لواء دكتور سمير فرج يكتب: شخصيات في حياتي (5) الفريق سعد الدين الشاذلي

لواء دكتور سمير فرج يكتب: شخصيات في حياتي (5) الفريق سعد الدين الشاذليلواء دكتور سمير فرج يكتب: شخصيات في حياتي (5) الفريق سعد الدين الشاذلي

*سلايد رئيسى19-12-2018 | 21:55

علم من أعلام العسكرية المصرية، لمع اسمه منذ أن كان برتبة الملازم، عام 1941، بعد نجاحه في المهمة المُكلف بها، لتدمير المعدات العسكرية للقوات البريطانية، والمصرية، لمنع القوات الألمانية من الاستفادة منها، أثناء تقدمها في اتجاه العلمين، خلال الحرب العالمية الثانية. وذاع صيته، أكثر وأكثر، وهو برتبة المقدم، عندما تولى قيادة كتيبة مظلات مصرية، ضمن قوات الأمم المتحدة، في الكونجو.

وفي عام 1967، قاد وحدة من القوات الخاصة، في سيناء، عُرفت باسم مجموعة الشاذلي، ونجح في العودة سالماً، بقواته، ومعداته، من حرب يونيو 67، وكان آخر القادة المنسحبين، من سيناء. اكتسب سمعة كبيرة، وتم تعيينه قائداً للقوات الخاصة، المكونّة من الصاعقة والمظلات، وكانت تلك المرة الأولى، والأخيرة، في تاريخ الجيش المصري، التي يتم فيها توحيد قيادة قوات الصاعقة والمظلات معاً.

بعد ثورة التصحيح، وفي 16 مايو 1971، عينه الرئيس السادات، رئيساً لأركان حرب القوات المسلحة المصرية، إذ لم يكن محسوباً على أي من الجناحين خلال هذه الفترة، متخطياً، بذلك، نحو 40 لواءً أقدم منه في القوات المسلحة.

خلال حرب الاستنزاف، أصدر، الفريق الشاذلي، عدداً من الكتيبات الصغيرة، عُرفت باسم "توجيهات رئيس الأركان"، يحملها، الضابط أو الجندي، في جيبه، مدوناً بها الأحداث التي كانت تمر بالقوات، في حرب الاستنزاف، والخبرات المُكتسبة، للاستفادة منها مستقبلاً.

ثم جاءت اللحظة الحاسمة، بضرورة وضع خطة لحرب أكتوبر 73، وكان أعقد مراحلها، هو عبور المانع المائي المتمثل في قناة السويس، واقتحام خط بارليف الحصين. فأصدر، الفريق الشاذلي، أوامره بتشكيل لجنة خاصة لإعداد "التوجيه 41"، لوضع الخطة التفصيلية لعبور قناة السويس واقتحام خط بارليف، متضمنة الحلول، والبدائل، المناسبة لتخطي معوقات عملية العبور.

أذكر، أثناء دراستي، بكلية أركان حرب، وقبل الحرب بأشهر قليلة، أن أبلغنا مدير الكلية، بأن الفريق سعد الشاذلي سيقضي يومين كاملين مع الطلبة، لمناقشة "التوجيه 41"، والحقيقة أن الفريق الشاذلي كان مشهود له بالذكاء الحاد، وحسن استخدام جميع أدواته؛ فبعد دراسات لمدة شهور، لإعداد خطة العبور، لم يجد أنسب من مناقشة هذا التخطيط، مع النخبة المتميزة من ضباط القوات المسلحة، بكافة أفرعها، الذين تعمقوا في الدراسة النظرية لمدة عام ونصف، بكلية أركان حرب. وبالفعل، تم توزيع "التوجيه 41"، على الدارسين، قبل اللقاء بعدة أيام لدراسته، ولم يصرح لنا، بالطبع، بالخروج من الكلية. والحقيقة أنني كنت ممن فوجئوا بحجم العمل الموضوع، ودقة تفاصيله. ولقد حققت مناقشة تلك الخطة، على مدار يومين كاملين، غايتها، فلقد وضع الفريق الشاذلي كافة مشاكل عملية العبور واقتحام خط بارليف، أمام المخطط المصري، الذي أوجد بدوره الحلول المناسبة لها.

كان الفريق الشاذلي، خلال نقاشه معنا، يفكر في حلول مصرية، تعتمد على الموارد المصرية، فخرج من ذلك النقاش بفكرة مضخات الدفع المائي، التي ابتكرها المقدم "باقي زكي يوسف"، لاقتحام خط بارليف. وركز على أسلوب سد فتحات النابالم، وعلى الدفع بمجموعات قنص الدبابات، لمنع الدبابات الإسرائيلية من التدخل في عملية العبور.

