إسماعيل منتصر يكتب: خواطر حرة جدا.. «الساعات الرهيبة» !

إسماعيل منتصر يكتب: خواطر حرة جدا.. «الساعات الرهيبة» !إسماعيل منتصر يكتب: خواطر حرة جدا.. «الساعات الرهيبة» !

* عاجل19-6-2019 | 21:42

فى مثل هذا الشهر قبل 75 عامًا كان العالم على وشك عبور مفترق طرق..

كانت الحرب العالمية الثانية على وشك الانتهاء وكانت قوات الحلفاء تستعد لغزو فرنسا وتحريرها وتحرير كل الدول الأوروبية التى تحتلها قوات النازى الألمانية.

كان نجاح الغزو يعنى بزوغ شمس الولايات المتحدة كقوة عظمى فى العالم.. وكان الفشل يعنى جلوس هتلر على عرش العالم وتحويل معظم شعوب العالم إلى عبيد يخدمون فى قصره.

كان مقررًا أن يبدأ الغزو يوم 5 يونيو من عام 1944 لكن الجنرال دوايت أيزنهاور القائد العام لقوات الحلفاء.. والذى أصبح فيما بعد رئيسا للولايات المتحدة.. أصدر أوامره بتأجيل الغزو 24 ساعة بسبب الظروف المناخية القاسية.. وهكذا وقع الغزو يوم 6 يونيو.

شارك فى الغزو 6900 سفينة حربية و12 ألف طائرة مقاتلة ومليون جندى أمريكى وبريطانى من قوات المظلات ومشاة البحرية.

كانت الخطة تتضمن إنزال قوات الحلفاء على شواطئ نورماندى الواقعة فى شمال فرنسا وبعدها تقوم قوات الحلفاء بالزحف إلى باقى دول أوروبا المحتلة والاتجاه بعد ذلك إلى برلين.

على الجانب الآخر كان القادة الألمان يعرفون أن الغزو واقع لا محالة.. وكانت خطتهم هى الاستعداد لصده وهزيمة قوات الحلفاء على الشواطئ الفرنسية.

كانت مشكلة القادة الألمان أنهم لا يعرفون على وجه الدقة موعد الغزو ومكانه.. وقد قادتهم حساباتهم التى تبين فيما بعد خطئها أن الغزو سيقع فى مدينة كالى الفرنسية ولذلك قام الألمان بزرع ملايين الألغام على شواطئ كالى وقاموا ببناء العوائق الأسمنتية لمنع جنود الحلفاء من اقتحام الشواطئ الفرنسية كما قاموا بنشر ثلاث فرق من أقوى الفرق الألمانية لصد هجوم الحلفاء على شواطئ كالى.

كان القائد الألمانى الأشهر روميل المعروف باسم ثعلب الصحراء يخشى أن تكون الحسابات خاطئة ولذلك قام بوضع خطة تعتمد على تحريك خمس فرق ألمانية إلى أى شاطئ يقوم فيه الحلفاء بعملية الإنزال وذلك فى غضون ثلاث ساعات فقط.. لكن هتلر أعطى أوامره بعدم تحريك الفرق الخمس إلا بأوامره الشخصية.. وكان قرار هتلر سببًا مباشرًا فى فشل القوات الألمانية فى صد هجوم الحلفاء.. حيث لم ينجح روميل فى الاتصال بهتلر ليطلب منه الإذن لتحريك الفرق الخمس عندما اكتشف الألمان أن الغزو وقع فى نورماندى وليس فى كالى كما كانت تقول حساباتهم..

المهم أن الحلفاء نجحوا فى إنزال قواتهم ومعداتهم العسكرية على شواطئ نورماندى لتبدأ بعد ذلك عملية تحرير فرنسا وباقى الدول الأوروبية المحتلة.

ولا أحد يعرف.. ماذا لو أن حسابات القادة الألمان كانت صحيحة وقام الحلفاء بالغزو من خلال شاطئ كالى وليس من خلال شاطئ نورماندى.. وماذا لو أن هتلر لم يركب رأسه ولم يحتفظ لنفسه بقرار تحريك الفرق الخمس.. ماذا كان سيحدث لو أن الغزو فشل ونجحت القوات الألمانية فى صد هجوم الحلفاء؟

لكن الحقيقة أن كل هذه التساؤلات بلا معنى ولا طائل منها فقد نجح الغزو وانتصر الحلفاء وانكسر الألمان وتشكلت خريطة العالم بناء على هذه النتائج.

ولأن التاريخ لا يكتبه إلا المنتصرون فلم يعرف العالم أبدا إلا وجهة نظر الحلفاء ومنطقهم وبطولاتهم.

والحقيقة أن الحلفاء كتبوا تاريخ انتصاراتهم من خلال السينما الأمريكية التى قدمت عشرات الأفلام السينمائية عن الحرب العالمية الثانية والتى جعلت العالم يتعاطف مع الجندى الأمريكى الإنسان الطيب الشجاع ويكره الجندى الألمانى المتوحش المتجرد من الإنسانية.. الجبان (!!!)

وهكذا شاهدنا أفلاما مثل نضال الأبطال.. وأطول يوم فى التاريخ وغيرها.. ومن بين هذه الأفلام فيلم شاهدته فى الستينيات لكن تفاصيله وأحداثه لا تزال عالقة فى ذهنى كأننى رأيته أمس.

