عاطف عبد الغنى يكتب: ذلك الشتاء.. قبل 8 سنوات (1 من 3)

عاطف عبد الغنى يكتب: ذلك الشتاء.. قبل 8 سنوات (1 من 3)عاطف عبد الغنى يكتب: ذلك الشتاء.. قبل 8 سنوات (1 من 3)

*سلايد رئيسى25-1-2019 | 23:36

من يناير 2011 إلى يونيو 2013 عامان ونصف العام تقريبًا، كانت هذه المدة كافية لأن يتأكد المصريون أن بلدهم مهدد بحرب أهلية، وانقسام داخلى يمتد فى مدركات الناس من الأفراد إلى الأسرة الواحدة، ومن الأسرة الواحدة إلى الكيانات والجماعات.. إخوان، وسلف، وعلمانيين، وثوريين اشتراكيين، وغيرهم.

ظهر الشقاق وانفضحت العورات، وتوارت، أو اختفت مشاهد النقاء الثورى التى ظهرت فى ميدان التحرير فى الأيام والأسابيع الأولى لنزول الناس إلى ميدان التحرير، حين كان يصب المسيحى الماء لأخيه المسلم ليتوضأ ويقيم صلاته، ويجلس العلمانى الليبرالى الذى أطلق شعره مسترسلا أو قصعه فى ديل حصان أو "كحكة" خلف رأسه يغنى ويرد خلفه كورس من أصحاب الذقون أغانى الحرية. اختفى الحب، وحضر المولوتوف والحجارة والسيوف والاغتيالات الغامضة، فكان السؤال العصى على الإجابة: ماذا حدث؟!

(1)

لم تكن هناك إجابات شافية وقتها، ولم يكن حديث المؤامرة مقبولا على إطلاقه إلا فيما يتعلق بالإخوان، وقد كشفت ممارساتهم أنهم أكثر ديكتاتورية وتشبث بالسلطة من نظام مبارك الذين سعوا إلى خلعه فى سعيهم المحموم إلى السلطة والرئاسة والسيطرة، فلما وصلوا إلي ما سعوا إليه طوال سنوات تزيد على ثلاثة أرباع القرن، استقر فى أذهان السذج منهم أنها مكافأة من الله على جهادهم لسنوات طويلة خلت، أما مرشدهم وشاطرهم وباقى كوادرهم العليا وهيئاتهم فقد وجدوا فى حُكم مصر الخطوة الحقيقية والعملية الأولى لبداية تكوين الإمبراطورية الإخوانية التى يسبغون عليها صفة الإسلامية ومسمى الخلافة.

وكانت هناك دول ورؤساء وأجهزة مخابرات تدعمهم ماديا ومعنويا بالمال والإعلام والمشورة والحماية ما أمكن وتدفعم دفعا للمضى فى تحركاتهم نحو مشروعهم، المتوهم، ليس حبا فيهم أو فى مشروعهم ، ولكن لاستخدامهم فى أغراضها وخططها الاستيراتيجية نحو المنطقة، ومصر فى القلب منها.

ولأن الإخوان فاشيون وأنانيون ولديهم إحساس متجذر بالحرمان والاضطهاد فقد ظهرت عليهم بأسرع مما يتصور البعض هذه الأعراض، فراحوا يستبعدون الجميع ويقصون من يستطيعون إقصائه من الأفراد، والفصائل والجماعات حتى شركائهم فى الأيديولوجيات والأفكار والرؤى، وخاصة السلفيين استبعدوهم.

وصف الكاتب أحمد البرديسى فى كتابه: «المؤامرة على ثورة مصر: الملفات السرية للإخوان» هذا الظرف بقوله: «وصلت مصر إلى نقطة خطر فاصلة لم يسبق لها مثيل فى تاريخنا كله.. بعد أن وصل الصراع على مصر إلى حافة انكسار حاد للوطنية المصرية، والأمن القومى لمصر، وربما لم ينجح تيار الإسلام السياسى إلا فى شىء واحد فقط هو فرض التقسيم الطائفى على مصر».

