أمل إبراهيم تكتب: «رحلة العمر وقصص الطيبين».. حسين الشريف وحكايته مع «الريشة»

أمل إبراهيم تكتب: «رحلة العمر وقصص الطيبين».. حسين الشريف وحكايته مع «الريشة»أمل إبراهيم تكتب: «رحلة العمر وقصص الطيبين».. حسين الشريف وحكايته مع «الريشة»

*سلايد رئيسى24-12-2018 | 19:33

رغم أننا نعيش فى عالم "التاتش " الذى تجاوز فى سرعته ضغطة الزر واكتفى بلمسة على الشاشة سوف يكون أمرًا غريبًا ومختلفًا عندما تحكى عن جيل تعلم كيف يكتب  اسمه بالريشة  وينهى بها  واجباته اليومية ، وتصبح الريشة جزءًا من  أثر قديم يروى قصصًا مختلفة عما نعيشه حاليا ولكن وبرغم الاختلاف هناك حنين دائم لسماع حكايات تجارب سبقتنا فى العمر وقصص أناس طيبين مازال لهم عطاء ودور مهم  فى حياتنا .

مثل أغلب المصريين شخص تشعر بالراحة عندما تتحدث معه ، لديه مخزون من الذكريات والتفاصيل التى تستحق أن نعرضها للقراءة ....

 الأستاذ حسين  الشريف من محافظة الإسماعيلية مواليد عام  1953 وبرغم أنه خرج على المعاش بعد فترة عمل استمرت 35 سنة فى هيئة قناة السويس مازال لديه حب للعطاء ويعمل حاليا  فى توثيق تاريخ الإسماعيلية و اشترك فى عمل ثلاثة أفلام وثائقية مع مؤرخين من بورسعيد والسويس عن طريق القنوات الفضائية .

يحكى الأستاذ حسين عن طفولته ويقول :

"  قبل دخولى المدرسة الابتدائية ذهبت إلى كتاب الشيخ " على الشريف" وتعلمت منه القراءة والكتابة و حفظ القرآن الكريم ، وقتها لم تكن هناك ساعة نتعرف منها على الوقت  كان الشيخ  يضع علامة بالطباشير  أول السبورة ، وعندما  تجىء الشمس عند أول الخط  يؤذن الشيخ  لصلاة الظهر ويحين موعد عودتنا إلى البيت.

 فى عام  1959  التحقت  بمدرسة عمر بن الخطاب الابتدائية وكانت المدرسه قريبة  فكنا نذهب  إليها مشيًا على الأقدام، كان  التعليم مجانيًّا كنا نستلم الكتب والكراريس مجانا ، تعلمنا الكتابة  بالريشة التى لها سن نحاسى مكتوب عليه "الملك" ومازلت أحتفظ بها حتى الآن .

 مازلت أتذكر  كتب المدرسة  على سبيل المثال كان هناك كتاب اسمه " الوعى المرورى "رغم أن الإسماعيلية لم تكن وقتها بها عربة واحدة، و كتاب" لماذا يحبنى الناس " والإجابة عن السؤال داخل الكتاب تتحدث عن الأخلاق والقيم الجميلة .

  أمام المدرسة يقف  رجل بعربة صغيرة يبيع الكتب والمجلات للتلاميذ مجلات سمير وميكى وسندباد وقصص الأطفال ، ويمكن أن ندفع تعريفة مقابل القراءة وتصفح المجلات .

 كان يتم توفير وجبة غذائية يوميا فى المدرسة عبارة عن " بيضة وفطيرة وقطعة من الحلاوة الطحينية عبارة عن ربع كيلو لكل فرد وجبنة نستو وزجاجة من اللبن الصغير " لكل تلميذ " ،وكان هناك نشيد خاص بالمدرسة غير تحية العلم بالنسبة لمدرستنا  كان النشيد يمتدح شخصية  عمر بن الخطاب وهو اسم المدرسة .

