عاطف عبد الغنى يكتب: حديث الرئيس .. من العتاب إلى الحساب

عاطف عبد الغنى يكتب: حديث الرئيس .. من العتاب إلى الحسابعاطف عبد الغنى يكتب: حديث الرئيس .. من العتاب إلى الحساب

* عاجل28-12-2018 | 13:48

أنيس منصور هو الذى قال: «أسرع الكائنات إلى النوم: ضميرك»، وقال أيضًا: «سيف العدالة لا يصدأ»، والرئيس السيسى قال: «الحق حق وإن لم يتبعه أحد، والباطل باطل ولو اتبعه الجميع»، وإذا كان أنيس منصور فيلسوف يتحدث عن قيم مطلقة، فحديث الرئيس وراءه واقع يعيشه المصريون، ويتندرون عليه ليلاً ونهارًا، ويتبعون التندر بإظهار الأسى والأسف وادعاء عجز الحيلة عن التغيير الذى هو ليس بأيديهم.

 وإذا جاء اليوم رأس الدولة وأعلى مسئول فيها ليفضح على الملأ أحاديث الغرف المغلقة، ويعلنها حربًا على الفساد.. فعلينا أن نبحث لنا عن دور فى هذه المعركة.

(1)

  كلام الرئيس السيسى يوم افتتاحه لمشروع «بشائر الخير2» .. لا يحتمل المزايدة، ناهيك عن أن المزايدين يضرون بالمسئول، ويخصمون من شعبية السياسى، وأعتقد أن الرئيس السيسى يعرف ذلك ويعيه، لأنه لا يسكن برجا عاجيا يفصله عن الناس، ولأنه يتابع بنفسه، ويُنقل إليه ما يقال وما يكتب، ومدارات أحاديث المصريين من جد وهزل، فى عالم الواقع، أو العالم الافتراضى، ولولا هذه المتابعة الدقيقة ما وصل الرئيس إلى ما ذكره عن حجم «النكت» الذى تجاوز حدود الخيال (حسب قوله ) فى تأويل كلامه عن مرض السمنة وزيادة الوزن، وترويج البعض أن الرئيس «يعاير» المصريين، وهو ما دعاه إلى توجيه سؤالا مستنكرًا ومعاتبًا إلى من يقول ذلك: « أعاير أهلى؟! «، واضطراره لإعادة توضيح مالا يحتاج إلى توضيح مثل الهدف من مبادرة «100 مليون صحة»، ومثل أن المبادرة تكلف الدولة مالا كثيرا، والمسئولين جهدًا كبيرًا، كانت وكانوا فى غنى عنهما لو أن صحة المصريين لا تهم الرئيس، ومثل أن نتيجة فحص تلاميذ وطلاب المدارس كشف أن هناك أطفالا يعانون من أمراض الأنيميا والسمنة والاستعداد للتقزم، فهل الذى يسعى إلى مكافحة تلك الأمراض، وعلاج أولادنا يستحق منا أن ننساق ضده خلف الكارهين والخصوم الساعين للانتقام وتشويه أى إنجاز؟!

هذا ما أراد أن يقوله الرئيس فى عتابه لأهله وناسه قبل أن يمازحهم بلطف: «أرجو أنكم تنكتوا على مهلكوا عليا المرة دى»!!

(2)

.. روح أنيس منصور الحاضر فى المقال تدعونى لأن اقتبس منه جملة أخرى يقول فيها: «المسافة بين أن ننصح الناس وبين أن نساعدهم كبيرة جدًا»، وفى عصر الكلام الذى ليس عليه جمرك، كان يقف فى البرلمان مسئول حكومى رفيع، وهو فى نفس الوقت نائب عن الشعب !!، ويتصور أنه يمكن أن يدغدغ مشاعر شعب يراه - ولا مؤاخذة – مغفل فيقف ويصرخ فى مشهد تمثيلى: «الفساد تجاوز الركب، وكاد يصل إلى الأعناق».. طيب وبعدين؟!

عملت إيه يا سيادة المسئول النائب الحرامى المرتشى الـ .. ..؟!

لقد تقمص الشخصية وأدى دوره المحدد له بإجادة، وعندما عاد إلى مكتبه اتصل به مسئول آخر لص ومرتشى مثله وطلب وساطته لدى مسئول ثالث لإنقاذ لص كبير من فئة الحيتان سقط بجريمته التى يستحق عليه الحساب والعقاب.

هذه الدائرة الجهنمية كانت تحتوى بداخلها فساد مرعب وتستوعبه، وتهضمه، وتتقيؤه فى وجوه الغلابة والشقيانين من هذا الشعب، فتصيبهم بالأذى، وتتيح للشيطان مساحة أكبر فى الاقتراب من القابضين على جمر العفة والأمانة لتسهل مراودتهم على طهارة نفوسهم، وزحزحتهم عن مواقفهم فى زمن الأوضاع المعكوسة، وفى الغالب تنتهى معركة الخير والشر بسقوط مزيد من الضحايا، تنضم إلى صفوف السائرين فى «السكة الشمال» التى تعنى فى قاموس المصريين: «الفساد».

