الباحثة السياسية نهال أحمد السيد تكتب: حتى لا تتكرر مأساة «المجاهدين العرب الأفغان»

الباحثة السياسية نهال أحمد السيد تكتب: حتى لا تتكرر مأساة «المجاهدين العرب الأفغان»الباحثة السياسية نهال أحمد السيد تكتب: حتى لا تتكرر مأساة «المجاهدين العرب الأفغان»

الرأى11-5-2017 | 23:05

أثارت قضية عودة المجاهدين في صفوف التنظيمات الإرهابية إلى بلدانهم الأصلية جدلا واسعاً في الآونة الأخيرة, خاصة بعد تراجع نفوذ تنظيم الدولة في سوريا، والاحتمالية الكبيرة للقضاء على التنظيم في العراق على خلفية معركة الموصل, فقد كان لهذا الصراع الممتد بالمنطقة العربية على مدار السنوات الخمس أثر في جذب عشرات الآلاف من الشباب العربي للانخراط في هذا القتال، ما بين فئة مقتنعة بمشروعية القتال ضد الأنظمة العربية, وأخرى تتطلع إلى الجهاد الذي طالما حلمت به، على خلفية التفسير الخاطئ للمفاهيم والمعتقدات الدينية التي نتجت عن الخطاب المتطرف وتراجع دور المؤسسات الدينية المعتدلة.
في هذا الإطار نجد أن ردود الأفعال قد بلغت ذروتها في تونس باعتبارها أكثر الدول المصدرة للجهاديين, حيث أنضم نحو 5500 تونسي تتراوح أعمارهم ما بين 18-35 عاماً إلى صفوف الجهاديين فى كلا من سوريا وليبيا والعراق , وذلك بحسب تقرير نشر لفريق عمل تابع للأمم المتحدة فى 2015, فيما ترجع تلك المخاوف التونسية إلى عدم الرغبة في تكرار سيناريو عودة المجاهدين الأفغان إلى بلدانهم، كما حدث في تسعينيات القرن الماضي, وما ترتب على ذلك من أحداث دموية أدت إلى زعزعة الاستقرار فى عدد من البلدان العربية أبرزها مصر والجزائر, واستحضارا لما قام به المجاهدين العرب الأفغان بعد عودتهم إلى بلدانهم مرة أخرى, نجد حادثة اغتيال رئيس مجلس الشعب المصرى السابق "رفعت المحجوب" فى أكتوبر 1990 , كذلك التفجير الذى تعرضت له السفارة المصرية فى "إسلام آباد" فى نوفمبر 1995 , أما فى الجزائر نجد أن الوضع ازداد حدة , حيث لعب الأفغان العرب دوراً مهماً في ظل الأحداث التي شهدتها عقب تدخل الجيش فى نتائج الجولة الأولى من الانتخابات التى فازت فيها "الجبهة الإسلامية" عام 1992، فقد ترافقت هذه الأحداث مع عودة الجزائريين من أفغانستان الذين انتهجوا نمطاً عنيفاً في مواجهة بعض الأحداث السياسية ونسبت إليهم عدد من العمليات العسكرية التى ساهمت فى زعزعة استقرار الدولة .
وعند المقارنة بين كلا النموذجين "الأفغانى" ومجاهدى "داعش" والتنظيمات المسلحة الحالية نجد تشابهاً بينهما فيما يتعلق بالمناخ والظروف التى تم التعرض لها, فيما يبدو الاختلاف الوحيد بينهما , أن المجاهدين الحاليين أصبحوا أكثر خبرة وإلماماً بأنماط المهارات القتالية المتقدمة بل واستخدامهم لأسلحة متقاربة نسبيا مع ما تمتلكه الجيوش النظامية, ومن ثم فقد كان لهذه الأبعاد تداعيات مخيفة على المجتمع التونسى, خاصة بعد تصريحات الباجى قائد "السبسى" فيما يتعلق بـ "عدم امكانية منع أى تونسى من العودة الى بلاده "، وهو ما أثار ضجة واسعة داخل الأوساط التونسية, تجسدت فى المظاهرات المنددة لهذه التصريحات لما لها من تداعيات خطيرة, وهذا ما دفعه الى التراجع عن هذه تصريحاته السابقة مؤكدا " بأن قانون الإرهاب سيطبق بحق التونسيين العائدين من بؤر القتال وأنهم لن يستقبلوا بالزهور" .
ونجد أن الأوضاع فى تونس فيما يتعلق بعودة المجاهدين , نجد أن الأوضاع تكاد تكون أكثر تأزماً مقارنة بالأوضاع في باقي الدول , فقد تعالت الأصوات التى تنادى بإسقاط الجنسية التونسية عن هؤلاء المجاهدين, بحجة الخوف من الوصول إلى حالة "صوملة البلاد" بحسب تصريح أحد المسئولين التونسيين , ولكن يواجه هذا المقترح مأزقاً دستورياً , فالدستور التونسى ينص فى الفصل الـ 25 على حظر سحب الجنسية التونسية من أى مواطن أو تغريبه , أو تسليمه ,أو منعه من العودة الى الوطن , كما لم يرد على هذا النص أى استثناء يحول دون تطبيقه .