ثم جاءت مشكلة اقتحام النقاط الحصينة لخط بارليف، حيث تم تكوين قوة خاصة لكل نقطة، فوضعت خطة مهاجمة كل نقطة، وفقاً لوضعها. كما تم دراسة عوامل تغير سرعة التيار، في القناة، وعوامل المد والجزر.

ولعل أكبر المشاكل التي واجهت مجموعة تخطيط الضربة الأولى، كانت عبور قوات المشاة، في 12 موجة، بالقوارب المطاطية، ومواجهته للاحتياطات المدرعة الإسرائيلية، بدون الدبابات التي ستصلنا بعد 8 ساعات، بنزول الكباري. وبحسابات دقيقة جداً، تم تحديد عدد الصواريخ المضادة للدبابات، مع كل موجة. حتى أنه بعد حرب 73، غيرت قوات حلف الناتو، في أوروبا، خطة الدفاع المضاد للدبابات، بناءً على نجاح المصريين، لأول مرة، في هذه الحرب، من قيام المشاة المنفردة، بدون الدبابات، من ضمن الاحتياطيات المدرعة. وكان ذلك بفضل فكر الفريق الشاذلي.

لقد عالج "التوجيه 41"، 132 مشكلة، كانت تقف عائقاً، أمام المخطط المصري، بعد مناقشات تفصيلية، أدارها الفريق الشاذلي بنفسه، من خلال نقاش ديمقراطي، وعلمي، وعسكري، وميداني، كان بمثابة المراجعة النهائية للخطة التفصيلية للعبور.

تخرجنا في كلية الأركان حرب، استعداداً للحرب، ونظراً لتفوقي الدراسي، وتقدم مركزي، فقد تم توزيعي على هيئة العمليات، فكان لي شرف التواجد، طوال فترة حرب أكتوبر، في غرفة العمليات الرئيسية للحرب، وحضرت كل أحداثها، بدءاً من وصول الرئيس السادات، والمشير أحمد إسماعيل، والفريق الشاذلي، واللواء الجسمي، إليها. وانتهت الحرب بانتصارنا، ودون خلاف على احترافية أداء الفريق الشاذلي، ولو حدث أي اختلاف، داخل غرفة العمليات، فكان اختلافاً بين الرأي السياسي والرأي العسكري.

وفي 13 ديسمبر 1973، أصدر الرئيس السادات، قراراً بتعيين اللواء الجمسي رئيساً لأركان حرب القوات المسلحة المصرية، خلفاً للفريق الشاذلي. ودون الخوض في تفاصيل وحيثيات ذلك القرار، إلا أنني، حقيقة، أرى أن الفريق الشاذلي تعرض إلى ظلم واضح؛ ففي غمرة أفراح مصر، وتكريمها لأبطال حرب أكتوبر 73، في مجلس الشعب، كان ذلك البطل يجلس وحيداً في منزله، يتابع التكريم على شاشة التلفاز، وكأنه لم يشارك، وبدور أساسي وعظيم، فيما حققته قواتنا في حرب 73. بعدها أصدر الرئيس السادات، قراراً بتعيينه سفيراً لمصر في لندن، وبعدها سفيراً بالعاصمة البرتغالية، لشبونة. واستقال الفريق سعد الدين الشاذلي، وسافر للعيش في الجزائر.

انتقد الفريق الشاذلي، بعد ذلك، الرئيس السادات، لتوقيعه معاهدة كامب ديفيد، وتطورت الأمور بعدما كتب مذكراته عن حرب أكتوبر، والتي أحيل بسببها إلى المحاكمة العسكرية، بتهمة إفشاء أسرار عسكرية، وحُكم عليه بالسجن.

ولقد كرمه المشير طنطاوي، بإعادة صورته في بانوراما حرب 6 أكتوبر، وكرمه الرئيس السيسي، عندما أطلق اسمه على واحد من المحاور الرئيسية الجديدة، من مصر الجديدة إلى الطريق الدائري.

وفي النهاية، ومهما كانت الخلافات السياسية، فإن العظماء، وأعمالهم الجليلة، يحفرون أسماءهم في وجدان الشعوب، ومنهم الفريق سعد الدين الشاذلي، بكل ما بذله من عطاء، في مشواره الطويل في القوات المسلحة، وفي تخطيطه وإدارته لحرب أكتوبر سيظل في ذاكرة الأمة. ورغم التأخر في تكريمه، إلا أن التاريخ لا ينسى عظماءه ... فلقد كان بطلاً مخلصاً، وقائداً عظيماً ... ظلمته السياسة.

Email: [email protected]

أضف تعليق

حكايات لم تنشر من سيناء (2)

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
إعلان آراك 2