كتب: عمرو فاروق
مع حلول الذكرى الـ65، لاستهداف الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، في أكتوبر1954 أثناء إلقاء خطابه في ميدان المنشية، بالإسكندرية، على يد عناصر من التنظيم السري المسلح لجماعة الإخوان.
كشف تقرير تداوله شباب الإخوان، من أن المرشد الثاني للجماعة حسن الهضيبي، هو من أمر مجموعات "التنظيم الخاص"، باغتيال جمال عبدالناصر، باعتباره رأس النظام، وضرورة الخلاص منه نهائيا، في ظل الانهيار الذي كانت تعانيه الجماعة حينها.
وأن الخطة التي تم إعددها من قبل المرشد حسن الهضيبي، ومجموعات العمل المسلح، تتلخص في تجهيز الإخوان وتعبئتهم وتدريبهم، لاغتيال الجهاز الحكومي كله، من رئيس الوزراء جمال عبدالناصر، إلى معاونيه، وضباط الجيش، على أن يكون اغتيال :"جمال عبدالناصر بأي شكل في منزله أو في مكتبه أو في الشارع".
وأنه بعد تدهور أوضاع الجماعة والقبض على عدد كبير من عناصرها، واغتيال قائد التنظيم الخاص الجديد سيد فايز، أصدر المرشد العام وقتها حس الهضيبي، أمره إلى مجموعات النظام الخاص، بالتحرك فعليا للتخلص من جمال عبد الناصر، وتجهيز حركة شعبية مسلحة.
وأن الإخوان جمعوا حينها كميات كبيرة من السلاح، تمهيدا لاستخدامها بعد نجاح الخطة، للسيطرة على الشارع، وأن يوسف طلعت"رئيس التنظيم الخاص"، أبلغ المجموعة المنفذة في بالخطة، وعرضها على المرشد العام حسن الهضيبي فصادق عليها، ما يؤكد موافقته على الاغتيالات، وتنظيم المظاهرات المسلحة، وأن يتولى محمد نجيب تأمين الثورة الجديدة، وإلقاء بيان للتهدئة.
وأن القيادي الإخواني فتحي البوز، عارض الفكرة نفسها، وحاول عرقلة قرار المرشد، لكن قرار الإيقاف لم يصل إلى المجموعة المنفذة، التي تولى قياداتها هنداوي دوير، المسوؤل عن التنفيذ، والتي كانت تتكون من محمود عبد اللطيف، ومحمد علي النصيري، وخليفة عطوة.
وكشف التقرير أن عضو مكتب الإرشاد عبدالعزيز كمال، حذر عبد الناصر من عملية الاغتيال التي دبرها عناصر "التنظيم السري"، بتعليمات من المرشد حسن الهضيبي.
وأعلمه بأن "التنظيم السري"، جهز المجموعة المنفذة، وسلم هنداوي دوير، وإبراهيم الطيب، الأسلحة عن طريق يوسف طلعت، وكان ومن بينها حزاما ناسفاً كان سيرتديه محمود عبد اللطيف، قبل احتضان عبد الناصر وزكريا محيي الدين وزير الداخلية.
كان الرئيس جمال عبد الناصر، تعرض يوم 26 أكتوبر عام 1954 لإطلاق نار أثناء خطابه الجماهيري بميدان المنشية بالإسكندرية في ذكرى ثورة يوليو، بعد توقيعه على معاهدة الجلاء، التي تقضي بجلاء الإنجليز عن مصر في غضون 20 شهراً من توقيعها.
وعارضت جماعة الإخوان توقيع عبد الناصر للاتفاق مع بريطانيا، وسعت إلى الانتقام منه، وشكلت خلية سرية لاغتياله، وكانت تضم خليفة عطية، ومحمد علي النصيري، الذي كان طالبا بالفرقة الثانية في كلية الحقوق، وأنور حافظ حاصل على بكالوريوس تجارة، وقائد الخلية كان يدعي هنداوي دوير من خلية إمبابة، ومحمد محمود عبد اللطيف، وكان يعمل "سمكرى".
وفي المحاولة الفاشلة، أطلق عبد اللطيف 8 طلقات نارية، تجاه عبد الناصر، إحداها مرت أسفل ذراعه، وأخرى اصطدمت بقلم حديد كان في جيبه وتغير مسارها إلى رأس أحمد بدر، أحد الموجودين على المنصة، وكانت حصيلة الحادث من الضحايا مقتل 7 أشخاص وإصابة آخرين.
