كلهم تنكروا لهذه الدمية إلا هو.. رحلة الدكتور نبيل بهجت 18 عاما حتى أدرج الـ «أراجوز» على قوائم اليونسكو

كلهم تنكروا لهذه الدمية إلا هو.. رحلة الدكتور نبيل بهجت 18 عاما حتى أدرج الـ «أراجوز» على قوائم اليونسكوكلهم تنكروا لهذه الدمية إلا هو.. رحلة الدكتور نبيل بهجت 18 عاما حتى أدرج الـ «أراجوز» على قوائم اليونسكو  

*سلايد رئيسى23-12-2018 | 14:52

كتب _ أحمد حمدي 

رئيس قسم المسرح بكلية الآداب جامعة حلوان، ومؤسس فرقة ومضة، الذي قام بإحياء فن «الأراجوز و خيال الظل» وعمل جاهدا على إدراج الأراجوز على قوائم اليونسكو، حتى تحقق هدفه بعد مشوار طوله 18 عاما، هذا هو الأستاذ الدكتور «نبيل بهجت» الذى التقته " دار المعارف " وأجرت معه حوارا قال فيه:

أظنُّ أنَّ مصرَ جميعها لا بد وأن تحتفلَ بهذا اليوم. فالأراجوز رمزٌ مصري ُّ، وهو أحد رموز الشخصية المصرية، وتسجيله على قوائمَ اليونسكو حدث هام لمصر وللثقافة المصرية، كما أنه العنصرُ المصري الثالثُ الذي يُسجَّلُ علي القوائم العالمية.

أول مرة

و تابع: لقد حفظت ذاكرتي أول عرض رأيته لرجل عجوز بجلباب أبيض في شارع سعد زعلول بمدينتي الصغيرة ” أبو كبير ” وأنا ابن الرابعة، من تلك الساعة أدركت أن هذا هو مسرحنا، فعشت عمري أدافع عن هذا المسرح لأجل هذا الرجل الذي أبهجني عرضه في طفولتي. كبرت ودخلت المسرح، كنت دائمًا ما أشعر بغربة بيني وبين العلبة الإيطالية، وأشعر أنها صُنِعَت لظروف البيئة الغربية كي يتجمعَ الناسُ وقت البرد. اما مسرحنا فهو مسرح الساحات المفتوحة الأفق .. الصحاري .. الحقول .. الأسواق، حيث يتجمع الناس.

ومضة

وواصل د. بهجت: لذا اتجهت جهودي تحديدا منذ قرابة 18عاما لإحياء الأراجوز وخيال الظل، فأسست فرقة ومضة، وشعارها ” أن لدينا ما يستطيعُ أن يُعَبِّرَ عنا ” ، بعد أنْ لاحظتُ أنَّ كل شئ يتغير، فمصر ” تخرج من نفسها ” كما وصفتها في ذلك الوقت.

و أضاف: بدأت رحلتي رغم انتقاد الجميع لي وقتها ” إنت عايز تبقي بتاع أراجوز؟ عيب .. إنت أستاذ جامعة .. ” كانت تلك هي الكلمة الأشهر على لسان الجميع، وكنت أُجيب بسخرية ابن عطاء الله يقول: ” إذا أردت أن تعرف مقامك فانظر فيما أقامك ” أنا أراجوز لأنه مصري .. أنا أراجوز لأنه منا “.

لأنه من الناس وانا منهم ومعهم وبهم وهكذا كان الرهان والتحدي .. فكان أولَ ما واجهني عدمُ المعرفة بأي شي عن هذا الفن .. فلم نكن نعلم من يلعبه .. وأين وكيف .. وما هي نصوصه .. وبدأت رحلتي في الموالد أبحث عنه، إلا أنه اختفي .. اختفى من معظم الموالد .

بعض اللاعبين

و تابع: ثم علمت أن شارع محمد علي يحتفظ ببعض اللاعبين، وقبلها علمت أن مولد فاطمة النبوية به نصبة أراجوز، كذلك مولد السيدة زينب به عربية أراجوز، وفي الباطنية التقيت بمحمد كريمة متجولا في الشوارع، وفي فاطمة النبوية التقيت بصلاح المصري، وفي السيدة زينب التقيت بسمير عبد العظيم وحسن سلطان، وفي مولد النبي بقرية في الهرم التقيت بسيد الأسمر، وفي شارع محمد علي التقيت بالعظيم أو كما أقول البصير الذي أنار بصائرنا صابر المصري ( العم صابر المصري ).

