خبير آثار يرصد مفردات عاشوراء المرتبطة بهوية وشخصية مصر

خبير آثار يرصد مفردات عاشوراء المرتبطة بهوية وشخصية مصرصورة تعبيرية

ثقافة وفنون16-7-2024 | 17:18

يحل علينا اليوم العاشر من محرم يوم عاشوراء والذي يحتفل به المصريون بصنع حلوى القمح "البليلة"، فما علاقة عاشوراء بالتراث المصرى اللامادى؟

يجيب خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان عضو المجلس الأعلى للثقافة لجنة التاريخ والآثار أن مظاهر احتفالية عاشوراء تعد جزءًا من تراث مصر اللامادى الذى يستحق التسجيل تراث عالمى لامادى باليونسكو، فمنذ أواخر عصر بناة الأهرامات احتفل المصرى القديم ضمن أحد أعياد منف بعيد طرح بذور القمح المقدس في اليوم العاشر من شهر نوبي (طوبة) أول شهور الفصل الثاني من فصول السنة (فصل برت – البذر)، وكان يتناول أطعمة خاصة تصنع جميعها من القمح المعد للبذر التى لا تختلف صناعته وطريقة إعداده وتقديمه عما هو متبع حاليًا، حيث كانت البليلة تصنع في قدور خاصة ولا تزال حتى الآن من الأطعمة الشعبية المتوارثة، وكذلك كعك عاشوراء الخاص ويصنع من القمح وعسل النحل وكان يصنع على شكل القمحة أو السنبلة.

عاشوراء وبنى إسرائيل
ويشير الدكتور ريحان إلى أن بنو إسرائيل وهم أبناء نبى الله يعقوب الذين جاءوا إلى مصر منذ دخول يوسف الصديق وأسرته إلى مصر وعاشوا آمنين ما بين منطقة أون (عين شمس والمطرية) وأرض جوشن أو جاسان بوادى الطميلات حاليًا من الزقازيق إلى الإسماعيلية وولد وتربى نبى الله موسى فى مصر وخرج منها مرتين، وحيدًا حين قتل أحد المصريين خطأ أثناء شجار مع أحد العبرانيين وعاش فى مدين سيناء (منطقة نبق ما بين شرم الشيخ ودهب) عشر سنوات ثم عاد إلى مصر وحدثت المناجاة عند شجرة العليقة الملتهبة الموجودة داخل دير سانت كاترين حاليًا أثناء عودته، ثم خرج مرة أخرى مع شعبه ونجاه الله من الغرق وساروا فى جنوب سيناء فى رحلة منتظمة إلى عيون موسى ثم موقع معبد سرابيط الخادم حاليًا ثم إلى موقع طور سيناء الحالى حين تركهم نبى الله موسى فى وادى الراحة الثانى (منطقة حمام موسى بطور سيناء) وذهب عبر وادى حبران الذى تقوم الدولة بتطويره ضمن مشروع التجلى الأعظم إلى جبل يقع بمدينة سانت كاترين حاليًا حيث تلقى ألواح الشريعة وهو جبل موسى أو جبل الشريعة، وحين عاد وجد بنى إسرائيل قد عبدوا العجل الذهبى الذى صنعه السامرى من ذهب المصريين القدماء الذى أخذه بنو إسرائيل معهم حين خروجهم من مصر، ونهرهم نبى الله موسى وأمرهم بالصيام تكفيرًا عن ذنب عبادتهم للعجل وهو عيد الكيبور لدى اليهود

وبعد ظهور الإسلام أمر النبي محمد عليه الصلاة والسلام المسلمين بالصيام في نفس اليوم والاحتفال به وقد صادف يوم عاشوراء المصري القديم العاشر من تشري أول السنة العبرية والذي صادف بدوره العاشر من المحرم عند المسلمين، وحين سؤل الرسول صلى الله عليه وسلم كيف يصوم المسلمون مع اليهود ويحتفلون معهم؟، قال "نحن أحق بموسى منهم".

الفاطميون وعاشوراء
وينوه الدكتور ريحان إلى استمرار التراث المرتبط ب عاشوراء من مصر القديمة إلى العصر الإسلامى، وقد احتفل الفاطميون فى مصر بهذا العيد، وتعتبره مصر عيدًا من أعيادها الرسمية ولكنه عكس كل الأعياد فكان عيدًا للحزن والبكاء تعطل فيه الأسواق وتغلق الدكاكين ويخرج الناس ومعهم المنشدون إلى الجامع الأزهر، وتتعالى أصواتهم بالبكاء وعندما نقلت رأس الحسين رضى الله عنه إلى القاهرة وبنى لها المشهد الحسيني، خرج الناس له

واحتفل المسلمون بيوم عاشوراء بقراءة القرآن الكريم فى كل بيت لمشاهير القراء ثم ينشد المنشدون القصائد، وأمّا النساء فكن يشاهدن الاحتفال خارج المنزل من فوق الأسطح أو يحتفلن به داخل المنزل بإحضار إحدى الواعظات لسماع الوعظ وذلك طبقاً لما جاء فى دراسة أثرية للدكتور على الطايش أستاذ الآثار الإسلامية بكلية الآثار جامعة القاهرة.

