د. ناجح إبراهيم يكتب: رحلة العمر ..  مع السفير الريدى

د. ناجح إبراهيم يكتب: رحلة العمر ..  مع السفير الريدىد. ناجح إبراهيم يكتب: رحلة العمر ..  مع السفير الريدى

*سلايد رئيسى25-8-2019 | 21:08

ولد في قرية وادعة علي ساحل المتوسط في الثلاثينات من القرن الماضى,وهى عزبة البرج,شهد تحولات القرية الكبرى,كما شهد تحولات مصر والعالم العربي الكبرى.

كانت قريته لا تعرف الكهرباء وتعتمد سفنها علي الشراع وتصل به إلي موانى تركيا والشام,ويأتى الفيضان في كل عام حاملاً الطمى إلي البحر في أغسطس ومعه السردين،وأسراب طيور السمان المهاجرة والبلح علي النخيل.

 كانت رأس البر التى تقابل قريته يتم تركيبها وتفكيكها كل عام,كل ذلك تغير,فلا الفيضان أتى بعد السد العالي,ودخلت الكهرباء البيوت وعملت السفن بالموتور وغزت الخرسانة المسلحة بيوت رأس البر,وكما بدأت حقبة جديدة في قريته البسيطة بدت كذلك في مصر كلها.

فى مقتبل شبابه رأي مصر تودع حكم أسرة محمد علي الذى استمر 150 عاماً وتدشن النظام الجمهورى عقب ثورة يوليه 1952.

 أثناء وجوده في القاهرة مع رحلة مدرسته"دمياط الثانوية"هزهم حادث اغتيال أحمد ماهر باشا رئيس الوزراء،كان هذا بداية الإعصار الذى هز مصر حتى وقعت ثورة يوليه,والذى تلاه مظاهرات الطلاب علي مفاوضات صدقي بيفن عام 46،ثم قرار تقسيم فلسطين عام 47 الذى كانت له تداعياته الخطيرة ، ثم اغتيال النقراشي باشا عام 48,ثم اغتيال مرشد الإخوان البنا،ثم اتفاقية الهدنة 49 ثم مجيء وزارة الوفد وبدء عمليات الفدائيين وإلغاء معاهدة 36 عام 50،ثم حريق القاهرة عام 52,ثم ثورة يوليه في نفس العام والتي كانت كل هذه الأحداث تمهد لها.

كان وقتها في منتصف دراسته بحقوق القاهرة،ساقته الأقدار إلي السلك الدبلوماسي المصرى ليصبح من أهم فرسانه,فقد صادف وقت تخرجه في الحقوق فتح الثورة لأبناء الشعب للعمل في المجال الدبلوماسي علي أساس الكفاءة وتكافؤ الفرص والنجاح في امتحان المسابقة.

عندما التحق بالخارجية عام 55 كان هذا العام تحديداً عام انطلاق الدبلوماسية المصرية في عهد ناصر،بعد حل قضية السودان عام 53 وجلاء بريطانيا عن مصر عام 54,وكان هذا العام هو الذى بزغ فيه نجم الزعيم الجديد ناصر من خلال مؤتمر باندونج,كواحة لمن يسعى للسلام بعيداً عن الأحلاف,وهو نفس العام الذى اختاره بن جوريون لمهاجمة الجيش المصرى في غزة متحدياً النظام المصرى الجديد وزعيمه الشاب,وهذا هو الذى دفع ناصر لشراء الأسلحة من المعسكر الاشتراكى وبداية سوء العلاقات مع أمريكا.

 التحق السفير الريدى بعد عدة أشهر من عمله إلي بعثة مصر لدى الأمم المتحدة ويوم تسلمه للعمل أعلن عن صفقة الأسلحة التشيكية لمصر.

 شهد معركة السويس"العدوان الثلاثي عامى 57,56"كانت أولى حروب مصر ناصر مع إسرائيل,كانت كل حرب تجر إلي الأخرى حتى جاءت حرب 73 فجعلها السادات آخر الحروب وأنهى مسلسلها اللانهائي باتفاقية كامب ديفيد .

 مثل انتصار مصر سياسياً في حرب السويس بداية النهاية للاستعمار وأعطى دفعة هائلة لشعوب العالم  الثالث وازدهار فكرة القومية.

 وقفت أمريكا إلي جوار مصر,وكان من المنتظر بعدها أن تترسخ العلاقات بينهما ولكن مصر أخطأت الطريق وانحازت إلي المعسكر الاشتراكى دون سبب ظاهر فخسرت الكثير بسبب ذلك.