الفيلم اسمه الساعات الرهيبة وهو ليس الفيلم العربى الذى يحمل نفس الاسم والذى لعب بطولته أحمد رمزى وشمس البارودى.. وإنما هو الفيلم الأمريكى الذى لعب بطولته الممثل العالمى الشهير روك هدسون.

أحداث الفيلم تدور قبل أسابيع قليلة من وقوع الغزو.. حيث قامت المخابرات الألمانية باختطاف أحد قادة الحلفاء المشاركين فى الغزو على أمل استجوابه ليعرفوا منه موعد ومكان الغزو.

كانت الخطة أن يقوم " الجستابو".. أى الشرطة السرية الألمانية المعروفة بقسوتها ووحشيتها بتعذيب الضابط المختطف وانتزاع الاعترافات منه بموعد ومكان الغزو.. لكن القادة الألمان خشوا من أن يكون الضابط المخطوف مدربا على تحمل العذاب أو أن يقوم باعترافات كاذبة ومضللة.

فى هذه الأثناء يقترح أحد العلماء الألمان فكرة عبقرية لانتزاع اعترافات صحيحة من الضابط المخطوف دون الحاجة لتعذيبه.

وتتلخص فكرة العالم الألمانى فى بناء مستشفى صغير يرتفع فوقه العَلَم الأمريكى وكل من فيه من أطباء وممرضات ومرضى من الألمان الذين يجيدون التحدث باللغة الإنجليزية.

كان الهدف هو إقناع الضابط المخطوف بأن الحرب انتهت وأن الحلفاء انتصروا وأنه على وشك أن يشفى من إصابة لحقت به وهو يحارب وسط جنوده ثم استدراجه بعد ذلك للحديث عن خطة الغزو فيبوح بأسرارها دون أى حاجة للضغط عليه.

ومن أجل تنفيذ هذه الفكرة العبقرية قام الأطباء الألمان بإجراء عدة عمليات جراحية صغيرة للضابط المخطوف بمجرد خطفه وتخديره.. فأجروا له عملية لإضعاف بصره وأخرى ليغزو الشيب شعره، بالإضافة إلى عدة جراحات تجميلية توحى بأنه أصيب خلال معركة الغزو.

كما تم إصدار عدة نسخ لجرائد أمريكية تحمل تاريخًا متقدًما عن التاريخ الحقيقى بست سنوات وبث إذاعة تتحدث عن أمريكا بعد الانتصار.. كل ذلك لخداع الضابط المخطوف والإيحاء له بأن الغزو تم قبل ست سنوات وأن ذاكرته توقفت عند يوم الغزو!

كادت فكرة العالم الألمانى العبقرى أن تنجح لولا أن الضابط المخطوف اكتشف جرحًا صغيرًا فى إصبعه.. تذكر أنه أصيب به وهو يلمس حافة الخريطة التى كان يشرح عليها لضباطه خطة الغزو.

سأل الضابط المخطوف نفسه كيف لم يندمل جرح صغير مر عليه ست سنوات.. وبدأت الشكوك تتسرب إلى نفسه.. فقام بعدة محاولات للإيقاع بالمرضى والممرضات والأطباء الألمان الذين كانوا يتعاملون معه على أنهم مواطنون أمريكيون.

وفى النهاية يكتشف الضابط المخطوف الخدعة فيقرر مواجهة العالم الألمانى الذى لعب دور كبير الأطباء بالمستشفى المزعوم.

فى هذه الأثناء يحضر رجال الجستابو لاصطحاب الضابط المخطوف واستجوابه بطريقتهم بعد أن نفد صبرهم فى انتظار نجاح فكرة العالم الألمانى..

لكن الضابط المخطوف ينجح فى الهرب بمساعدة العالم الألمانى الذى يعطيه أبحاثه لنشرها فى العالم الحُر (!!!)

هذه هى الرسالة التى أراد صُنّاع الفيلم إيصالها للمشاهدين.. أمريكا هى العالم الُحر.. أما أعداؤهم الألمان فهم الأغبياء المتوحشون الذين لا يقدّرون حتى علمائهم.

وأظننا نذكر أفلام الهنود الحُمر وكيف كنا نصفّق للأبطال من المهاجرين الأمريكيين وهم يحاربون الهنود الحمر المتوحشين وينتصرون عليهم.. مع أن الحقيقة هى أن الهنود الحمر كانوا يدافعون عن أراضيهم ضد هؤلاء المهاجرين الأفاقين الذين جاءوا لاستعمار القارة الأمريكية.

ولم أسرد كل هذه الحكايات من أجل التسلية وإنما لكى نعرف الدور الفعّال والمؤثر الذى تلعبه السينما فى توجيه المجتمعات بصورة عامة والشباب بصورة خاصة.. والتأثير عليهم فى مجمل قضاياهم المختلفة فى العقائد والأخلاق والسلوك والسياسة والاقتصاد.

أرجو أن نتذكر ذلك جيدًا.. أرجو أن نتذكر دور السينما وتأثيرها ونحن نحارب الإرهاب ونواجه التطرف!

أضف تعليق

وكلاء الخراب

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
إعلان آراك 2