جاء صيف 2013 على مصر ملتهبا فى أحداثه، شديد الوطأة على المصريين، ووصف الصحفى الإنجليزى جيرمى باون هذه الأيام فى كتابه: «الشعب يريد إسقاط النظام» بقوله: « مصر تعيش حاليًا لحظة انتقال رهيبة من شتاء الغضب فى ثورة يناير 2011 إلى الانقسام الساخن فى 2013، وهى فى الواقع المخاض العسير فى فترة ما بعد سقوط مبارك.»

(2)

قولا واحدًا، الإخوان لم يفجروا أو يقودوا ثورة 25 يناير 2011 (إذا اصطلحنا على تسميتها ثورة)، كما يدعوّن، لكنهم ركبوها بعد أن اطمئنوا إلى حد كبير على إمكانية نجاح مقصدها فى خلع مبارك، وفعلوا بعد ذلك المستحيل لتمضى الأمور نحو هذا الهدف لأن الفشل كان يمثل لهم نتيجة كارثية.

وعلى الرغم من الاعتراف بأنهم كانوا الجماعة، أو القوة الوحيدة التى تمارس السياسة ولديها تنظيم حركى جيد قبل 25 يناير 2011، إلا أن هذا التنظيم الحركى السرى (غير الدعوى) ومنذ نشأته فى أربعينيات القرن العشرين وحتى عام 2011 لم يكن أبدًا ليستطيع أن يصمد فى مواجهة مع الدولة المصرية، لذلك كان يكتفى بممارسة أعمال الإرهاب والعنف الممثلة فى الاغتيالات والتفجيرات الإرهابية المحدودة.

لم يكن لدي الجماعة مفاتيح حشد للجماهير المصرية نحو الثورة (قام بهذا الدور آخرون فى الداخل ومن الخارج) وعندما ترشحوا للبرلمان الأول بعد 25 يناير، لم يمنحهم الشعب جانبًا غير مسبوق من أصواته إلا من باب (التصويت الاحتجاجى) ومن باب تجربة حكم «بتوع ربنا» مقابل من سبقوهم من المنتمين للحزب الوطنى المنحل.

وإضافة إلى ما سبق لابد أن نؤكد على الآتى وهو أنه:

ليس الإخوان، ولا غضب عامة المصريين (الطبيعى) على الظروف الداخلية فى ذلك الوقت، هما فقط العاملان اللذان دفعا المصريين للخروج إلى ميادين مصر فى شتاء 2011 تعبيرا عن الاحتجاج فى البداية، ثم الغضب، والغضب العنيف بعد ذلك الموجه ضد مؤسسات الدولة المصرية، ولكن كان هناك شىء آخر، غامض فى الموضوع، ومصدره الغرب، وميراث الغرب فى تصدير الثورات والفتن والانقلابات فى المنطقة العربية ومصر طويل، من الأمبراطورية البريطانية التى احتلت بلادنا عسكريا، إلى وريثتها الإمبراطورية الأمريكية صاحبة مشروعات الاستعمار الحديث، استعمار العقول والاقتصاد، وهندسة الانقلابات الداخلية، ليس فى مصر فقط، ولكن فى قارات العالم الخمس.

ويؤكد الصحفى (الإنجليزى) جيرمى باون، ما ذهبت إليه - فى كتابه المشار إليه آنفا - فيقول:

«إن قوى الاستعمار الأوروبى القديم تحالفت مع القوة الأمريكية الصاعدة بعد الحرب العالمية الثانية، ولم يكن الهدف من وراء ذلك مواجهة الاتحاد السوفيتى فقط بل كان الهدف أيضًا حصار النظم العربية الوطنية بقيادة جمال عبد الناصر وحرمانها من تحقيق أهدافها فى التنمية والتقدم ودفعها إلى استهلاك طاقاتها فى صراعات إقليمية وداخلية، وغرس الإحساس بالهزيمة والانهيار المعنوى فى قلوب وعقول القيادات والمواطنين على السواء من الخمسينيات إلى 2011».

