البحث عن السلام طويلة بدأت بعقد عدد من المفاوضات قبل كامب ديفيد، ففى 21 ديسمبر 1977، كان لقاء الرئيس السادات بويزمان وذلك بمنزله بهيئة قناة السويس، وبدأ السادات حديثه قائلاً: "إن إسرائيل ما زالت مستمرة فى اتباع أساليبها القديمة ولا يقدر المسئولون فى إسرائيل أهمية العمل الذى قام به "زيارة القدس" فى نوفمبر من نفس العام والمخاطرة التي تحملها"، كما أكد أنه على استعداد لتوقيع معاهدة سلام مع إسرائيل وتبادل السفراء وضمان حرية الملاحة فى مقابل الانسحاب الإسرائيلي من سيناء بما فى ذلك إخلاء المستوطنات ورفض وجود جندى إسرائيلي واحد فى سيناء.

لجان المفاوضات
وبدأت مفاوضات الإسماعيلية فى ديسمبر 1977 بمطار أبو صوير العسكرى، حيث استقبل المشير الجمسي كلاً من مناحم بيجين، رئيس وزراء إسرائيل، وموشيه ديان، وزير خارجية إسرائيل، وويزمان، وزير الدفاع الإسرائيلي، لإجراء مباحثات ثم استقبل السادات الوفد الإسرائيلي بمقر إقامته بالإسماعيلية، وعندما دخل السادات وبيجن حجرة المفاوضات بعد اجتماعهما المنفرد أعلن بيجن أنهما اتفقا على تشكيل لجنتين الأولى سياسية برئاسة وزيرى خارجية الدولتين وتعقد جلساتها فى القدس واللجنة الثانية عسكرية برئاسة وزيري الدفاع فى الدولتين وتعقد جلساتها فى القاهرة.

وخلال المفاوضات أعلن بيجن عن مشروعين، الأول خاص بالانسحاب من سيناء، والثانى خاص بالحكم الذاتى فى الضفة الغربية، وكان ذلك هو "مشروع السلام الإسرائيلي"، وشرح بيجن مشروعه، قائلاً: إن الجزء الأول منه وهو الانسحاب من سيناء مع إبقاء المستوطنات الإسرائيلية فى أماكنها وهى المستوطنات بين رفح والعريش وعلى الشاطئ الغربى لخليج العقبة بين إيلات وشرم الشيخ، إلا أن الوفد المصري وعلى رأسه السادات رفض هذا المشروع الذى سبق وعرض ورفض أيضا، كما رفض الجانب المصري وجود أي مطارات إسرائيلية فى سيناء.

وقال "بيجن" إن المستوطنات المدنية ستكون تحت السيادة المصرية وأن وجودها لا يشكل مساسًا بسيادة مصر، وأضاف أنه لا يستطيع ترك هذه المستوطنات بدون وسائل للدفاع عن النفس لذلك تحتفظ إسرائيل بقوات قليلة للغاية لحمايتها، كما اقترح أن تظل معاهدة السلام مع مصر سارية المفعول حتى عام 2001 ثم تعاد دراستها بعدها، أما فيما يخص فلسطين فكان المشروع يقضي بعدم إنشاء دولة فلسطينية ولا حق للفلسطينيين فى تقرير مصيرهم، بل يكون للفلسطينيين حق الاختيار بين الجنسية الأردنية أو الإسرائيلية، ويكون للإسرائيليين حق شراء وتملك الأراضي على أن تتولى إسرائيل شئون الأمن العام والنظام وبذلك ينعم الفلسطينيون لأول مرة بالحكم الذاتى الإداري وفقا للرؤية الإسرائيلية.

ورفض الرئيس السادات هذا المشروع وأعلن صراحة أن مصر لديها التزامات نحو العالم العربى والتى تقضى بالانسحاب الإسرائيلي من الأراضي التى احتلت عام 1967، وحل القضية الفلسطينية على أساس الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى، ومن جهته طلب الرئيس السادات ضرورة الاتفاق على "إعلان مبادئ السلام" خاصة أن المشروع المصري المطروح يتماشى تمامًا مع الشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة ويتعارض تماما مع مشروع السلام الإسرائيلي، مؤكدًا أن مشروع السلام الإسرائيلي يهدف إلى ابتلاع الضفة الغربية وغزة وفى نفس الوقت تحقيق أكبر مكاسب سياسية وعسكرية عند الاتفاق النهائى مع مصر.

واقع جديد
وأظهرت اجتماعات الإسماعيلية حقيقة المشروع الإسرائيلي ونواياه الخبيثة، كما أكدت الفجوة بين مواقف مصر وإسرائيل، بل أن الأخيرة أعلنت عزمها على إنشاء مستوطنات جديدة فى سيناء لخلق أمر واقع جديد، وادعت على لسان بيجن وديان وشارون أن ل إسرائيل الحق فى الاستيطان فى أي مكان، وإزاء ذلك كان موقف الصحافة المصرية وطنيًا مشرفًا رادعًا ضد سياسة الحكومة الإسرائيلية التى تعمل على إجهاض فرصة السلام التى لاحت فى الأفق بعد زيارة السادات للقدس، وفى نفس السياق جاء رد الرئيس السادات قاطعًا بأنه لن يسمح ببقاء أي مستوطنة إسرائيلية فى سيناء وأضاف فى تصريحات صحفية أنه قدم ل إسرائيل بزيارته للقدس أكثر مما كانت تحلم به منذ نشأتها.

