لواء دكتور/ سمير فرج يكتب: تطوير الطرق... وتجارة اللحوم

لواء دكتور/ سمير فرج يكتب: تطوير الطرق... وتجارة اللحوملواء دكتور/ سمير فرج يكتب: تطوير الطرق... وتجارة اللحوم

* عاجل11-9-2019 | 21:21

عندما نراقب، هذه الأيام، الطفرات المتتالية، في تطوير شبكة الطرق والكباري، في مصر، يوماً تلو الآخر، لا يسعنا إلا الاحتفاء بما حققته من ربط بين مختلف المدن المصرية، وما حققته من سيولة مرورية، بما انعكس إيجاباً على توفير الوقت، واستهلاك الوقود، ولا يسعنا سوى التأكيد على قول الخبراء، والمتخصصين، بأن تلك الطرق هي شرايين التطور في أي دولة، رغم معارضة البعض لهذا التوصيف، واستهانتهم بضرورة، وجدوى امتداد شبكات الطرق والبنية التحتية!!

وأسمحوا لي أعزائي القُراء أن أسرد عليكم تجربة عايشتها، خلال عملي محافظاً للأقصر، عندما ارتفعت أسعار اللحوم، فجأة، وبصورة ملحوظة، لتفوق نسبة الزيادة 50%، في غضون أسابيع قليلة، مما دفع أهالي المحافظة للشكوى، من ذلك الغلاء، خلال لقائي الأسبوعي معهم، والذي كان يوافق يوم الاثنين. ولتقصي الحقيقة، والوقوف على أسباب تلك المشكلة، طلبت الاجتماع، في اليوم التالي، مع تجار اللحوم، والجزارين، في المدينة، وبالفعل حضر الجميع، وبطرح المشكلة، أجمعوا على أن تلك الزيادة، المطردة، لا دخل لهم فيها، موضحين أنهم لم يرفعوا هامش الربح، مرجعين السبب في زيادة الأسعار إلى المجزر الآلي، الذي يرفع أسعاره بصورة يومية.

بدأت تحري أسباب تلك الأزمة، فكانت المفاجأة أنه الطريق الصحراوي الجديد، والمعروف باسم "طريق الصعيد–البحر الأحمر"، والذي اختصر المسافة بين محافظات صعيد مصر، وميناء سفاجا على البحر الأحمر، لمسافة ٣٠٠ كم، والذي يعود الفضل فيه، إلى وزير الاستثمار الأسبق، الدكتور محمود محيي الدين، صاحب فكرة هذا المشروع، والذي تولى تنفيذه بواسطة شركات قطاع الأعمال، التابعة لوزارة الاستثمار، حينئذ، وخصماً من ميزانياتهم، دون تحميل الموازنة العامة للدولة، بأية أعباء إضافية، ليصبح هذا الطريق، من وجهة نظري، هرماً رابعاً في تاريخ مصر.

الحقيقة أن ذلك الطريق لم يكن السبب في غلاء أسعار اللحوم في الأقصر، وإنما ما وفره ذلك الطريق الرائع، من وقت وخدمات، سهل على المنتجعات السياحية في الغردقة، إرسال سياراتها النقل، فجر كل يوم، إلى مجزر الأقصر، لشراء حاجاتهم من العجول، بعدما كانت تلك المنتجعات تعتمد على القاهرة، والدلتا. فتوجهت في فجر اليوم التالي، لمجزر الأقصر، وشاهدت بنفسي توافد مزارعي الأقصر، ومعهم عجولهم، وتسابق السيارات النقل من محافظات البحر الأحمر، لتوفير أكبر قدر ممكن من العجول، لصالح منتجعاتهم، حتى كادت أن تحدث اشتباكات بالأيدي، علماً بأن المجزر كان صغير الحجم، وبالكاد يكفي مطالب محافظة الأقصر.

وعُدت إلى مكتبي، عازماً على تطوير المنطقة، والوصول لحل عاجل، ودائم، لتلك الأزمة، تعاونت فيه مع مدير المرور، لتوفير مناطق انتظار، وتنظيم حركة المرور لداخل وخارج المجزر. كما استعنت بوكيل وزارة الزراعة للشئون البيطرية، لعمل خطة توسعة للمجزر، وفي غضون أسبوع واحد، كان جهاز الخدمة الوطنية، للقوات المسلحة، يبني مجزراً آلياً جديداً، بطاقة أربعة أضعاف المجزر الحالي، على أن يتم الذبح داخل الأقصر، بدلاً من نقل العجول حية إلى الغردقة، لتصبح محافظة الأقصر هي الرابح الأكبر.