(3)

منذ أيام جمال عبد الناصر من الخمسينيات؟! ومحاولات الاحتواء والتوجيه والاستخدام للأنظمة العربية وخاصة مصر قائمة، بل ومن قبل الخمسينيات بعدة سنوات كانت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سى أى أيه) حاضرة فى المنطقة العربية، تستعد لوراثتها تركـــة الإمبراطوريتين الاستعماريتين، الإنجليزية والفرنسية، المتراجعتين.

كانت الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتى قد بدأت بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية مباشرة، وكان الشرق الأوسط والدول العربية فى القلب منه تكافح لتحصل على استقلالها من الاستعمار البريطانى والفرنسى، ولا تريد أمريكا أن تسقط التفاحة الخضراء ( دول المنطقة بعد أن تحصل على استقلالها) فى حجر الإمبراطورية السوفيتية.

لذلك وقبل عدة سنوات من ثورة 23 يوليو 1952 المصرية وضعت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) مشروعًا لاحتواء ملك مصر فاروق الأول، وكان اسم فاروق الحركى فى هذا المشروع هو «FF» اختصارا لكلمتى: «Fat Fucker» وترجمتها الأبله أو الأحمق السمين، لكن فى ظل الاحتلال الإنجليزى لم ينجح الأمريكان كثيرا فى مسعاهم، فراهنوا على القادم لحكم مصر التى كانت فى حالة فوران داخلى وخاصة بعد هزيمة العرب فى حرب فلسطين، وإعلان دولة إسرائيل على أراضى فلسطين المسروقة، وفيما يخص مصر كانت كل المؤشرات تقول إن نظام الحكم الملكى مصيره إلى الزوال، وهو ما تحقق بقيام ثورة الضباط الأحرار ورمزها جمال عبد الناصر.

(4)

بارك الأمريكان ثورة 23 يوليو، فى بدايتها وفى نفس الوقت سعوا بشدة لاحتواء رجال الثورة من الضباط الشبان ، وعلى رأسهم ناصر (كما كان يسمون عبدالناصر فى الغرب) لكن لم تكن خبرة عبدالناصر وأفكاره تجاه الغرب الاستعمارى تسمح بأن يسقط فى الامتحان، لذلك فشلت محاولات الاحتواء الأمريكى معه فشلاً ذريعًا، وتأكد هذا الفشل فى أكثر من واقعة منها طلب عبدالناصر للأسلحة، ورفض الغرب تسليحه لصالح إسرائيل، ومن الوقائع أيضا طلب تمويل مشروع السد العالى ورفض البنك الدولى بإيعاز من أمريكا منحه التمويل، وسرعان ما تحولت الكراهية المتبادلة إلى حرب معلنة ضد مصر وقائدها ناصر الذى يقود العرب وأفريقيا إلى التحرر من الاستعمار ويمثل خطرًا وتهديدًا كبيرًا لإسرائيل.

(5)

«الديك الرومى» هذا هو الاسم الكودى الذى أطلقه رجال الاستخبارات الأمريكية (سى أى أيه) على الرئيس عبد الناصر فى العملية التى حملت نفس الاسم، وكان هدف العملية اصطياد هذا «الديك» عن طريق اغتياله بعد الفشل فى احتوائه أو فرملته على الأقل، لذلك عكف رجال (سى أى أيه) على دراسة أدق التفاصيل الخاصة بالزعيم المصرى وإخضاعها للتحليل الدقيق على المستوى النفسى (السيكولجى) للوصول من خلال ذلك إلى وضع تقديرات وسيناريوهات محتملة لردود الأفعال المتوقعة من عبد الناصر فى كل المواقف بما فيها مواقف القيادة، واتخاذه للقرار، ومدى تأثره بمن حوله وآرائهم، وتأثير الحالة الصحية، كمدخن شره ومريض بالسكر، على حالته النفسية والعصبية، حتى قراءة وتحليل نبرة الصوت، وطريقة المشى، ولغة الجسد كطريقة تحريك اليدين، والالتفاف وحركة العين ونظرتها، وطريقة إمساكه بالسيجارة، ورحلات علاجه فى مصحات الاتحاد السوفيتى ودول شرق أوروبا.

