سيدي كرير .. بداية الطاقة النووية

سيدي كرير .. بداية الطاقة النوويةسيدي كرير

كنوز أكتوبر12-6-2024 | 15:11

تقول أحدث الدراسات العلمية: إنه في سنة 2000 ستحتاج مصر إلي 16 ألف ميجاوات من الطاقة بينما المتاح حاليًا من الطاقة الكهربائية لا يزيد علي 4 آلاف ميجاوات، ويزيد من خطورة هذه المشكلة أن العالم كله مقبل علي أزمة طاقة، فبعد ثلاثين سنة – علي أحسن التقديرات سينفذ احتياطي العالم من البترول- بل إنه بعد 17 عامًا فقط سيكون الطلب علي البترول أكثر من الإنتاج العالمي وهنا ستبدأ الأزمة بصورة رهيبة.. وقد يؤدي ذلك إلي كوارث اقتصادية وسياسية وربما عسكرية أيضا.. إذا لم توجد مصادر جديدة للطاقة..

والسؤال الآن: كيف ستواجه مصر هذه الأزمة؟!

يقول الدكتور فوزي حمادي، رئيس قسم الفلزات النووية بهيئة الطاقة الذرية: هناك بالفعل مصادر أخري غير تقليدية مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والأمواج والطاقة الجوفية، ولكن كل هذه المصادر لا يمكن استخدامها تكنولوجيًا قبل عام 2000، وبذلك لا يتبقي أمامنا سوي الفحم و الطاقة النووية ورغم ذلك استعمال الفحم محفوف بمشاكل أهمها تلوث البيئة لأن زيادة استعماله تؤدي إلي ارتفاع نسبة ثاني أكسيد الكربون في الجو، وهذا بدوره يؤدي إلي ارتفاع درجة حرارة الكرة الأرضية، الأمر الذي يغير من الطبيعة الجوية بشكل خطير.. ولهذا ف الطاقة النووية هي المصدر الباقي لإنتاج الكهرباء و الطاقة النووية هي تلك الطاقة الهائلة الصادرة من نواة الذرة، التي كان أول استخدامها في حادثة لم ولن ينساها العالم وهي انفجار القنبلة الذرية فوق هيروشيما وناجازاكي باليابان عام 1945، إلا أنه بعد ذلك بدأ استخدام هذه الطاقة في النواحي السلمية بل أنها أصبحت تنافس المصادر التقليدية في إنتاج الكهرباء والدليل علي ذلك هذا العدد الضخم من المحطات النووية المنتشرة في العالم.. ففي العالم الآن حوالي 124 محطة نووية يصل مجموع قدراتها إلي 69 ألف ميجاوات كهربائي ومن المتوقع أن تتضاعف هذه القدرة عشر مرات في عام 2000 وبهذا تشكل الطاقة النووية 35% من احتياجات العالم من الكهرباء في ذلك الوقت.

هذا بالإضافة إلي أن أسعار الكهرباء المولدة من المحطات النووية أرخص بكثير من الطاقة المولدة من محطات الفحم والبترول، ولذلك فإن عددًا كبيرًا من الدول النامية ومنها مصر تتجه إلي المحطات النووية لسد احتياجاتها من الطاقة الكهربائية.

9 محطات نووية حتي عام 2000

يقول الدكتور علي فهمي الصعيدي، وكيل وزارة بهيئة المحطات النووية: بدأ التفكير في وضع برنامج نووي مصري يتضمن إقامة 9 محطات نووية بعد أن تبين لنا أن مصر عام 2000 ستحتاج إلي حوالي 16 ألف ميجاوات كهربائي بينما قدرة المحطات المركبة حاليا "محطات هيدروليكية وحرارية" 4 آلاف ميجاوات كهربائي.

ومنذ عام 1974 بدأ التحضير لهذا البرنامج بالعديد من الدراسات مثل اختيار المواقع المناسبة لإنشاء المحطات النووية، فلابد عند اختيار الموقع أن يراعي النشاط الصناعي بالمنطقة والكثافة السكانية وقرب المنطقة من الشبكة الكهربائية الموجودة واتجاه الرياح وطبيعة مياه البحر وجيولوجية المنطقة.. وقد اختيرت منطقة سيدي كرير غرب الإسكندرية لإقامة المحطة النووية الأولي ولا تزال الدراسات مستمرة عن هذا الموقع من الناحية البحرية والاحتمالات الزلزالية والمياه الجوفية .
أما بالنسبة للمحطات التي ستقام في المستقبل فتقوم حاليًا شركة فرنسية مع خبراء مصريين بمسح الشاطئ الشمالي الغربي وشاطئ البحر الأحمر حتي سفاجا لاختيار نسب المواقع وقد تقررت إقامة المحطات النووية علي سواحل البحار للحاجة إلي مياه تبريد بكميات كبيرة وقلة الكثافة السكانية في هذه المناطق ولأن التربة مناسبة لإقامة هذه المحطات الضخمة.