دفع ذلك التطوير مزارعي الأقصر إلى التحول لتربية العجول، وهو ما يحتاج لتمويل، فهاتفت وزير الزراعة، الهُمام، آنذاك، المهندس أمين أباظة، الذي أوضح لي وجود معونة، مقدمة من الاتحاد الأوروبي، يمكن للمحافظة الاستفادة منها. وفي غضون أسبوع كانت لجان من وزارة الزراعة موجودة بالمحافظة، لتقديم السُلف للمزارعين، من أهل الأقصر، لتنمية تربية العجول، كما قامت الوزارة بتأسيس مركزاً للعلف الحيواني بالمحافظة، فضلاً عن افتتاح مركزين للخدمة البيطرية، لتقديم الرعاية الطبية لهذه الصناعة الجديدة بالمحافظة. ولا أنسى تعاون جمعية الأورمان مع المحافظة، حيث توسعت في مشروعها بتوفير العجول للمرأة المُعيلة، التي فقدت عائلها الأساسي، وأصبحت تعيش على خير هذه العجول، وهو أمراً شائع في صعيد مصر.

وفي غضون عدة أشهر ازدهرت تجارة اللحوم بين المزارعين من أهل الأقصر، وكثرت ندوات وزارة الزراعة للتوعية بهذه الصناعة الجديدة الوافدة عليهم، بل وامتدت هذه الصناعة إلى خارج الأقصر، إذ ذهب المزارعين إلى القرى والمراكز المجاورة، في قنا وأرمنت، لشراء العجول الصغيرة، لتربيتها، تمهيداً لبيعها. وبعد عدة أشهر أصبح المجزر الآلي لمدينة الأقصر من أهم، وأكبر، المجازر الآلية في مصر، فأولاه وزير الزراعة الأسبق، أمين أباظة، اهتماماً كبيراً، وخصص زيارة شهرية له، لزيادة قدراته، وزيادة كمية الأعلاف، وحجم السُلف من منحة الاتحاد الأوروبي، وفقاً لتطور الصناعة بالمحافظة.

وبعدما كان أهالي الأقصر يشتكون من محدودية دخل السياحة على العاملين بها، ظهرت لهم حرفة جديدة، عمت بخيرها على معظم المزارعين، خاصةً أن الأقصر في الأصل منطقة زراعية، تعتمد، أساساً، على زراعة قصب السكر، وبعض المحاصيل الزراعية الأخرى. وخلال عملية تطوير هذه المجازر، علت بعض الأصوات المطالبة بفرض رسوم على العربات القادمة من الغردقة، وزيادة الرسوم على ذبح العجول التي سيتم ارسالها للغردقة، وغير ذلك من الرسوم، فرفضت كل تلك المطالب، بعد مناقشتها، مؤكداً على طالبيها أن تطبيقها من شأنه ذبح الاستثمار الجديد، وأن مكسبنا الحقيقي يتمثل في الصناعة الجديدة الوافدة للمحافظة، وتخصص المزارعين فيها.

وهكذا نجد أن طريق الصعيد-البحر الأحمر، الجديد، حينها، قد غَير منظور المنطقة بالكامل، وكان سبباً رئيسياً في ازدهار المحافظة، بتخصصها في صناعة جديدة. ولم يقتصر اعتماد محافظات البحر الأحمر، على الأقصر، في تجارة اللحوم، وإنما شجعها هذا الطريق على استيراد الخضراوات والفاكهة، من الأقصر، بدلاً من الاعتماد على القاهرة ومدن الدلتا. ومع هذه الحركة التجارية، ازدهرت مهن وخدمات تكميلية، مثل إصلاح السيارات، والكافيتريات، وغيرها. ولكن للأسف، جاءت أحداث ٢٥ يناير، فانخفض حجم السياحة إلى مصر، وبالتالي الغردقة، فضاعت معها صناعة اللحوم، وتوابعها، في الأقصر.

هدفت من ذلك السرد، التوضيح العملي، لأن خطة امتداد الطرق الجديدة في مصر، تعود بالنفع الشامل، على مختلف المجالات والصناعات والمهن، والتي قد لا نلمسها فوراً، ولكن تتساقط منافعها، تدريجياً، وفقاً لاحتياج كل مدينة، ممن يمتد إليها الطرق الجديدة، والتي يعد أهمها، حالياً، طريق بورسعيد-بورسودان، ومحور الجيزة- أسيوط إلى مدينة أزفين على خط 22، ثم الخرطوم، ومنها إلى مدينة كيب تاون، بجنوب أفريقيا، ثم الطريق العرضي من السلوم إلى رفح، والطريق الهام جداً المقرر مده من واحة جغبوب، في سيوة، إلى الزعفرانة.

Email: [email protected]

أضف تعليق