وبعد استعراض المشهد التونسي , لابد من ايجاد رؤية واضحة تعكس آليات يتم بمقتضاها مواجهة هذا الفكر المتطرف , والتى لابد وأن تتضمن التعامل مع جوهر القضية , ومحاربة الأسباب الأولية التى تدفع إلى تبنى الفكر المتطرف، وتصحيح التفسير الخاطىء والمنحرف للدين الذى يستهدف فئة الشباب بالأساس, كذلك لابد من التعامل مع شركاء دوليين لخلق خطاب معتدل يتميز بالقوة والفاعلية في مواجهة الخطاب المتشدد .
أما فيما يتعلق بالوضع التونسى , فمواجهته تتطلب التالي :
أولاـ المواجهة الفكرية، والتي ترتكز بالأساس على محاولة تصحيح المسار الفكري الخاطئ لهؤلاء الجهاديين, وإعادة تأهيلهم مرة أخرى للاندماج مع أطياف المجتمع, والتعامل بشكل أكثر خصوصية مع الأفراد الذين لم يتورطوا في أعمال إرهابية, ولن يتأتى ذلك إلا عن طريق التنسيق بين المؤسسات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني بجانب المؤسسات الدينية المعتدلة, وهذه الخطوة تكشف عن الدور الفعال الذى يمكن أن يلعبه الخطاب الدينى المعتدل فى اعادة تقويم سلوكيات هؤلاء الأفراد مرة أخرى
ثانيا ـ المواجهة الأمنية, والتي تتضمن سن عدد من القوانين والتشريعات التي تمكن السلطات الأمنية من متابعة ورصد تحركات العناصر الخطرة, وإسقاط الجنسية عنهم فى حال تورطهم فى أعمال إرهابية, كذلك العمل على تشديد اجراءات الرقابة على مواقع التواصل الاجتماعى, ولكن بما لا يتعارض مع حريات الأفراد, ويمكن الاستفادة من التجارب الغربية في مواجهة هذا المأزق, كالتجربة الدنماركية التى أعتمدت برنامجا يعرف بـ " سياسات استعادة واستيعاب العائدين من سوريا", والذى يعتمد بالأساس على التنسيق فيما بين الجهات الأمنية ومنظمات المجتمع المدني لتيسير خدمات مجتمعية ودراسية بهدف إعادة هيكلة سلوكهم وأفكارهم المتطرفة من أجل إعادة دمجهم فى المجتمع مرة أخرى .
ثالثا ـ التنسيق الدولى, فالتنسيق بين الدول فيما يتعلق بتسهيل امكانية الحصول على معلومات بشأن هؤلاء المتطرفين أو فيما يتعلق بالجرائم التى تم ارتكابها, يسهل على المؤسسات الأمنية رصد تحركات هؤلاء الاشخاص , والوصول الى الية يتم بمقتضاها الوقوف دون ممارستهم اعمال ارهابية من شأنها أن تؤدى الى زعزعة الاستقرر الداخلى .
ومن هذا العرض للأوضاع التونسية الحالية نصل الى حقيقة مفادها أن التحالفات الغربية بقيادة الولايات المتحدة التي تبنت مكافحة الإرهاب وتخليص العالم من شرور الجماعات المسلحة, قد فشلت تمام ولم تستطع أن تحقق ما وعدت به , بل انها ساهمت قاصدة أو دون ذلك فى تفتت المجتمعات التى أدعت تخليصها من ممارسات الإرهابيين, وساهمت فى تدميرها بل ووصل الأمر إلى حد القضاء شبه التام على مواطني بعض المناطق مثلما حدث في حلب.
لذلك كان لزاما على الدول العربية أن تقوم بصياغة استراتيجيات وطنية تهدف إلى مقاومة التطرف والإرهاب تستند إلى مبادئ الوقاية والحماية ثم التتبع القضائي , وذلك تأهباً لإمكانية مواجهة تحدى عودة المجاهدين , حتى لا تتكرر مأساة "المجاهدين العرب الأفغان" ثانيةً .
المصادر:
1ـ تقرير منشور على موقع فرنسا 24 www.france24.com
2ـ صافيناز أحمد محمد , مقالة بعنوان " آليات التعامل مع عودة المجاهدين من سوريا " على موقع الأهرام اليومى بتاريخ 28/12/2016
3ـ عديد نصار, مقالة بعنوان "حول عودة الإرهابيين إلى بلدانهم",العرب اللندنية, بتاريخ 4/1/2017
أضف تعليق

المنصات الرقمية و حرب تدمير الهوية

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
تسوق مع جوميا

الاكثر قراءة

إعلان آراك 2