أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار ب مجلس الوزراء عددًا جديدًا من مجلته الدورية "آفاق الطاقة" والتي تضمنت العديد من مقالات الرأي والعروض التي ركزت على الطاقة وأنواعها ومؤشراتها، وأهم المفاهيم المرتبطة بها، وأشار العدد إلى أنه يُمكن القول إن الغاز الصخري يمثل مصدرًا واعدًا للطاقة في المستقبل إذا ما تبينت الجدوى الاقتصادية واستدامة إنتاجه على المدى الطويل إذا توفرت التكنولوجيا والمعدات الحديثة لاستخراجه، بما يسهم في تلبية متطلبات الطاقة المستقبلية عالميًا.
ورأت المجلة أنه بالرغم من ارتفاع تكاليف إنتاجه مقارنة بالغاز التقليدي، تنخفض الانبعاثات الكربونية الناجمة عنه مقارنة بأي وقود أحفوري آخر، ومع ذلك يطرح الغاز الصخري مخاطر بيئية تتطلب وجود اللوائح والقوانين للحد من مخاطره على البيئة والصحة العامة، كما يحتاج إلى دراسات متعمقة فيما يتعلق بتسببه في إحداث الأنشطة الزلزالية.
وأوضح مقال داخل العدد حول إنتاج الغاز الصخري أن نسبة إمدادات الطاقة عالميًا تراجعت من المصادر التقليدية كالفحم والنفط والغاز الطبيعي لنحو 79.4% من جملة إمدادات الطاقة العالمية في عام 2022 مقابل 81.5% في عام 2010، وتتوقع الوكالة الدولية للطاقة مزيدًا من التراجع في هذه النسبة لنحو 73.5% في عام 2030، كما تراجعت نسبة إمدادات الغاز الطبيعي من جملة إمدادات الطاقة العالمية لنحو 22.9% في عام 2022 مقابل 23.6% في عام 2021 مع توقعات بتراجعها لنحو 22.3% في عام 2030.
وأشار المقال إلى أن الغاز الصخري انتهج نمطًا آخر وأصبح يقود إمدادات الغاز الطبيعي، فبعد أن كان يشكل أقل من 5% من إنتاج الغاز الطبيعي عالميًا في عام 2010 ارتفع نصيبه لنحو 21.1% في عام 2022 مع توقعات بأن يصل إلى نحو 24% في 2030، وهو ما يعني مزيدًا من التحرك قدمًا باتجاه الغاز الصخري رغم مخاطره البيئية، وعاد النقاش حول الاعتماد على الغاز الصخري وإلغاء الحظر المفروض على عمليات التكسير الهيدروليكي اللازمة لاستخراجه وخاصة بعد وقوع الحرب الروسية الأوكرانية وما خلفته من أزمة حادة في أسواق الغاز الطبيعي نتيجة قطع روسيا إمداداتها إلى أوروبا وما تسببت فيه من ارتفاع أسعار الكهرباء والطاقة عالميًا.
وتمت الإشارة إلى احتياطات الغاز الصخري، حيث تُقدر عالميًا بنحو 7576.6 تريليون قدم مكعبة وفقًا لتقديرات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية في عام 2015، وتأتي أمريكا الشمالية في مقدمة قارات العالم من حيث احتياطات الغاز الصخري بها حيث تستحوذ على نحو 23% تليها آسيا بنسبة 21.9% ثم أمريكا الجنوبية بنسبة 18.9% وإفريقيا بنسبة 18.6% ثم أوروبا بنسبة 12% وأستراليا بنسبة 5.7%، وتستحوذ منطقة شمال إفريقيا على نحو 12.8% من جملة احتياطات الغاز الصخري عالميًا، وتقع أغلب احتياطات الغاز الصخري في منطقة شمال إفريقيا في دولة الجزائر 72.7%.
وأوضح أنه يوجد احتياطات من الغاز الصخري في نحو 46 دولة حول العالم ويتركز أكثر من نصف هذه الاحتياطات 50.5% في كل من الصين والأرجنتين والجزائر والولايات المتحدة ألأمريكية وكندا، وتستحوذ الصين على نحو 14.7% من احتياطات الغاز الصخري عالميًا حيث يتوفر بها نحو 1115.2 تريليون قدم مكعب من الغاز الصخري، تليها الأرجنتين بنحو 801.5 تريليون قدم مكعب وتشكل نحو 10.6% من احتياطات الغاز الصخري عالميًا، ثم الجزائر بنحو 706.9 تريليونات قدم مكعب وتشكل نحو 9.3% من الاحتياطات عالميًا، ثم الولايات المتحدة الأمريكية بنحو 622.5 تريليون قدم مكعب وتشكل نحو 8.2% من الاحتياطات عالميًا، ثم كندا بنسبة 7.6% من احتياطات الغاز الصخري عالميًا يليها كل من المكسيك وأستراليا وجنوب إفريقيا وروسيا والبرازيل.
ولفت إلى أنه بلغ الإنتاج العالمي من الغاز الطبيعي -بجميع أنواعه- نحو 4138 مليار متر مكعب في عام 2022 وهو نفس مستواه تقريبًا في عام 2021 البالغ نحو 4149 مليار متر مكعب.