ودراسة المواقع ليست بالأمر السهل فدراسة الموقع الواحد تتكلف ما بين 5 و10 ملايين دولار، هذا وقد تم الاتفاق مع إحدي الشركات الأمريكية؛ لتوريد المحطة النووية الأولي، التي ستقام في سيدي كرير وسيبدأ تنفيذ المحطة العام القادم ويستغرق التنفيذ ست سنوات وتبلغ قدرة هذه المحطة 622 ميجاوات كهربائي وتبلغ تكاليفها 750 مليون دولار بأسعار عام 1984 ويقدر ما ستغطيه المحطات النووية من الطاقة المطلوبة عام 2000 بحوالي 50%، أما الباقي فسيكون من محطات كهربائية هيدروليكية.

وإلي جانب دراسة المواقع، فهناك دراسة علي وشك الانتهاء والخاصة بالتشريع النووي، فالهيئات النووية في وزارة الكهرباء في سبيل إصدار التشريع النووي الخاص بمصر والغرض من هذه التشريعات الموجودة في جميع الدول التي بها محطات نووية هو إعطاء الطمأنينة لكل المواطنين ضد أي أخطاء تحدث نتيجة إدخال هذه التكنولوجيا الحديثة وذلك عن طريق تعويض الإنسان أو الجهة التي أصيبت بضرر نتيجة حادث نووي، وتعتبر اتفاقية "فينا" للتعويض عن الأخطار النووية، التي انضمت إليها مصر عام 1965 مثالا لهذه التشريعات، التي تنص علي أن الدول الأعضاء عليها الالتزام بضمان التعويض ضد الأخطار النووية بقيمة لا تقل عن 5 ملايين دولار أو ما يوازيها بأسعار عام 1965 وهو العام الذي وقعت فيه الاتفاقية.

مشاكل تخزين الوقود النووي

وعن المشاكل التي ستنجم بعد انتهاء عمر هذه المحطة والمُقدّر له ثلاثون عامًا، يقول الدكتور سمير مرسي، نائب رئيس قسم المفاعلات النووية بهيئة الطاقة الذرية "لأول مرة في مصر تجري دراسة اقتصادية علي تكاليف إزالة المحطة النووية بعد انتهاء عمرها الافتراضي".. ففي المحطة النووية يوجد ما يسمي قلب المفاعل الذي يحتوي علي الوقود النووي وبإشاعاته الضارة إلي جانب أن بعض مناطق المحطة تكون ملوثة من الناحية الإشعاعية وهذا يتطلب التخطيط الجيد حتي يمكن التخلص من هذه الأجزاء المشعة بعد هدم المفاعل، أي لابد من جمع أجزاء المحطة ووضعها في أماكن بعيدة عن التجمعات السكانية، ولم يحدث في العالم كله حتي الآن سوي عملية إزالة واحدة لمحطة نووية في الولايات المتحدة بسبب حادث نووي وقع بها وقد تكلفت عملية إزالة المفاعل "10 ملايين دولار" لأن هدم المفاعل استلزم استحداث أجهزة خاصة بعملية الهدم لا تستخدم بعد ذلك ويعتبر هذا الرقم كبيرًا نسبيًا إذا قورن بتكاليف إنشاء المحطة التي هدمت، لذلك فجميع دراساتنا هنا تركز علي أن تكاليف توليد الكهرباء من المحطة لابد أن تزيد بمقدار ما ستتكلفه عملية التخلص من المحطة بعد انتهاء عمرها ومشكلة إزالة المحطات النووية ستواجه العالم خلال السنوات العشر المقبلة.

و يناقش الآن علي مستوي عالمي عملية التخلص من النفايات النووية، فمن المعروف أن سياسة الولايات المتحدة فيما يختص بتصدير المفاعلات للدول النامية أو حتي بنائها داخل الولايات نفسها ضد فكرة إعادة استخدام الوقود والمحترق مرة أخري وذلك للحد من انتشار الأسلحة النووية أو أن الوقود المحترق يحتوي علي كميات كبيرة من مادة البلوتونيوم، التي تستخدم في صناعة القنابل الذرية، وإذا استمرت هذه السياسة وانبعاثها الدول المصدرة للمفاعلات النووية، مثل فرنسا وألمانيا الغربية فسينتج عن ذلك تراكم كميات هائلة من الوقود النووي المحترق، الذي يستلزم تخزينه في أماكن خاصة ولمدة طويلة.. ومن المتوقع أن يصل حجم الوقود الذري المتراكم من المحطات النووية التسع المزمع إقامتها في مصر حوالي 1600 طن من الوقود وسيمثل مشكلة في المستقبل لابد من التخطيط لها من الآن.

وقد أثبتت الدراسة الاقتصادية أن مصر في حالة تخزين الوقود من الـ 9 مفاعلات، التي ستقام حتي عام 2000 دون استخدامه مرة أخري سيكلف الدولي حوالي 2 بليون دولار أي ثمن محطتين نوويتين وقد قدمت هذه الدراسة وغيرها إلي مجموعات العمل المنبثقة من مؤتمر واشنطن لتعميم دورات الوقود عالميا، الذي عقد هذا العام مع توصية تطالب بإنشاء مراكز لإعادة معالجة الوقود يشترك فيها عدد من الدول النامية، التي لها برامج نووية مماثلة لبرنامج مصر.

نشر بمجلة أكتوبر في يوينو 1978م – 1398هـ

أضف تعليق

إعلان آراك 2