(3)

من مرحلة تثبيت أركان الدولة التى استغرقت فترة رئاسته الأولى، ومازالت، إلى مرحلة تطهير الدولة التى بدأت أيضا مع الرئاسة الأولى، لكنها الآن تشهد انطلاقة جديدة تتمثل فى مهاجمة الفساد بلا هوادة ومطاردته فى السر والعلانية، بشائر هذا النهج انطلقت مع افتتاحات «بشائر الخير» التى رأينا فيها أن الحساب وإعلان النتائج يمكن أن يكون «على الهواء» ويشرك فيه الرئيس الشعب كله، وعلى المسئول الذى قبل المنصب تشريفًا أن يتحمل تبعاته تكليفًا.

والذى لفت نظرى بشدة فى حديث الرئيس يوم افتتاحات «بشائر الخير2» ليس العناوين ولكن التفاصيل الدقيقة التى تطرق إليها فى حواراته مع المسئولين، والمعلومات التى احتوتها، مثل أن ضعف وثغرات عقود المحاجر والساحات والمحلات أدت إلى ضياع حق الدولة، وضرب مثلاً استنكر فيه إبرام عقد لمدة 20 أو 25 عامًا بين المحليات والمستفيد من محجر أو ساحة أو محل ولا يسدد المستحقات المقررة عليه إلا لعام واحد فقط! وأضح الرئيس أن كلامه لا ينطبق على الإسكندرية فقط ، مؤكدا أن هناك محلات تم تأجيرها منذ عشرين عامًا بأرقام «إيجارات» ضعيفة جدًا(!!)

ولا أعتقد أنه غاب عن فطنة سيادته أن المسئول الذى وقّع هذا العقد تواطأ مع المستفيد على الثغرات القانونية التى تتيح للأخير أن يهرب من سداد مستحقات الدولة !!.

وفى مثال آخر، كلف الرئيس قائد المنطقة الشمالية العسكرية بتحصيل مستحقات الدولة فى الحديقة الدولية، وحدائق انطوانيادس، والشلالات الثلاثة، وشدد الرئيس أنه فى حال التخلف يتعين فسخ العقد، وفى مثال رابع أو خامس كشف الرئيس أن فساد الذمم والضمائر قاد إلى إهلاك وتدمير بحيرة «كينج مريوط» وتحتاج الآن إلى 20 مليار جنيه لإعادتها إلى حالتها الأولى !!.. وسؤالنا: من يتحمل هذه الأموال فى ظل عجز الموازنة، ومحدودية الموارد؟!

ما سبق وأمثلة أخرى عن تجاوزات المبانى والتراخى فى التعامل مع المخالفات وتشجيع المسئولين التنفيذيين ونواب البرلمان على خلق العشوائيات بتوصيل المرافق إليها بسبب ضعف التشريعات الحاكمة، أو فساد مسئول أو ترهل أدائه، أو سعى مترشح أو نائب برلمانى لرفع شعبيته، وجميعهم يبعثون برسائل مباشرة وغير مباشرة للعشوائيين أن خالفوا ونحن نحمى ظهوركم (!!)

(4)

وفى حديثه الأخير وما قبله من أحاديث لم يجعل الرئيس من المواطن طرفًا أمام الحكومة ولكن جعل الدولة بشمولها طرفًا ضد المتجاوزين من الأفراد، الجائرون على حقوق الشعب، والحكومة، وهما ضلعان من مثلث، ضلعه الثالث هو الأرض أو الإقليم الذى يسكنه هذا الشعب وتمثل فيه الحكومة «السلطة».

والسلطة ذراع القوة فى تطبيق القانون وحماية الحقوق، والفصل بين الناس لتضمن لجميع مواطنى الدولة حقوق وفرص متساوية فى توزيع ثروات الدولة، وتحفظ لأجيال المستقبل أيضا نصيبها فى تلك الثروات وخاصة النافدة منها، فالدولة هى مجموع الأفراد من الرئيس، والمدير، والمشرّع، والقاضى، والحكم، والحارس، وهى فى ذات الوقت تمارس كل هذه الأدوار الوظيفية، الدولة هى أنا وأنت ونحن، فما تملكه هو ملك لنا جميعا، وما تفرط فيه هو ضياع لحقوقنا جميعا.

    أضف تعليق

    وكلاء الخراب

    #
    مقال رئيس التحرير
    محــــــــمد أمين
    تسوق مع جوميا

    الاكثر قراءة

    إعلان آراك 2