بلادي وإن جارت علىّ عزيزة وأهلى وإن ضنوا علىّ كرام
لم أجد أفضل من هذا البيت للتعبير عما أراد البوح به البروفيسور محمود سالم ، في مذكراته !
حيث حكى بعض المواقف الصعبة والمحبطة التى واجهته طوال مسيرته التعليمية بداية من قريته القنايات .. وانتهاء بالبعثة إلى فلورنسا ، وحصوله على الدكتوراة فى فقه اللغات الرومانسية.
لقد بدأت معاناته بالثلاثية التى سادت الريف المصري فى الماضي "الفقر والجهل والمرض"، ولكن كعادة أبناء الريف تحدى الظروف والمواقف وتفوق فى دراسته ودخل المدرسة الثانوية، وفوجئ بعصابات من الطلاب يفرضون "إتاوات" على بقية الطلاب، لدرجة أن اضطر وزير التعليم وقتها كمال الدين حسين لإرسال "ناظر" جديد من القاهرة لإعادة الانضباط للمدرسة، ولكن للأسف تمكن الطلاب من التربص به ودغدغة يديه ورجليه، كما ضرب أحدهم وكيل المدرسة بمقشة غليظة فأرداه قتيلا!
وفى الجامعة اصطدم بأستاذ اللغة الإيطالية الذى منعه من حضور محاضرته نهائيا؛ لأنه تجرأ وصحح له ترجمة جملة كتبها على السبورة ، الطريف أن هذا الأستاذ غريب الطبع، كان يفتش على أظافر الطالبات، وأحذية الطلاب، ولكن محمود تفوق على القاهرة وعين شمس والإسكندرية عند تخرجه!
ومرة أخرى.. وهو يستعد للبعثة يصطدم برجل آخر يهدده بعدم السفر لأنه تجرأ وسأل عن أوراقه، وكان صلاح نصر مدير المخابرات الأسبق، وفى فلورنسا وأثناء الدراسة والتحضير للدكتوراه، يصطدم بما سماه "الحاكم بأمره"، وهو المستشار الثقافى ومدير الأكاديمية المصرية بروما، والذى ظل فى منصبه لمدة تزيد على 40 عاما؛ لأنه رفض أن يملأ استمارة عضوية الاتحاد الاشتراكى وقتها!
المرة الرابعة.. كانت عند زيارته لمصر لحضور جنازة والده عام 1965، واحتجازة فى المطار لأكثر من 48 ساعة بحجة تشابه الأسماء، وأسعده الحظ وقتها بمقابلة الضابط حسن أبو باشا الذى ساعده على العودة إلى فلورنسا .
ومع ذلك.. وبعد كل هذه الصعاب والمواقف التى تملأ النفس بالمرارة إلا أنه يعود إلى قريته كل عام كما يقيم فى منزله بحي المنيل "صالون ثقافى" يحضره أصدقاؤه وتلاميذه.
أما الجزء الطريف فى "الذكريات المتناثرة"، فهو ما كتبه عن قريته القنايات، والتى كان يطلق عليها "بلد الغوازي"، والتى أصبحت مدينة كبرى الآن إلى جانب بعض الطرائف، مثل عبس مرشح الشباب، وفلوسه المجرم الوهمى، وغش الحمير، والجنّية والعقاريات، وحكاية قمح السكر الذى غسله فى مياه الترعة.
تعرفت على البروفسير محمود عن طريق زميلى د. حسين محمود وصديقى د. محمود الضبع، ولكنه طلع "شرقاوى".