وعقب حادث المنشية، تم القاء القبض على عدد من قيادات الإخوان، شملت منفذي العملية والمخططين لها، في مقدمتهم مرشد الإخوان، حسن الهضيبي، ومحمود عبد اللطيف "منفذ العملية"، وهنداوي دوير "المخطط الرئيسي"، ومحمد فرغلي، ويوسف طلعت "ئيس التنظيم الخاص "، وعبدالقادر عودة، وصالح أبو رقيق، وإبراهيم الطيب، وعبدالمنعم عبدالرؤوف، ومنير الدلة، وكمال خليفة، وسيد قطب، وعمر التلمساني، وصالح عشماوي.
وقد اعترفوا بالاتهامات الموجهة إليهم وبأسماء المتورطين في محاولة الاغتيال، كما اعترف عدد من الإخوان باشتراكهم في المحاولة إما فعلياً أو عن طريق إعطاء تعليمات ومعلومات، أو عن طريق تسهيل محاولة الاغتيال، فيما اتّهم آخرون بعدم التبليغ بالمحاولة مع علمهم بتفاصيلها وتاريخ تنفيذها.
أمام النيابة العامة، كشف كل من هنداوي دوير، ومحمود عبداللطيف، بأن منطقة إمبابة، كانت بمثابة مركز التنظيم السري والتخطيط لاغتيال جمال عبد الناصر.
وأنه كان يسكن بها كل من محمودعبداللطيف وهنداوي دوير، وسعد حجاج، وعلي نويتو وأحمد نجيب وغيرهم، وكان بها أيضا ورشة عبداللطيف ومحل نجيب ومكتب هنداوي.
وأفاد المتهمون إلى الخلايا الجديدة للتنظيم السري، تكونت في منطقة إمبابة قبل تنفيذ الحادث بخمسة أشهر.
وجاء في اعترافات هنداوي بأن إمبابة استضافت الضابط الإخواني عبدالمنعم عبدالرؤوف، صهر مرشد الإخوان الحالي محمد بديع، بعد هروبه من محاكمته العسكرية في مايو 1954، وأنهم استفادوا من خبرته العسكرية، وأدخلوا تعديلا جديدا على التنظيم السري.
وقد كشف عبدالمنعم عبدالرؤوف، في مذكراته "أرغمت فاروق على التنازل عن العرش"، التي نشرها بعد هروبه خارج مصر، أنه اختبأ فترة طويلة في إمبابة، التقى خلالها عناصر التنظيم السري، هنداوي ونويتو والطيب ويوسف طلعت ومحمد مهدي عاكف وغيرهم.
ويضيف، أنه التقى الهضيبي الذي أمر بتدريب عناصر النظام السري، وأنه كان على خلاف دائم مع رئيس النظام الخاص عبدالرحمن السندي، وتصاعد الخلاف في ديسمبر 1953 إلى حد أن الهضيبي أقال السندي، و3 من مساعديه منهم أحمد عادل كمال، وأنهم شكلوا تنظيم سري جديد، وكان مسؤولا عنه يوسف طلعت، وقد رشحه محمد فرغلي، الذي زار عبدالناصر في مكتبه بوزارة الداخلية أواخر 1953، وطلب عبدالناصر منه أن يحل الإخوان التشكيلات السرية في الجيش، والشرطة، والجهاز الخاص.
في حين كشف إبراهيم الطيب، في اعترافاته أما النيابة، أن عبدالمنعم عبدالرؤوف بعدما هرب تولى الإشراف على الجهاز السري في الإخوان، ونزل في إمبابة في بيت هنداوي دوير، الذي كان يخطط لعملية اغتيال جمال عبدالناصر في المنشية.
وهو ما سرده أيضا علي عبدالفتاح نويتو، في أحد حواراته حيث قال: كان عندي عبدالمنعم عبدالرؤوف وكان عبدالناصر راصدا خمسة آلاف جنيه لكل من يدل على مكانه، أما من يعرف ولا يدل على ذلك فإن رقبته سوف تقطع.