وبشىء من الأسى يكمل د. بهجت فيقول: كان كل شيء سرًا لا أحد يريد أن يخبرني بشي أو يعلمني شيء، وعندها فقط اتخذت قراراً بالمعايشة أن أذهب إليهم في أماكنهم .. طوال اليوم أجلس في مقاهيهم أصادقهم .. وقد كان. فبعد شهور فتحوا لي قلوبهم وعقولهم وبيوتهم أيضا فعلموني لغة السيم الخاصة بهم .. كانت الأمانة سرًا أعظم لا أحد يخبرك كيف تُصنع أو كيف ينطق الأراجوز.

جيل جديد

بدأتُ الخطوات وبدأتُ في التعلم كيف تُصنع الأمانة، وكيف تَنْطِق، وكيف يُصنع وسيط العرض ( البرفان – العربة الباردة – الخيمة) وما هي الدمي، والأسماء المختلفة لها .. هكذا بدأتُ ثم قررتُ أن أقومَ بعمل جيلٍ جديدٍ فكانت أولُ ورشة لطلابي من قسم المسرح وبعض الفنانين، تعلموا فيها قواعد الفن علي يد الفنانين الشعبين حملة هذا الفن، ثم جاءت فكرة تأسيس فرقة لتقديم عروض الأراجوز وخيال الظل ” فرقة ومضة ” التي كان مفتاح لصناعة الأمل ومضة أي بريق في الظلام .. ومضة هي الأمل .. وهذا هو المعني الذي قصدته وكان أول عرض لنا.

أرشيف

وجاءت بعد ذلك مهمة أخرى وهي صناعة أول أرشيف للأراجوز، إذ لم تُسَجَّلْ عروضُه أو تُحفظ في كتاب، وأخذت على عاتقي هذه المهمة، حيث سجلت عروضه وكتبت كتاب الأراجوز المصري، الذي حرصتُ على نشره في المجلس الأعلى للثقافة المصرية باللغتين العربية والإنجليزية، ومعه 19 فيلمًا وثائقيًا لتسجل نمر الأراجوز حية.

كنز

ثم جاءت خطوة أهم وهي كيف نحافظ على حملة هذا الفن الشعبي ككنوز بشرية؟ استطعتُ وقتها إقناع الوزير فاروق حسني بتخصيص أجر شهري لعدد من اللاعبين، كذلك تخصيص بيت السحيمي لعروض الأراجوز وخيال الظل  وذلك بأن نقدم عرضا أسبوعيا لم يتوقف من حينها وحتي الان يعتمد علي الأراجوز وخيال الظل وغيرها من المفردات الشعبية وانطلقنا منذ قرابة ١٥عام  كل يوم جمعة ببيت السحيمي حتي الأن وبدأت سلسلة العروض، وكنت أرفض منطق الإنتاج السائد أن تتحمل ميزانية الدولة التكلفة الانتاجية للعروض، كذلك أرفض منطق التمويلات، لذا حرصتُ أن أُنتجَ كلَّ العروض من جيبي الخاص، ومن ثم تسويقها لدى وزارة الثقافة والجهات المختلفة عالميا ومحليا، ولقد كان موافقة الوزير فاروق حسني على تخصيص رواتب شهرية لحملة هذا الفن هو انتزاع باعتراف محلي لفنون الأراجوز.

ويكمل د. بهجت انطلقنا عربيا لنأخذ اعترافًا عربيَا بأن تلك الفنون مسرحًا كاملا، خاصة وأني كمخرج ومؤلف لتلك العروض حرصت على أن اصنعَ مسرحًا تكونُ لغتُهُ خيال الظل والأراجوز والراوي، مسرحًا أدواته مصرية وعربية. وبدأت سلسلة من العروض والورش في دول عربية، قدمنا مئات الورش والعروض داخليًا وخارجيًا حتي جاء عرض مسرح بلومسبرج ببنسلفانيا، لنقدم سلسلة من العروض تكون من تأليفي وإخراج مشترك مع المخرجة ” لوري مكانتس “، وبالفعل ذهبنا لتنفيذ 30 ليلة عرض، وإذ بالمشروع ينجح ونقدم 121 ليلة عرض لأربعين ألف مشاهد لانتزع اعتراف عالمي لفنون الأراجوز وخيال الظل. وبعد تلك الرحلة قدمنا عروضنا في أكثر من 30 دولة بلغات مختلفة شاهدها مئات الآلاف من المشاهدين، ولا أبالغ أن قلت ملايين خاصة مع أضافة العروض التليفزيونية.

