مصادر – دار المعارف
في شهر أبريل من العام الماضى 2018، احتفل التنظيم الدولي لجماعة الإخوان بالذكرى التسعين لتأسيس الجماعة، وقد وقع الاختيار على إقامة فعاليات الاحتفال فى تركيا، ولم يكن يعنى هذا إلا أنه تكريس لواقع تحوّل الجماعة الإرهابية إلى مجرد رديف لنظام الرئيس التركى الحالم بإحياء إمبراطورية آل عثمان مجددا المدعو رجب طيب إردوغان.
يقول موقع "عثمانلى" إن أردوغان استخدم الإخوان "مسمار جحا" لاختراق الدول العربية، وعندما فشل الإخوان في تنفيذ المهمة القذرة، هرولت فلول الجماعة صوب أنقرة، تطلب حماية خليفتهم "المنتظر".
وعلى الجانب الأخر فأن احتفاء إردوغان ونظامه بجماعة الإخوان، كان حلقة في سلسلة الوهم الذي يسوقه الخير للتيار الإسلامي داخل تركيا، بدعوى أنه يسعى لإحياء "الخلافة" مرة أخرى، حتى إن يوسف القرضاوي الذي انتخب نائباً لرئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في تركيا فى شهر نوفمبر من العام الماضي، وصف إردوغان في خطاب له 2016، بأنه سلطان المسلمين.
راهن على الإخوان وخسر
إردوغان، راهن على الإخوان وخسر، أراد أن يقدموا له مفاتيح السلطة في مصر أكبر دولة عربية، فرد الشعب المصري بثورة 30 يونيو 2013، التي أطاحت بنظام محمد مرسي وطوحت بكوادر التنظيم، الذين بعد أن انخرطوا في عمليات إرهابية وتحريض فج على الفوضى، هربوا فرادى وجماعات من مركب الجماعة الغارقة صوب تركيا المركز الأخير لجماعات الإرهابية.
وبحسب موقع "إيه إن إف" الكردي، فقبل إزاحة حكم الإخوان في مصر 2013، كان إردوغان مرتبطاً بالجماعة الإرهابية بالفعل، حيث أصبح القائد الفعلي لخطط إرهاب الجماعة ضد مصر والدول الرافضة لتواجد الإسلامويين في الساحة السياسية، فكان الدعم لا محدود خاصة للتنظيمات المسلحة التي نشرت الإرهاب العالم العربي لتروج في ذات الوقت للمصالح التركية.
الموقع الكردي، أشار أن تركيا تروج لعقيدة ومبادئ الإخوان في مخيمات اللاجئين السوريين لتستخدمهم كـ "مخلب قط"، لاحتلال الشمال السوري وقتل إخوتهم الأكراد، الأمر الذي أثار استياء زعيم المعارضة كمال كليتشدار أوغلو، الذي أعلن يوليو الماضي رفض تحالف إردوغان مع الإخوان، على حساب العلاقات مع مصر وسورية.
وواصل تقرير الموقع التركى المعارض، فاضحا سياسات الديكتاتور التركي مؤكدا أن أردوغان فتح أبواب بلاده أمام فلول الإخوان، واستضاف العشرات منهم، ليس لأنه يحب العمل الخيري أو يرى صدق موقفهم، بل لأنه لم ينته من استخدامهم في مخططاته بعد، يعمل على أن يصعدهم إلى الواجهة من أجل الإضرار بالأمن القومي المصري خصوصاً، والعربي عموماً، حولهم إلى منصات استهداف للدول العربية على أمل خلق أذرع هنا وهناك، تساعد في تحقيق مشروع "العثمانيين الجدد"، الحالم بإحياء الإمبراطورية المقبورة.
وفي إطار الاستخدام التركي للإخوان، لم يكن غريبًا أن يظهر بعض قيادات الجماعة الهاربين من أحكام قضائية في مصر، في أنقرة وإسطنبول، إذ تحولت الأخيرة تحديداً إلى مركز النشاط الرئيس لكوادر الجماعة في تركيا، منذ هروبهم الجماعي من القاهرة في عام 2013.
يوسف ندا
مفوض العلاقات الدولية للتنظيم الإرهابي يوسف ندا، يعد أحد أبرز قادة التنظيم الذين ارتموا في حضن تركيا، إذ قال في حوار لوكالة أنباء الأناضول الرسمية، بتاريخ مايو 2018 :"جماعة الإخوان مستعدة لتقديم التضحيات في المستقبل أيضًا، التضحية جزء من حياة أعضاء الجماعة"، في إشارة ربما عن نية الجماعة الاستمرار في تنفيذ أجندة إردوغان بالمنطقة العربية.
ندا، المقيم في قرية كامبيوني ديتاليا على الحدود بين إيطاليا وسويسرا، يعرف إعلامياً بأنه وزير خارجية الجماعة، تملق نظام أردوغان والدولة التركية بشكل واضح، بل إنه راح يدغدغ مشاعر العثمانيين الجدد، عندما قال في "كذب بين"، إن مصر كانت أكثر هدوءًا واستقرارًا في عهد الدولة العثمانية، على حد تعبيره.
