حامل المسك (1).. الإمام الغزالي

حامل المسك (1).. الإمام الغزاليالإمام الغزالي

الدين والحياة9-10-2024 | 13:39

عندما نتحدث عن "الإمام الغزالي"، فإننا نقدم دعوة للجلوس على مائدته العامرة بالحكمة ، وللراحة في ظلال دوحته المباركة ، ولإلقاء الأوجاع والآلام على صدره الحنون ، ولاستلهام قبس يضيء السُّبُلَ من روحه الفياضة ونفسه الكبيرة.

ففي عالم مضطرب تناوشته العواصف واخْتَلَّتْ فيه الموازين وأثقلته العِلَلُ واختلطت فيه القِيَم ، لا نجد مناصا من شدِّ الرِّحال إلى إبداعاته الفكرية وتَجَلِّياته الرُّوحيَّة التي تَنُمُّ عن عقل هو أكثر العقليات الإنسانية متانة وأصالة وابتكارا.

نَشُدُّ الرِّحال إلى "أبي حامد" لأنَّ العصر الذي جاء فيه "الغزالي" هو أشبه العصور بعصرنا الذي نعيش فيه، فقد عاش الغزالي في منتصف القرن الخامس الهجري وقد تفككت وحدة العالم الإسلامي وانقسمت دولة الإسلام التي كانت ملء السمع والبصر إلى دويلات قِزْمِيَّةٍ متناحرة، وتَحَوَّلَ المسلمون إلى شِيَعٍ وأحزاب يضرب بعضها وجوه بعض، واختلطت عقيدتهم الصافية الراسخة بالتيارات المُغْرِضَةِ الزاحفة إلى عالمهم بمكر وخبث وسوء قصد، فانقسموا إلى شيعة ومرجئة ومعتزلة وأشاعرة وصوفية وباطنية إسماعيلية مُلحدة نجحت في أن تُقِيم لنفسها كمائن مسلحة تَنْقَضُّ منها على العالم السُّنِّي وتُشِيع في أجوائه الإرهاب، علاوة على استعار نار التعصب الداخلي المَقِيت بين أتباع المذاهب الفقهية والعقلية.

فلا غرابة في هذا المناخ المُلَبَّدِ برياح الشر وعواصف الظلام أن تتألب قوى الشر الخارجية على العالم الإسلامي فتسقط الأندلس ويُطْرَدُ المسلمون منها طردا لا تزال ذكرى وَجَعِهِ تُدْمِي القلوب وتُبْكِي العيون إلى يومنا هذا.

وفي العام نفسه الذي ضاعت فيه الأندلس كانت الجيوش الصليبية تَطْرُقُ بوابة العالم الإسلامي في الشام وتستولي على بيت المقدس مُعْلِنَة أُفُول شمس الحضارة الإسلامية من المشرق كما أَفَلَتْ من المغرب.
أما عن العلماء، فما أشبه علماء عصره بعلماء عصرنا من انشغال بالصغائر واستغراق في الجدل العقيم ، وافتراق ما بين صوفي هائم في تأملات ذاتية ومتكلم غارق في سفسطة خاوية وفقيه ناقم على خصومه من المذاهب الأخرى.

وبينما يرزح المسلمون تحت أغلال الشك واليأس والظلام تشرق شمس " أبي حامد الغزالي " كطاقة من نور تُطِلُّ من قمة الجبل فَتُبَدِّدُ فلول الظلام والجهل والتعصب ، وتُصْهِرُ عن معاصم العقول أَسْوِرَةَ الجُمُودِ والرَّجْعِيَّةِ والتَّخَلُّف.

كان لـ "أبي حامد" الفضل في أن يعود إلى الروح الإسلامية شموخها ورونقها ونضارتها ، فيؤوب المسلمون إلى الإحساس بعظمة دينهم وقدرته على الصمود والتحدي مُتَدَثِّرِين بعقيدتهم الصافية النَّقِيَّةِ التي تأخذ بأيديهم لِيَسْلُكُوا مَسْلَكَ أسلافهم العظام.

لم يقتصر فضل "الغزالي" على إيقاظ العقل الإسلامي في عصره فحسب، بل ألقى بِظِلِّهِ على العصور التالية له حتى إننا لنحس وجوده معنا إلى يومنا هذا .
فللغزالي علينا حق التعظيم والتبجيل والتوقير، ولا لوم عليه إذا جاء الناس من بعده صغارا تابعين.

أضف تعليق

حكايات الأبطال

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين

الاكثر قراءة

تسوق مع جوميا
إعلان آراك 2