 لم تمر عشر سنوات حتى وقعت كارثة 67 التى تعد بداية النهاية للعصر الناصرى,جاءت حرب أكتوبر لترد لمصر اعتبارها ويصبح السادات بعدها بطل مصر السبعينات.

 عمل الريدى كثيراً مع محمود رياض وهو وزير خارجية مصر,ثم الأمين لجامعة الدول العربية,ومع الزيات كذلك.

 العمل الدبلوماسي في حقبة السادات كانت مشحونة بالمشاعر الإنسانية المتقدة والمعقدة,تحدث عن أحلامه وجيله وكيف أخذهم ناصر تارة إلي الذرى وأحياناً أخرى إلي القاع.

 انتقل السفير الريدى إلي باكستان وكأن الأحداث تلاحقه حيثما حل فوقع الاجتياح السوفيتي لأفغانستان وتحولت باكستان إلي بؤرة نشاط سياسي وعسكرى وشهد الرجل كيف دربت أمريكا المجاهدين العرب لحرب الاتحاد السوفيتي وإجباره علي الرحيل من أفغانستان,وكيف تفكك الاتحاد السوفيتي ثم انقلب السحر علي الساحر فقام بعض هؤلاء المجاهدين بضرب أمريكا في عقر دارها في أحداث 11 سبتمبر وما تبعها من تحولات جسام  أدت إلي ضياع العرب ووحدتهم,وضياع نفوذ المثلث العربي الذهبى"مصر والسعودية وسوريا".

 يرى سفيرنا المتفرد في تاريخ الدبلوماسية أنه طوال تاريخ مصر الحديث كانت علاقة مصر بالقوة الأكبر في العالم هي أهم العوامل التى تؤثر عليها إيجاباً وسلباً,وأنه حسبما كان الحاكم في مصر يدير علاقاته مع القوى الكبرى عامة والأكبر خاصة كان نجاحه أو فشله في ضمان  الخير والاستقرار لمصر.

 وفي عصرنا الحديث أمريكا كانت وما زالت القوة الأكبر التى يجب علينا أن نتعامل معها,ويرى أيضاً"لم يكن هناك رئيس أمريكي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية إلا وأثر علي مصر بطريقة أو بأخرى سلباً أو إيجاباً.

 "ترومان أول رئيس اعترف بإسرائيل وساندها في حرب 48,وايزنهاور حاول أن يجد حلاً عادلاً لمشكلة فلسطين ووقف ضد العدوان الإسرائيلي,أما جونسون فكان ضالعا في التآمر علينا في حرب 67,ونيكسون وقف مع إسرائيل في حرب 73 ولكنه استجاب لدعوة السادات لإنهاء الحرب ووزير خارجية كيسنجر هو مهندس فترة ما بعد حرب 73 ، أما كارتر فهو شريك السادات في كامب ديفيد لإحلال السلام رغم ميله لإسرائيل.

 أما ريجان وبوش الأب فكانا الرئيسين الأمريكيين في فترة عمل سفيرنا الريدى حينما تبوأ أهم منصب في الخارجية سفير مصر في أمريكا,ريجان أحاطت به مجموعة من المغامرين في مجلس الأمن القومى ألحقوا به العار في فضيحة إيران كونترا.

 أما بوش الأب فهو علي نقيض ابنه تماماً,ودعا مبارك إلي البيت الأبيض قبل أي رئيس آخر,وكان يريد تحقيق السلام في الشرق الأوسط لولا الخطيئة الكبرى لصدام بغزوه للكويت رغم تحذير مبارك المتكرر له,مما أدى لصرف الأنظار عن الاحتلال الإسرائيلى إلي الاحتلال العراقى للكويت وبداية مرحلة التمزق المزمنة بين العرب والتى لم يخرجوا منها حتى اليوم.

سطر هذا الدبلوماسي المصرى العريق مذكراته حتى عام 2010 ولم يكتب شيئاً بعد هذا التاريخ حيث ترك العمل الدبلوماسي نهائياً ليتجه إلي العمل المدنى ويقود واحدة من أكبر المكتبات في الشرق الأوسط مكتبة مبارك العامة ثم مكتبات مصر العامة ويشيد مع مجموعة رائعة مجموعة من أرقي المكتبات في تاريخ مصر الحديث يقودها بطريقته العلمية وحكمته الإنسانية.

كانت هذه لمحات من بعض ما سطره في كتابه الشهير"رحلة العمر"حيث يعد من أطول السفراء المصريين في أمريكا"8 سنوات".

تحية للسفير عبد الرءوف الريدى الذى أكن له كل حب وتقدير علي المستوى الشخصى والإنسانى والمهنى كرجل شريف ونظيف ومتميز ومخلص من رجالات

أضف تعليق

إعلان آراك 2