ندا عبر عن وجهة نظر الإخوان، خونة الأوطان، في إردوغان ومشروعه التوسعي على حساب الدول العربية، إذ قال :"إن تركيا هي أمل جميع الأمة الإسلامية، لا يجب أن ينسى الشعب التركي أنه استمرارًا للإمبراطورية العثمانية، فإن أرادوا العودة لأيامهم الخوالي، عليهم ألا يتبعوا الأعداء"، تصريحات ندا، بدت وكأنها جزية مقررة، مقابل الحماية التركية لفلول الإخوان، إذ تحولت تركيا إلى ملجأ الإخوان الأول.
فتح الأبواب
الصحف ووسائل الإعلام التركية، بدأت في 2014، الحديث عن أن إردوغان أعطى قيادات الإخوان الضوء الأخضر للانتقال إلى تركيا، لتكون مركزًا لهم بعد طردهم من معظم الدول العربية، جريدة "حرييت"، أوضحت في خبرها المنشور بتاريخ 17 سبتمبر 2014، أن مسؤول العلاقات الخارجية لجماعة الإخوان عمرو دراج، وصل مدينة إسطنبول قادمًا من قطر، لهذا الغرض، ولم ينفى مسؤولو وزارة الخارجية التركية، ادعاءات الصحف، وإنما علقوا على فتح إردوغان أبواب إسطنبول لقيادات الجماعة الإرهابية، قائلين :"لا توجد لدينا مشكلة، خاصة أن هناك إعفاء تأشيرة الدخول بين تركيا ومصر، لكن من سيأتون إلى تركيا عليهم أن يشكلوا مكتب تواصل داخل إسطنبول لتقديم طلبات الإقامة إلى وزارة الداخلية مباشرة وليس مديريات الأمن أو مديريات شؤون الأجانب والهجرة".
ومن جانبها أيضا فأن الصحف التركية، تحدثت أيضًا عن أن إسطنبول تحولت إلى مركز قيادة جديد لجماعة الإخوان، بعد إصدار إردوغان الضوء الأخضر لهم بالمجيء إليها، مشيرة إلى أن صفوف التنظيم في إسطنبول انضم إليها كلٍ من وجدي غنيم وعمرو دراج وجمال عبد الستار وعصام تليمة وأشرف بدر الدين ومحمود حسين وحمزة زوبع.
الصحف، أضافت أن قرار انتقال القيادات لم يكن اختياريًا وإنما جاء بناءً على تعليمات صدرت لهم، استنادًا إلى طلب السلطات القطرية منهم مغادرة البلاد لرفع الحرج عنها.
وفي حديث له أذيع في 16 سبتمبر 2014، علق أردوغان على الأمر، قائلاً :" إذا وصلتنا طلبات عن رغبتهم في المجيء سنقوم بفحصها ودراستها، لو لم يكن هناك عائق، سنقدم لهم التسهيلات اللازمة، ونستضيفهم كما تتم استضافة أي ضيف".
وفي الحقيقة كانت التصريحات السابقة للاستهلاك الإعلامي، ليس أكثر فعلى أرض الواقع تحولت إسطنبول إلى أكبر مركز لجمع شتات الإخوان الهاربين من جرائم تتعلق بقتل المصريين العزل.
القيادات
من أبرز الأسماء الإخوانية في تركيا، الأمين العام للجماعة محمود حسين، والذي أجرى حوارًا مع جريدة "يني شفق" التابعة لعائلة إردوغان، في 19 يونيو 2017، مؤكدًا أنه لولا مقاومة الشعب التركي لما كان هناك أية دولة داعمة لنا في الشرق الأوسط، وأن بقاء إردوغان في السلطة يعني بقاءهم في أمان.
محمود حسين، زعم أن الدولة المصرية تتهمهم بالإرهاب لأنهم يدافعون عن بلدهم وقيمهم ومبادئهم، وأضاف :"إن مصر تدار من قبل قوى خارجية"، متناسياً أنه يتحدث من فوق منبر دولة أجنبية وينفذ أجندة تركية ضد مصالح بلده الأم مصر!.
في مارس 2016، نظمت جمعية نشر العلم، التي تأسست في 17 أكتوبر 1951، ولعبت دورًا مهمًا في دعم تيار الإسلام السياسي في تركيا وتلميع صورته، والتي تديرها عائلة إردوغان، مؤتمرًا بعنوان "حسن البنا والإخوان المسلمين"، بالتعاون مع مؤسسة الفكر والحضارة التابعة لجامعة "سعيرت" التركية.
كان من بين الحاضرين، مستشار رئيس الجمهورية التركية ياسين أقطاي ورئيس جامعة سعيرت البروفيسور مراد أرمان، ورئيس حزب الإصلاح المصري السلفي عطية عدلان، الذي قال في كلمته :"الإطاحة بمحمد مرسي لم تكن بسبب ضعفه، وإنما بسبب وجود لعبة دولية"، ويُعد عدلان من حلفاء الإخوان التقليديين والمقيمين في تركيا منذ سقوط نظام مرسي.