مفاوضات أسوان
وأثناء هذا الوضع السياسي والعسكرى عقد فى أسوان فى الأول من يناير 1978 اجتماع اللجنة العسكرية بالقاهرة بين مصر و إسرائيل لإفساح الطريق لاتفاق سياسي عن مستقبل العلاقة بين مصر و إسرائيل ولإيجاد حل للقضية الفلسطينية لتحقيق السلام الشامل والدائم والعادل لمشكلة الشرق الأوسط، وخلال هذا الاجتماع دارت مناقشة تحدث فيها ويزمان عن الأمن الإسرائيلي ورفض السادات بإصرار وجود أي مستوطنات فى منطقة رفح، وأوضح أن الشعب لن يقبل بوجودها، وفى قصر الطاهرة استكملت المفاوضات وبدأت عملها بحل المشاكل العسكرية بما فى ذلك موضوع المستوطنات والمطارات فى سيناء حتى يمكن التوصل إلى سلام حقيقي، وكان الإبقاء على أي مستوطنة فى سيناء أو الاحتفاظ بأي مطار داخل سيناء فى يد إسرائيل معناه أن سيادة مصر على سيناء ليست كاملة وأن الانسحاب الإسرائيلي لن يكون كاملا وهو أمر يستحيل قبوله.

ادعاءات ويزمان
وقال ويزمان إن موضوع مطارى رفح ورأس النقب يرتبطان أيضا بالأمن الإسرائيلي وهما المطاران اللذان أنشأتهما إسرائيل خلال فترة الاحتلال، وأضاف أن هذه المطارات كلفتهم عشرات الملايين من الدولارات، وبعد مناقشات طويلة اقترح ويزمان أن تتحول إحدى القاعدتين الجويتين فى سيناء إلى مطار مدنى، وأن تظل الأخرى تحت سيطرة إسرائيل، وأن تبقى باقى المطارات تحت إشراف هيئة الأمم المتحدة حتى عام 2001، فرفضت مصر وكانت المفاوضات تدور فى حلقة مفرغة عن المطارات والمستوطنات وانتهت محادثات اليوم الأول فى قصر الطاهرة دون جدوى.

وفى اليوم التالى كانت محادثات رئيس الأركان الإسرائيلي الجنرال جور ورئيس الأركان المصري الفريق محمد على فهمى، وتطرق جور إلى شرح أهمية المطارات بالنسبة لهم للدفاع عن إسرائيل، وأثناء المفاوضات أبلغ الوفد المصري أن هناك مستوطنة جديدة تقوم إسرائيل بإنشائها فى منطقة رفح وتم إبلاغ ويزمان الذى قام بالاتصال بحكومته، إلا أن مكتب رئيس الوزراء بيجن نفى إقامة مستوطنات جديدة، وطلب إبلاغ الرئيس السادات وتم استئناف المفاوضات والحقيقة أن إسرائيل كانت تهدف إلى ترسيخ فكرة التوسع والحدود الآمنة والانتقاص من أمن مصر وهو ما رفضته.

كامب ديفيد
قدمت مصر خلال فترة الشهور السابقة لانعقاد قمة كامب ديفيد ورقتين أساسيتين، الأولى تناولت تسوية القضية الفلسطينية، والثانية كانت إطار السلام مثلما طرح فكرته الرئيس السادات، حيث تضمن ديباجة حول رغبة الأطراف فى تحقيق السلام وإنهاء النزاع وإقامة علاقة حسن الجوار واستعداد الأطراف لتوقيع معاهدات سلام، واستغرق العمل فى كامب ديفيد 13 يوما حيث انتهى يوم الأحد 17 سبتمبر 1978 بالاحتفال بتوقيع اتفاقية كامب ديفيد فى واشنطن، وهو الاحتفال الذى شاهده الملايين من الناس على التليفزيون مباشرة.

وتعد كامب ديفيد نهاية مرحلة من مراحل الصراع فى الشرق الأوسط وتلاها معاهدة السلام التى وقعت فى 26 مارس 1979 حيث توجه الوفد المصري إلى واشنطن، وكانت عناصر التفاوض تدور حول ديباجة تركز على تأكيد الرابطة بين هذه المعاهدة والتسوية الشاملة لنزاع الشرق الأوسط والتى تناولت 9 مواد رئيسية هى إنهاء حالة الحرب وإقامة السلام وعدم المساس بالحدود والعلاقات المستقبلية والترتيبات الأمنية وحرية الملاحة والعبور الجوى والترابط بين الالتزامات وحل الخلافات والتعويضات والأحكام الختامية والتى انتهت بتحرير سيناء كاملة بدون وجود مستوطنات أو مطارات.

وبتوقيع معاهدة السلام انسحبت إسرائيل من سيناء، وعادت سيناء إلى السيادة المصرية، وتم تحديد جدول زمني للانسحاب المرحلي من سيناء والذى انتهى في ‏25‏ أبريل‏ 1982‏، حيث تم رفع العلم المصري على حدود مصر الشرقية في مدينة رفح بشمال سيناء وشرم الشيخ بجنوب سيناء، واستكمال الانسحاب الإسرائيلي من سيناء بعد احتلال دام 15 عامًا وإعلان هذا اليوم عيدًا قوميًا مصريًا في ذكرى تحرير كل شبر من سيناء.

أضف تعليق