لماذا يكـتبـون... و لماذا أكــتب أنا؟
لماذا يكـتبـون... و لماذا أكــتب أنا؟
الربيع الرحيمة إسماعيل*
وأنت تسأل؟ مالذي تعلمنا إياه الكتابة؟ أولاً وقبل أي شيء، إنها تذكرنا بأننا أحياء، وأن الحياة هدية وامتياز وليست حقاً. يجب علينا أن نستحق الحياة بمجرد أن نحصل عليها. الحياة تطلب أن نرد لها الجميل لأنها منحتنا الحركة.
-راي برادبيـري- الزن في فن الكتابة
يبدو أنه من أكثر الأسئلة شيوعا وعمقـاً، لماذا تكتب؟ والإجابة على هذا السؤال تختلف حسب نوعية الكتابة والكاتب نفسه، لكن تكاد تجتمع أغلب الإجابات على معنى واحد وهو "التعبير عن الذات".
فما من أمر يعبر عن ذواتنا أكثر من الإمساك بقلم وورقة ثم البدء في تفريغ ما يختلج بدواخلنا، فمنهم من يعبر نثرا و منهم من يعبر شعرا، وفي صدد التعبير الشعري كتب الشاعر "محمود درويش" في إجابته على سؤال لماذا تكتب قائلا : " أكتب ﻷني بلا وطن ولا هوية ولا حب ولا حرية " فوجد في الكتابة كل ذلك وأكثر، فالكتابة وطن ثانٍ وهوية أخرى .
وليس بعيدا عن الشعر والشعراء حيث ذهب شاعري المفضل بابلو نيرودا أنه كتب ﻷنه أراد أن يغير مصير الفقراء، فتعدى نيرودا التعبير عن ذاته للتعبير عن ذوات أخر وليس نيرودا وحده من تفرد بهذا الشأن، فالشعراء أرهف الناس حسا كما أخبرونا وأكثرهم تعبيرا عن الناس.
أما الكاتب الســعودي والأكاديمي "تركـي الحـمد" فقد عبر قائلاً : "نكتب لأن في الكتابة شيء من التنفيس عمّا يعتمل في النفس، فلا نستطيع إلا أن نكتب".
نكتب لأننا نشعر بحاجة إلى الكتابة كما يشعر الجائع بجوعه والظامئ بظمئه أو الوسْنان بوسنه، فهل سأل الجائع نفسه يومًا لماذا أنا جائع؟ أو الظمآن لماذا أنا ظامئ؟
وحين سـئل الروائي الأمريكي "أرســكين كالدويل" عن ماهو هدفك من كتابة روايات مثل: (طريق التبغ)، (الرحالة)، و(أرض المآسي). مالفائدة التي تقدمها هذه الكتب؟ أجــاب :
الهدف من كل هذه الكتب والكتابة عموماً هو أن أقدم مرآة يستطيع الناس أن ينظروا إليها. ومهما كان الخير أو الشر في كتبي فإن ذلك يعتمد على ردود فعل القارئ تجاه الصور التي يراها في المرآة.
وتعد رغبة الإنسـان في الخـلود و تركـ أثر وراءه ســبباً من أســباب الكتابة، وهذا ما عبر عنه الأديب التشيكي ياروسلاف سايفرت حين كتب: "أكتب... ربما تعبيرا عن الرغبة الكامنة في كل إنسان في أن يخلف وراءه أثرا" .
وختاماً عزيزي القارئ تذكر أن الكتابة "خيالية كانت أو غير خيالية" هي التعبير الخفي للكاتب عن نفسه و مجتمعه، سـواء كان مدفوعاً إليها برغبة ذاتية أو لظروف خـارجية.
ومهما تعددت الإجـابات على الســؤال فإنها ســتظل نســبية دون الوصــول إلى إجابةٍ شــافية في هذا الشـ، فإذا ســألتني أنا لماذا أكتب؟ ســتكون إجابتي بكل جـرأة ووقاحة: لأنني لا أعرف لماذا أكـتب ، أو لأنني أجــد في كلـمات " إدوارد الخـراط " نموزجـاً شــافياً للإجـابة، أعرف انني لا أملك إلا الكتابة سلاحاً للتغيير.. تغيير الذات وتغيير الآخر إلى أفضل ربما .. أو أجمل.. أو أدفأ في برد الوحشة والوحدة.. أو أروح في حر العنف والتعصب والإختناق.. لأنني أتمنى أن أقتحم ولو مقدارِ خطوة في ساحة الحقيقة التي لاحدود لها.
* كاتب المقال:
سودانى الجنسية – يدرس بكلية الهندسة قسم الاتصالات – بجامعة جواهر لال نهرو التكنولولجية – بالهند … مهتم بقضــايا الفكر والثقافة. ويسعى لإيقاد شعلة النهضـة فى أمته بسلاح القلم ونور المعـرفة كما يقول فى تعريفه لنفسه.