همام علي يوسف، مسؤول المكتب الإداري للإخوان في تركيا، كان أيضًا من بين المطبلين للدولة العثمانية، حيث قال في حوار مع موقع "islamianaliz" الإخباري التركي، :"لقد ظهر عثمان وأسس دولة نشرت الخير في كل أنحاء العالم، فقد جاء بعد أن فقد الأمل نتيجة سقوط بغداد على يد التتار، ومن لم يمت بالسيف، مات بالمرض، ومع الدولة العثمانية عادت أيام القوة والعزة للعالم الإسلامي، نحن نؤمن أن الفترة التي نمر بها الآن ستنتهي، وسنعود للعزة والكرامة مرة أخرى".
علااقتهم بحسن البنا
وكأنهم سرطان ينتشر في جسد الأمة .. من رحم العثمانية جاءت الإخوانية، ومن الاثنين معاً ظهر العثمانيون الجديد، محمد عاكف أرصوي، الرجل الذي يعتبر عثمانياً حتى النخاع، والملقب بشاعر الإسلام، فضلًا عن أنه كان أحد الذين فروا من تركيا الجمهورية، وكان صديقًا لحسن البنا مؤسس جماعة الإخوان.
الباحث والكاتب التركي عمر تشاليك دونماز، نشر مقالًا عن تاريخ جماعة الإخوان، بجريدة "ديك جازيتي" بتاريخ 18 يونيو الماضي، أوضح خلاله أن أرصوي، الملقب بشاعر الإسلام وشاعر النشيد الوطني التركي، كان له دور مهم في تأسيس جماعة الإخوان، وكان عميلًا سريًا للاستخبارات العثمانية قبل الحرب العالمية الأولى وبعدها، فضلًا عن أن والد حسن البنا كان عميلًا أيضًا للاستخبارات العثمانية وتلقى تدريبا في مدينة موغلا التركية، حسب ما توصل إليه في أبحاثه التي استمرت منذ عام 2006.
الداعية الإسلامي علي علوي كوروجو، أحد الشيوخ والدعاة الأتراك، كان أحد الأصدقاء المقربين من حسن البنا، وخصص 50 صفحة من مذكراته التي نشرت في أربعة مجلدات، لمدح البنا، زاعماً أن الأخير أسس جماعة الإخوان، من أجل إعادة إحياء الخلافة الإسلامية.
تقرير سري
صحيفة "أحوال" التركية، مطلع الشهر الحالي، أوضحت أنه تم تسريب تقرير سري لوقف الشؤون الدينية (ديانيت)، حيث تم تقييم التهديدات المحتملة للعديد من الجماعات الإسلاموية الناشطة في الحياة السياسية والاجتماعية التركية وعلى رأسها الإخوان، ففي حين ذكر التقرير أن الأفكار الإخوانية تغلغلت في تركيا بعد عودة الطلاب الأتراك من رحلاتهم التعليمية بدول الشرق الأوسط.
وأضاف التقرير أنه مع تطور تلك الأفكار، وبعد تمدد الجماعات الإسلاموية واتخاذها العديد من الأشكال واختراقها للطرق الصوفية التقليدية التي كانت موجودة، وعلى رأسها الطريقة النقشبندية التي تتفرع منها 15 مجموعة إسلاموية تسيطر على مجال الفكر والسياسة في تركيا الآن، ومنها مجموعات تؤيد "داعش" مباشرة مثل أتباع ألب أرسلان كويتول وخالض بوينجوك ومجموعات جهادية أخرى يتزعمها عبدالعزيز بايندر الذي يدير أتباعه مؤسسات صحافية وفكرية مثل جرائد حق سوز، واقتباس.
التقرير السري، حذر كذلك من اختراق الإخوان الذين استضافهم إردوغان لمؤسسات الدولة وعلى رأسها وزارتا الداخلية والتعليم، لتمثل خطراً على الدولة بالمدى الطويل، حيث صنف جماعة الإخوان وجماعة النداء، التابعة لها على رأس القائمة الهادفة لتدمير عقيدة الدولة التركية واختراق مجالها العام.
وصنّف التقرير أفكار حسن البنا ويوسف القرضاوي ضمن لوائح الجماعات، التي أدت لأدلجة المتدينين الأتراك وظهور مجموعات إسلاموية خارجة على القانون مثل حزب التحرير الإسلامي المحظور، الذي يرأسه محمود كور، ويدعو الحزب صراحة إلى إقامة خلافة في تركيا، حيث يتلقى دعماً من الخارج، حسب ما ذكره التقرير.
من عباءة جماعة الإخوان، خرج حزب الإرادة الحرة لمؤسسه الإخواني حسين ولي أوغلو المقتول بواسطة الشرطة عام 2000، حيث ينشط الحزب الذي يعتبر النسخة الإخوانية الكردية، في منطقة الصراع الدائر بين الحكومة وحزب العمال الكردستاني جنوب شرق الأناضول، ويجذب العديد من الأتباع والمتعصبين المسؤولين عن عمليات قتل خارج إطار القانون، حيث عاود الظهور ابتداءً من 2013 مرة أخرى، ويهدد بتصاعد أعمال العنف في تلك المنطقة.