بينما كشف المرشد السابق للإخوان، محمد مهدي عاكف، أمام المحكمة، أنه صاحب إعادة تشكيل التنظيم السري، خلال المرحلة الناصرية، وليس يوسف طلعت، وأنه نظام سري تكون من 40 فردا، واعتمد على فكرة نظام الفصائل المدربة والمسلحة.
ويقول أحمد رائف، أحد قيادات التنظيم الخاص، في حوار صحفي، "إنّ أول من نبهني إلى أنّ حادث المنشية ليس مفبركاً هو حسن الهضيبي عندما التقيت به في السجن العام 1965، وحين تتبعت خيوط كل من له علاقة بهذه القصة، وصلت إلى أنّ الإخوان دبروا محاولة القتل، أمّا فكرة أنّها تمثيلية فهذا مما يستهوي الإخوان حتى تظهرهم بمظهر المجني عليهم والمغلوبين على أمرهم".
واعترف القيادي الإخواني، يوسف القرضاوي، في مذكراته "ابن القرية والكتاب" بمسؤولية الإخوان في محاولة اغتيال الرئيس عبد الناصر، عن طريق هنداوي دوير.
ويذكر المتهم السادس في محاولة اغتيال الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر المتهم خليفة عطوة، حيث قال في لقاء صحفي على قناة المحور بالنص: "كلهم (يقصد أعضاء مكتب الإرشاد) كانوا على علم بالتدبير لمحاولة الاغتيال، وأنا أسأل: لماذا ظل الهضيبي مختفياً في فيلا بـ "بلوكلي"بالاسكندرية، ثلاثة أيام تحت اسم "الدكتور حسن صبري".
وأوضح عطوة"بدأ الهضيبي تنفيذ مخطط للإطاحة بعبد الناصر، فبدأ يجري اتصالات مع السفارة الإنجليزية للتحريض ضد عبدالناصر، ويطالبهم بتأجيل توقيع اتفاقية الجلاء، لحين الإطاحة بناصر مع وعد باستمرار وجود الإنجليز في مصر في حال صعود الإخوان لمنصة الحكم، كما قام الهضيبي بعقد عدة جلسات مع اللواء محمد نجيب رئيس الجمهورية في ذلك الوقت لتحذيره من نجومية ناصر وطموحه السياسي، وأنّه يخطط للقضاء عليه، والاستيلاء على كرسي رئاسة مصر، وهو ما استجاب له نجيب وأعطاهم الضوء الأخضر للتخلص من ناصر".
ويضيف عطوة "وهنا صدر قرار مكتب الإرشاد بضرورة اغتيال عبدالناصر وتم تكليف مجموعة من الجناح السري العسكري بالذهاب إلى الإسكندرية في مساء يوم الأربعاء الساعة الثامنة إلا خمس دقائق، أثناء خطاب احتفالية توقيع اتفاقية الجلاء في 26 أكتوبر سنة 1954، وتخفى الهضيبي في الاسكندرية في فيلا بـ "بلوكلي" تحت اسم د. حسن صبري لحين تنفيذ العملية".
وفي بيان نشره على صفحته على مواقع التواصل الاجتماعي، كشهادة موثقة تصدر لأول مرة عن قيادي إخواني كشف عصام تليمة، مدير مكتب الشيخ يوسف القرضاوي السابق، أن مرشد الإخوان مأمون الهضيبي كان يعرف من أطلق النار على عبدالناصر في حادث المنشية وأنه حي يرزق، وأن تفاصيل أخرى يعرفها المرشد ولكن أغلقت أفواه الناس عنها بأمر صدر من المستشار مأمون الهضيبي.
وقال "تليمة"، إنه كان شاهداً علي منع مرشد الجماعة أشخاصاً كانت شهادتهم مهمة، وهو نفسه قال إنه يعرف من أطلق الرصاص على عبدالناصر ولكنه لم يفصح عن الاسم وألزم غيره بذلك.
وقضت محكمة الشعب، التي أنشئت بعد ثورة 23 يوليو1952، برئاسة جمال سالم وعضوية أنور السادات وحسين الشافعي، بإعدام 7 متهمين، وبالسجن المؤبد لـ 6 آخرين.
إذ تم إعدام عبد القادر عودة، والشيخ محمد فرغلي ويوسف طلعت وإبراهيم الطيب وهنداوي دوير ومحمود عبد اللطيف، في 7 ديسمبر1954.