وضمن الاحتفال كما جاء فى الدراسة يتم إطلاق البخور ضد الحسد ويطوف بعض الباعة فى الشوارع يبيعون الميعة "البخور" المباركة وهم ينادون عليها بصوت ملحن "يا بخور عاشورا المبارك يا بركة عاشورا المبارك أبرك السنين على المؤمنين يا ميعة مباركة ويحمل البائع عادة على رأسه صينية مستديرة يغطيها بقطع من الورق المختلف الألوان ويضع عليها هذه الميعة وهى خليط من أنواع البخور ويتوسط الصينية عادة كوم من مادة حمراء اللون ممزوجة بقليل من الميعة والكزبرة والحبة السوداء ويحيط به أكوام خمسة صغيرة ثلاثة منها من الملح الملون باللون الأزرق والأحمر والأصفر والرابع من الشيح والخامس من تراب اللبان وهذه جميعها تكون الميعة المباركة، وينادى المشترى البائع إلى داخل المنزل فيضع الصينية على الأرض ويتناول طبق أو قطعة من الورق ويضع فيها قليلا من كل صنف ويلقى أثناء ذلك نشيدًا طويلًا ورقية.

ويتابع الدكتور ريحان بأن نص الرقية كالآتى "باسم الله وبالله لا غالب إلا الله رب المشارق والمغارب كلنا عبيده يلزمنا توحيده " ثم يثنى على مزايا الملح ويبدأ يرقى أصحاب المنزل بأقوال تعتمد على السجع: "بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك ومن كل عين حاسد بسم الله أرقيك والله يشفيك من كل نفس أو عين أرقيك من عين البنت والولد والرجل"، ثم يروى المنشد بعد ذلك كيف أبطل نبى الله سليمان عليه السلام حسد العين ويأخذ فى تعداد أثاث المنزل ورقيته واحدًا واحدًا، فيقول: "بخرت السلالم من عين أم سالم بخرت الكرسى من عين أم مرسى بخرت اللحاف من وجع الأكتاف".

احتفالات عاشوراء
وأردف الدكتور ريحان بأن الاحتفال ب عاشوراء فى مصر تغير في العصر الأيوبي السني، حيث اعتبر ملوك بني أيوب هذا اليوم فرح وسرور يوسعون فيه على أولادهم ويكثرون من الأطعمة الفاخرة ويصنعون ألوان الحلوى ويكتحلون، واستمر ذلك في عصر المماليك وما يليه، وصاحب هذا الاحتفال خلال العصور المختلفة كثير من الخرافات التي انمحى بعضها الآن نتيجة لانتشار التعليم والثقافة وبقى البعض الآخر متداولًا في القرى وفي الأحياء الشعبية ومنها ظهور الجن في هذا اليوم يطرق الأبواب ليفرغ ما لديه من الذهب

وفى عصر المماليك كان يتم الاحتفال منذ اليوم الأول حتى العاشر من المحرم، واعتبر الفقهاء في العصر المملوكي هذا اليوم من المواسم الشرعية الرئيسية، حيث تكثر الزينات والولائم وتسير المواكب وتنشد الأناشيد ويحضر السلطان إلى القلعة ومعه الشيوخ والقضاة وأهل العلم والأمراء ويبدأ القراء فى تلاوة القرآن الكريم وإنشاد المنشدين فإذا ما انتهى كل منهم دفع إليهم السلطان بصرة فيها دراهم من الفضة وحينما تنقضى صلاة المغرب تمد الأسمطة ويوزع منها على الفقراء بعدها يمضى الجميع بقية الليل فى سماع المطربين حتى الفجر.

وما زالت هذه العادات متبعة حتى الآن ففى يوم عاشوراء نصنع فى مصر (طبق عاشورا) وهو يصنع من الحبوب أو القمح عادة ويطبخ على شكل البليلة ثم يصفى ويضاف إليه اللبن والسكر وبعض الياميش مثل الجوز واللوز والبندق، كما يقوم الأهالي بشراء البخور لتبخير المنازل لإبطال مفعول نظرة الحاسدين.

أضف تعليق

عالم مجنون

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين

الاكثر قراءة

تسوق مع جوميا
إعلان آراك 2