ومن خلال تحليل هذه المعلومات نجحت الخطة الأمريكية فى استدراج عبد الناصر للتصعيد فى شهر مايو 67 واتخاذه قرار إغلاق خليج العقبة ودفع قوات الأمم المتحدة فى تمركزاتها الفاصلة بين مصر وإسرائيل منذ حرب 56 للانسحاب وهو ما كان يعنى إعلان الحرب، وقد تصور عبد الناصر أنها إذا اندفعت فسوف تنتهى بانتصار سياسى مثلما حدث فى حرب السويس 1956، لكن حسابات عبد الناصر لم تكن دقيقة أو واقعية، إضافة إلى عدم وفاء حلفائه السوفيت بوعودهم له فى حال دخوله فى مواجهة ضد إسرائيل، فكانت نكسة 67، بمباركة ودعم أمريكا.

وفى أحد لقاءاتى مع حسين الشافعى النائب الأول للرئيس عبدالناصر قال لى:«إن عبد الناصر مات مرتين، فى الأولى بعد نكسة 67، لكنه بقى بجسده حتى رحل عام 1970».

وورثه السادات، وقاد مصر فى 73 للانتصار الكبير، وصنع السلام قبل أن يغادر الدنيا فى حادث اغتيال أشارت فيه بعض الأطراف بأصابع الاتهام إلى الاستخبارات الأمريكية، وقيل فى تفسير هذه التهمة أن السادات كان قد انتهى دوره بالنسبة لهم، لذلك كان لابد أن يرحل .

(6)

مرت السنوات العشر الأولى من حكم مبارك هادئة، إلى أن وقع الزلزال الذى هز الشرق الأوسط والمنطقة العربية ، وهو غزو العراق الدولة العربية لجاراتها العربية الكويت، واحتلالها، بتحريض أمريكى صريح على لسان مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية آنذاك للرئيس العراقى صدام حسين، الذى وقع فى الفخ، ليهيأ دون أن يدرى لبداية مشروع استعمارى كبير للمنطقة اسمه، مشروع الشرق الأوسط الكبير.

وتزعمت أمريكا العالم والعرب لإخراج صدام من الكويت، وحدث هذا فى شهر فبراير من عام 1991 ، وفي هذا التاريخ نفسه كانت فلسطين المحتلة تغلى بأعمال الانتفاضة الثانية التى تمثل خطرا كبيرا على كيان الدولة العبرية، لذلك كان لابد من تحرك أصدقاء إسرائيل بسرعة فى أمريكا والغرب لاحتواء هؤلاء الشبان الغاضبين فى فلسطين واحتواء العرب لتنفيذ مخطط الشرق الأوسط الجديد، وفى هذا الصدد اقترح أحد مراكز الفكر الأمريكية الصهيونية عقد مؤتمر كبير للسلام مع إدخال أطراف أخرى لدعم المخطط مثل الاتحاد الأوروبى والاتحاد الروسى وريث الاتحاد السوفيتى، وكانت هذه خطوة البداية فى التخطيط للتغيير فى الشرق الأوسط والمنطقة العربية ومصر.

    أضف تعليق

    وكلاء الخراب

    #
    مقال رئيس التحرير
    محــــــــمد أمين
    تسوق مع جوميا

    الاكثر قراءة

    إعلان آراك 2