وتتوقع الوكالة الدولية للطاقة أن يشهد نموًا متباطئًا بنسبة 3.9% في عام 2030 في ظل سيناريو السياسات الحالية واللوائح المعلنة من قبل الدول، وبعد أن كان يشكل الغاز الصخري أقل من 5% من جملة إنتاج الغاز الطبيعي في عام 2010 أصبح يستحوذ على نحو 21.1% في عام 2022، وتتوقع الوكالة الدولية للطاقة ارتفاع نصيب الغاز الصخري لنحو 24% في عام 2030، وهو ما يعني مزيدًا من التحرك باتجاه الغاز الصخري وذلك على حساب الغاز التقليدي الذي تراجع نصيبه لأقل من 70% في عام 2022 مقارنة بنحو 84.6% في عام 2010 والذي يُتوقع أن يشهد مزيدًا من التراجع لنحو 67.3% في عام 2030.
سلَّط المقال الضوء على مستقبل أسواق الطاقة حيث أدى ظهور الغاز الصخري إلى تغييرات كبيرة في أسواق الطاقة العالمية وأسهم في زيادة إمدادات الغاز الطبيعي وانخفاض سعره ليصبح أكثر تنافسية من مصادر الطاقة الأخرى كالفحم والنفط، ومن ثم أصبح جزءًا أساسيًا من مزيج الطاقة في العديد من البلدان، كما أدت الزيادة في إنتاج الغاز الصخري إلى تقليل الاعتماد على الغاز من الخارج ومن ثم تحسين أمن الطاقة، وقد ساهم إنتاج الغاز الصخري في الحد من استخدام الفحم في توليد الكهرباء ومن ثم خفض الانبعاثات الكربونية حيث يعد أقل مسبب للانبعاثات الدفيئة بين أنواع الوقود الأحفوري الأخرى.
وأسهمت ثورة الغاز الصخري في الولايات المتحدة الأمريكية في خفض واردات الغاز الطبيعي وتعزيز أمن الطاقة لديها ومن ثم إحراز تقدم هائل في قطاع الطاقة بها، وقد قامت الصين بتقديم إعانات مالية للاستكشاف والاستثمار في الغاز الصخري بهدف دعم النمو الاقتصادي والحد من تلوث الهواء والتغيرات المناخية والتي تنجم بشكل أساسي من هيمنة الفحم على مزيج الطاقة لديها، فقد بلغ استهلاك الصين من الفحم نحو 51% من استهلاك الفحم عالميًا في 2018 وبما يمثل 60% من استهلاك الطاقة محليًا، ناهيك عن ارتفاع نسبة اعتماد الصين على الخارج في توفير الغاز الطبيعي لنحو 45% في عام 2020 لتصبح أكبر مستورد للغاز الطبيعي في العالم، وتأتي هذه الإعانات المالية في إطار استراتيجية تحول الطاقة للصين والوفاء بتعهدات قمة الكربون.
وتناول المقال تحديات إنتاج الغاز الصخري، حيث تتباين الجدوى الاقتصادية لإنتاجه من دولة لأخرى، فإنتاجه في المملكة المتحدة غير مربح نظرًا لارتفاع تكاليف الاستخراج بها مقارنة بالولايات المتحدة الأمريكية، وبالرغم من ارتفاع الطلب على الطاقة في الهند فإن إنتاج الغاز الصخري بها مازال ضئيلًا ومازالت تعتمد على واردات الغاز الطبيعي من الخارج لتغطية استهلاكها المحلي نظرًا للسياسات الحكومية الصارمة ونقص الاهتمام من قبل الصناعة به كما تصل التكاليف الاستثمارية لاستخراج الغاز الصخري في الصين لنحو 2 إلى 3 أمثال نظيرتها في الولايات المتحدة الأمريكية، ومن ثمَّ لا يمكن اعتبار الغاز الصخري مصدرًا للطاقة في المستقبل إلا عندما ترتفع الجدوى الاقتصادية لإنتاجه إلى جانب توفر التكنولوجيا والمعدات المتطورة.
على جانب آخر، هناك مخاوف من تأثيرات إنتاج الغاز الصخري على البيئة؛ حيث يتطلب استخراج الغاز الصخري إجراء عملية تكسير هيدروليكي تتضمن حقن مزيج من الماء والرمال والمواد الكيماوية في الصخور الزيتية لتكسيرها وإطلاق الغاز الكائن بها، وتتسبب هذه العملية في تلوث الهواء وتغير المناخ نتيجة تسرب بعض الغازات المسببة للاحتباس الحراري إلى الغلاف الجوي أثناء عملية التنقيب كغاز الميثان الذي يعد أحد الغازات الدفيئة، فضلًا عن تخلف كميات كبيرة من المواد الكيماوية الخطرة والمحفزات في أماكن التنقيب بما يؤدي إلى تلوث أحواض المياه الجوفية وتسببها في إحداث الأنشطة الزلزالية، كما تتطلب عملية التكسير الهيدروليكي كميات كبيرة من المياه العذبة يمكن أن تؤثر في المياه اللازمة للشرب وخاصة في المناطق التي تعاني من ندرة المياه.