قواعد ثابتة

وهكذا انطلقت الفكرة من قواعد ثابتة ثقة بثقافتنا في أن ” لدينا ما يستطيع أن يعبر عنا ” وان مصر ” لا تمتلك منتجا بحجم الثقافة تستطيع أن تسوقه وتعتمد عليه ” وثقة أننا ” لسنا بحاجة لتمويلات كي نصنع فنا ” وأننا ” نستطيع أن نخلق سوقا فنية راقية”.أنتجت 36 عرضا جميعها من تأليفي وإخراجي تعتمد تلك اللغة المسرحية الأراجوز/خيال الظل/ الراوي بشكل أساسي وعناصر شعبية أخرى قدمت مئات الورش حول العالم نفذت 12معرض للدمي الشعبية عرضت بباريس -تركيا-نيويورك-الكويت-مدريد كثير منها في متاحف الدمى حول العالم قدمنا عروض بلغات مختلفة وقمنا بإنتاج مشترك مع فرق من دول مختلفة المكسيك -أمريكا -إيطاليا -الصين – الكويت وغيرها أقمنا خمس دورات لملتقي العروسة.

عندما بدأت تجربتي في  إحياء الأراجوز وخيال الظل  منذ قرابة ١٨عاما كان جميع المشتغلين بالمسرح بأنواعه المختلفة دمي / كبار/ طفل يتنكون للأراجوز لأنه ليس من الفنون الرفيعة ويأكدون دوما أنهم ممثلون اذا اضطرتهم الظروف للاقتراب منه علي استحياء !!.

شبهة

 كانت الكلمة في حد ذاتها سبة وشبهة ولم تكن هناك صورة للاراجوز متداولة غير تلك الصورة التي أطلقها متحف الدمي بولاية اطلنطا وهي لا تمت للأراجوز بصلة كان الكل يتنكر للأراجوزوينسب نفسه للمسرح بوصفه من الفنون الرفيعة ومسرح الطفل خاصة عندها حرصت أن أطلق مئات الصور علي الشبكة العنكبوتيه كي أصحح صورة الأراجوز، لدرجة أن معظم الصور المتداولة الآن من تصويري وهو ما يشعرني بالفخر كذلك حرصت أن أتيح أرشيفا من الفيديو به عروض الأراجوز من اللاعبين الشعبين وفِي أماكنهم الطبيعية وعدد هائل من اللقاءات التي كنّا نذهب اليها بالمجان والأستفادة الوحيدة  لنا أن نعرّف الناس بخيال الظل والأراجوز فأصبح للأراجوز سجلا هائلا علي الشبكة العنكبوتية بعدما كان يتعذر أن تجد مقطعا له من الفيديو أو صورة.

تاكيد الأراجوزية

 ويقول د. بهجت : اليوم أراقب بفخر هذا الكم الهائل من محاولات تأكيد البعض علي آراجوزيته أقولها بفخر لقد نجحت في أحياء الأراجوز لقد نجحت ومضة تلك الفرقة التي تبنت الأراجوز وضمت بينها أعظم فناني العرائس عّم صابر المصري انتجت فيها ولها ٣٦عرضا تأليفا وإخراجا كنّت أوظف فيها نمر الأراجوز التراثية كماهي لتبقي للناس دون تدخل مني وكان الرهان أن نستعيد كرامة فنوننا من الذين تنكروا لها وها هم الآن يتنافسون عليه بعدما جحدوه زمنا طويلا

وينتهى د. بهجت فى حديثه المتصل مع "دار المعارف" غلى القول: لولا كتابي : "الاراجوز المصري" الذي قدمت فيه نصوص الأرأجوز بجمعها من لاعبيه الحقيقيين من حملة التراث لكان الآن في غياهب النسيان قدمنا الأراجوز للعالم في ٣٠ دولة لدرجة أن عرض الأفتتاح لمهرجان الطفل في الكويت بدورته الثالثة كان عن الاراجوز عندها أتذكر أني جمعت الفرقة وقلت لهم لقد نجحتم وتركتم أثرا، فعلي مدار الدورات التي سبقت تلك الدورة كنّا نقدم فيها عروض الأراجوز لا يزعجني ما آراه الْيَوْمَ من محاولات بعض المشتغلين بالمسرح بتزيف الحقيقة بالتعمية، وكثرة الكلام بغرض التزيف، بقدر ما يسعدني حديثهم عن الأراجوز بعد أن تنكروا له لأنه لم يكن من الفنون الرفيعة.

أضف تعليق

وكلاء الخراب

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
تسوق مع جوميا

الاكثر قراءة

إعلان آراك 2