د. ناجح إبراهيم يكتب: المسيحيون العرب .. شركاء الحضارة العربية و الإسلامية

د. ناجح إبراهيم يكتب: المسيحيون العرب .. شركاء الحضارة العربية و الإسلاميةد. ناجح إبراهيم يكتب: المسيحيون العرب .. شركاء الحضارة العربية و الإسلامية

* عاجل15-12-2018 | 19:58

 بين نبي الإسلام محمد"صلي الله عليه وسلم"وبين السيد المسيح عليه وعلي أمه الصلاة والسلام من الوشائج والروابط والإخوة في النبوة والاشتراك في سننها الكثير. فقد بشر عيسي بن مريم بشقيقه الأصغر محمد"وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ "وجاء النبي محمد ليهتف في الدنيا كلها"أنا أولي الناس بعيسي بن مريم في الأولي والآخرة أي في الدنيا والآخرة. ورسول الإسلام محمد"ص"لم يأتمن أحداً علي أصحابه إلا ملكاً مسيحياً هو النجاشي ولم يمدح ملكاً في حياته كلها لا قبل النبوة ولا بعدها سوى النجاشي ،إذ بين علة إرسال أصحابه إليه وإلي بلاده بقوله"ملك لا يظلم عنده أحد"وهذا يبين أن قيمة العدل من أسمى القيم وهي ممدوحة من كل أحد من المسيحي أو اليهودي أو المسلم أو السني أو الشيعي أو البوذى أو الهندى لأنها أغلي قيم الحياة وأرفع قيم الحضارات بل إنها صانعة الحضارات . ولم يكذب النجاشي ظن النبي فيه,فأكرم وفادة أصحابه وآواهم وأحسن إليهم ووهبهم الأمان الكامل ورفض كل المغريات والوشايات ونصائح بطانته وحاشيته لتسليمهم ,ورد وفد قريش خاسراً. وهذا رمز الكرم عند العرب جميعاً"حاتم الطائي"كان مسيحياً وهو الذي كان أحيانا يذبح أغلي فرس لديه لأجل ضيوف لا يعرفهم حلوا بساحته وهو الذي أنشد شعراً رائعاً تداولته الأجيال كلها معناه أنه لو لم يجد شيئاً يقدمه لضيوفه سوى ابنه لذبحه لهم,ورغم مجازية هذا القول إلا أنه يمثل غاية الكرم. ورغم أن رسول الله لم يدرك"حاتم الطائي"إلا أنه كان معجباً بكرمه وجوده وقد أحسن إلي ابنته سفانة وأكرمها وأحسن وفادتها إكراماً لأبيها بعد أن قبضت عليها جيوش المسلمين فهي سيدة قومها وبنت أكرم العرب. وكان من ذكائها حينما أوصلها الرسول"ص"إلي ديارها معززة مكرمة أن قالت لشقيقها عدي بن حاتم سيد قومه:اذهب إلي محمد فإن كان نبياً آمنت به,وإن كان ملكاً فلن تظلم عنده وسيكرمك ويعرف قدرك,وكأنها قرأت نبل أخلاق النبي"ص". فلما ذهب عدى إلي الرسول وجده يعيش في بيت متواضع بلا حراسة ولا برستيج ولا حجاب،فدخل البيت فوجده غاية في البساطة ولم تكن فيه سوى وسادة واحدة أجلسه النبي عليها وجلس هو علي الأرض،فاستعظم عدي ذلك وهو الذي يعرف الملوك والحكام وخدمهم وحشمهم وسلطانهم وحراساتهم وتقاليدهم وبرستيجهم,فقال:"ليس هذا بملك"وتحادث مع الرسول وقتاً طويلاً حتى أسلم قناعة. ولما ارتد العرب رفض أن يرتد وحمي قبيلته من الردة،وقد قال يوماً لعمر بن الخطاب بعد وأد فتنة المرتدين:أما تعرفني فقال له عمر بعبقريته:كيف لا أعرفك,آمنت إذ كفروا,ووفيت إذا غدروا وأقبلت إذ أدبروا،وهذا أعظم مدح ناله عدى طوال حياته. لقد كانت القبائل العربية المسيحية الكبري أقرب إلي الإسلام من أهل الوثنية والشرك,وكان الروم أقرب إلي الإسلام والمسلمين من الفرس,لأنهم مسيحيون والفرس كانوا يعبدون النار. ولما أرسل الرسول "ص"رسالته إلي هرقل عظيم الروم استقبلها بالتمعن والدراسة والسؤال والاستفسار وخلص في نهايتها أن الرسول محمد سينتصر وسيملك موطن قدمه في فلسطين. أما كسري فقد مزق الرسالة بصلف وغرور وكبر وتمادي في ذلك حتى أنه أمر عامله علي اليمن بالقبض علي الرسول دون تدبر أو تفكر. وقد بشر القرآن بانتصار الروم المسيحيين علي الفرس عباد النار ووصف هذا اليوم   "وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ"لأن المسيحيين العرب وقبائلهم كانوا معروفين قبل الإسلام،وهم جزء لا يتجزأ من الحضارة العربية والإسلامية,وبعضهم دخل في الإسلام وأثراه وبعضهم ظل مسيحياً كما هو وأثري أيضاً الحضارة العربية والإسلامية. فهذه دولت أبيض أول امرأة في تاريخ العرب كله تصعد خشبة المسرح,ومن أفضل من تنطق العربية هي وزوجها جورج أبيض وتمثل نموذجاً فريداً فقد أشهرت إسلامها هي وزوجها وابنتيها طواعية وحفظت القرآن الكريم وقامت بطباعة عدة آلاف من نسخ القرآن مترجمة للفرنسية علي نفقتها الخاصة وأرسلتها للسفارة المصرية بفرنسا لتوزعها هناك صدقة علي روح زوجها الحبيب جورج أبيض,وكانت تبكي لسماع القرآن من الشيخ محمد رفعت وتبرعت بكل مجوهراتها لتسليح الجيش المصري مع أم كلثوم في حملتها الشهيرة وماتت في شهر رمضان وهي صائمة مخالفة أوامر أطبائها بالإفطار فقد تمنت أن تموت وهي صائمة فاستجاب الله لرجائها وأدركت ما تمنته . المسيحيون العرب ليسوا محدثين  أو طارئين علي الحضارة العربية والإسلامية بل هم جزء أصيل فيها وفاعل رئيسى فيها,وقد قال الليث بن سعد"إن وجود الكنائس يعد جزءً من منظومة العمران في بلاد الإسلام". والمسيحيون العرب لا يحبون الكنتونات وليست لديهم نزعات انفصالية ولا يحبون تكوين الميلشيات باستناء حزب الكتائب في فترة زمنية اعتبروها هم سيئة بالنسبة لهم.  يمكنك أن تري المسيحيين العرب في الشاعر القروى"الأخطل الصغير رشيد الخوري"الذي كان يطلق عليه قديس الوحدة العربية,أو الشاعر جاك شماس أو ميخائيل وردي,أو نظمي لوقا,أو نبيل بباوى أو ميشيل كعبي الذي كتب رسالة الدكتوراة عن علي ابن طالب,أو تراه في جورج قرداحي,أو في أمثال د/مجدى يعقوب,أو في مئات المسيحيين الذين كانوا يحضرون درس الإمام محمد عبده,أو فى قرابة 32 شاعراً مسيحياً الذين رثوه بعد موته,أو في أسرة مكرم عبيد كلها,أو في أسرة فخرى عبد النور الذي كان يجهز غرفة خاصة لمفتي الديار المصرية الشيخ حسانين مخلوف ليمكث فيها دون غيرها إذا نزل جرجا,أو في مئات الباشوات المسيحيين الذين بنوا مساجد أو مستشفيات أو ملاجيء أيتام خيرية,أو في رواق الأقباط بالأزهر الذي كان رمزاً للتعددية الدينية حتي داخل الأزهر ,أو في جورجى زيدان مؤلف الروائع وصاحب أجمل قلم عرفته شخصياً وتعلمت منه فن الكتابة,أو سليم وبشارة تقلا مؤسسا الأهرام,أو تعرفه فىً آلـ اليازجي وبطرس البستانى الذين أسسوا أول دائرة معارف عربية أو في كل المسيحيين الذين ساعدوا محمد علي في بناء مصر الحديثة . تراه في كل مسيحي صنع نهضة لوطنه أو خدم أبناء وطنه من المسلمين أو المسيحيين بجد وإخلاص وإتقان وأمانة ,أو شاركوا في حروب مصر كلها ضد العدوان الصهيوني بدءً من حرب 48 وحتى نصر أكتوبر 73 . وجود الكنائس القديمة في بلاد المسلمين دليل علي عظمة الإسلام والصحابة الذين لم يحطموا كنيسة أو يفزعوا راهباً في صومعته،أما بناء الكنائس الجديدة فدليل علي أن المسلمين مازالوا يستلهمون روح الشريعة الإسلامية التي لا تبيح فقط التعددية المذهبية ولكنها تتيح وتبيح وتحترم التعددية الدينية التي نص عليها القرآن العظيم" لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ " "لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ" " فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ " لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ ". المسيحيون العرب جزء أصيل من الحضارة العربية الإسلامية وهو يثريها وينفعها بالتعددية ولا يضرها.
أضف تعليق