فى تلك الأيام كان المدرس له نوع من الرهبة والهيبة كنا نخشى أن نقابله فى الطريق ولو صادف وشاهد أى تلميذ وهو يلعب فى الشارع كان يعلم جيدا أنه سينال العقاب فى اليوم التالى .

فى رحلة عمرى يمكننى أن أقول إن ابن عمى كان صديقى المقرب نمشى سويا ونلعب سويا وأعتبره الصديق الوحيد حتى عندما كبرنا واشتغلنا معا فى هيئة قناة السويس وها نحن على المعاش معا حاليا كانت ألعابنا  ونحن صغار مختلفة بداية من كرة القدم والاستغماية والبلى والسبع طوبات ، وفى هذه الأيام كان  الراديو والتلفزيون ملكا لفئات ما فوق المتوسطة .

 بعد تلك الفترة انتقلت للمدرسة الإعدادية التى كانت تبعد عن منزلى 3 كيلو مترات تقريبا وكنا نذهب إليها  مشيا على الأقدام .

 وفى يوم من الأيام  فكرت أنا وصديقى أن نكتب رسالة إلى الزعيم جمال عبد الناصر على سبيل المزاح  ووضعنا الرسالة فى صندوق الخطابات فى المدرسة ولم نكن نتوقع الرد ، ولكن بعد أسبوع واحد فوجئنا  بوصول رد على الرسالة وتسلمت أنا وصديقى رسالتين لكل منا وكنا فى حالة من الذهول وعدم التصديق والفرحة فى آن واحد  رسالة من الزعيم جمال عبد الناصر !!!

فى تلك الفترة كان عشق كرة القدم السمسمية ينتشر فى مدينة الإسماعيلية  وكنت أحيانا أهرب من المدرسة بصحبة ابن عمى  لمشاهدة تدريب الإسماعيلى لكى نرى اللاعب الفذ المرحوم رضا ساحر الكرة .

و فى عام 1967 كنت بالصف الثانى الإعدادى تحديدا فى شهر يونيو ، استيقظنا فى الصباح  على صوت المدفعية والطائرات والصواريخ ، عام النكسة كما نطلق عليه حتى الآن، قررت وقتها  أن  أتطوع للمقاومة الشعبية ولكن للأسف  كنت صغيرا لم أكمل السادسة عشرة ، وقالوا إننى  لن أستطيع حمل السلاح فحزنت كثيرا لأن الاسماعيلية هى عشقى الوحيد.

 وفى يوم السبت الحزين  هاجمت الطائرات الإسرائيلية محطة الاسماعيلية وفجرت القطار  الذى يتخذ طريقه  من بورسعيد إلى القاهرة  وأطلق عليه قطار الموت ، بعدها صدر قرار التهجير الإجبارى من رئاسة الجمهورية لجميع مدن القناة .

 وهاجرنا إلى محافظة قنا قرية" قفط  "فى صعيد مصر  ولكننى  لم أستطع البقاء هناك وقررت الهروب من الصعيد إلى الإسماعيلية مهما كانت النتائج ، وكنا وقتها فى فترة الإجازة المدرسية وكان أبى يسافر إلى عمله بهيئة قناة السويس لمدة أسبوعين ويعود إلينا أسبوعين آخرين ،عندما قررت الهرب والعودة إلى الإسماعيلية لم يكن فى جيبى مليما واحدا ، فى ذلك اليوم و أثناء صلاة العصر هربت من البيت وقابلت عمى وأخبرته  وقلت له إننى مسافر إلى الإسماعيلية وطلبت منه عدم إخبار أى  شخص إلا بعد أن يتحرك القطار .

 وبالفعل ركبت القطار الذى اتجه إلى القاهرة وعندما يسألني  الكمسرى  عن التذكرة أخبره أننى من المهاجرين وفى طريقى إلى الإسماعيلية فيتركنى فى حال سبيلى ، وصلت إلى محطة القاهرة ومنها سافرت إلى الزقازيق عند عمى فى فاقوس شرقية ومكثت عنده خمسة أيام،  كان عمى  يعمل بهيئة قناة السويس  ومعه تصريح لدخول مدينة الإسماعيلية فى ذلك الوقت .

 وبعد خمسة أيام سافرت مع عمى إلى الإسماعيلية ومكثت هناك حوالى شهر كامل حتى عاد والدى من محافظة قنا و قابلنى وقتها بشكل عادى ولم يؤنبنى على حادثة الهروب ولكنه سألنى هل تعجبك المدينة و كل أهلها مهجرون ولايوجد بها سوى  رجال يعملون إضافة إلى المقاومة الشعبية والجيش .

مكثت مع والدى وأخى وعمى فى المنزل حتى انتهت فترة العمل الخاصة  بوالدى وحان موعد إجازته والسفر  مرة أخرى إلى صعيد مصر وفى هذا اليوم قال لى والدى جهز نفسك للسفر لأخوتك فى الصعيد فقلت له إننى لا أرغب فى السفر إلى الصعيد وسأبقى فى الإسماعيلية فقال لى :والمدرسة ؟؟ أخبرته أننى أكره الصعيد ولن أسافر ..

وفى النهاية وأمام إصرارى  على الرفض أخذنى والدى وركبنا القطار الذى اتجه بنا  إلى الزقازيق ومنها إلى مدينة بلبيس حيث هاجرت أختى الكبرى وأولادها  وتركنى والدى مع أختى بعد إيجارغرفة خاصة بى بجوارها فى نفس المنزل  وكان إيجار الغرفة نصف جنيه وكان والدى يرسل كل شهر مبلغًا خاصًّا لأختى لتنفق عليّ وبقيت هناك حتى أنهيت الإعدادية ومرحلة الثانوية أيضا و وبدأت حياة جديدة .

 وبعد أن انتهت الحرب وصدر قرار بالعودة إلى مدن القنال رجعنا إلى الإسماعيلية فكانت الفرحة الكبرى بالنسبة لى ، بعدها أنهيت فترة  الجيش و التحقت بالعمل بالشركات الأجنبية للعمل فى تطهير قناة السويس والعودة للملاحة ، فى تلك الفترة كنت أحب فتاة تصغرنى بعشرة أعوام تسكن  أمام منزلنا .

وعندما عرضت الفكرة على والدتى فوجئت برفضها للفتاة التى اختارها قلبى هى وأخواتى ورشحت لى ابنة عمى  فى الصعيد بدلا منها ، ومعارضة والدتى وإخوتى  كانت تعنى حرمانى من شقة فى منزل والدى ورغم ذلك ذهبت لخطبة الفتاة وذهبت مع والدها إلى المأذون الذى أتم الزواج بعد الحصول على مبلغ مالى كبير لأن الفتاة لم تبلغ السن القانونية للزواج ، بعد عقد القرآن تغير موقف أمى وباركت فكرة زواجى ووافقت أن تعطينى شقة فى بيت الوالد رحمه الله ،أذكر جيدا أن غرفة النوم كان سعرها 350 جنيهًا وحفل الزفاف كان على أنغام السمسمية.

خلال فترة عملى كنت أراسل  عددًا من الصحف والمجلات وأقوم بجمع الآلاف من الصور التاريخية لقناة السويس والإسماعيلية و اشتركت فى فيلم "مدن صنعت تاريخًا " لقناة النايل تى فى الفرنسية .

 فمثلا اشتركت فى فيلم مدن صنعت تاريخًا لقناة النايل تى فى الفرنسية  ثم استطعنا خلال هذه الفترة عمل الجمعية التاريخية التى جمعت كثيرا من شباب الإسماعيلية وطلبة الجامعات المحبين للتاريخ .

أضف تعليق

مَن صنع بُعبع الثانوية العامة ؟!

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
تسوق مع جوميا

الاكثر قراءة

إعلان آراك 2