لا يوجد قانون يؤثر فى المجتمع ويتفاعل معه أكثر من قانون الأحوال الشخصية لما يتضمنه من قواعد تنظم الشكل القانونى لتكوين الأسرة والعلاقات بين أفرادها، وينعكس تأثيره على المجتمع بأكمله، فهو الذى يعالج أحوال الإنسان الشخصية كالزواج والطلاق والبنوة والنفقة والنسب والمسائل المتعلقة بالأهلية والولاية على المال والميراث والوصية، وكل ما يخص الأسرة من أحكام ومبادئ وعلاقتها بالمتغيرات التى تحدث فى المجتمع ومدى مواكبتها لهذه التغييرات، وأصبح تعديل القانون أو إصدار قانون جديد يمثل أهمية كبرى لاستقرار الأسرة المصرية من خلال الحفاظ على حقوق الزوج والزوجة والأبناء، بما يضمن استقرار المجتمع، بعد أن تعرضت الأسرة للتفكك وأصبح هناك 9 ملايين طفل يعانون عواقب طلاق الأبوين.
(1)
وانطلاقًا من مسئولية الأزهر الشريف فى مواجهة التحديات التى يتعرض لها المجتمع وتهدد سلامته، فقد أصدر فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر د. أحمد الطيب قرارًا فى أكتوبر 2017 بتشكيل لجنة لإعداد مقترح مشروع قانون لتعديل بعض أحكام القوانين المتعلقة بالأحوال الشخصية، لضمان توسيع نطاق الحفاظ على حقوق الأسرة المصرية.
وحرصت اللجنة على أن يتضمن مشروع القانون الجديد آلية محكمة لتنفيذ الأحكام القضائية الخاصة بالأسرة، واستهدفت وضع حلول نهائية لمشاكل الأسرة، والمعاناة الناجمة لدى البعض حيال القانون بوضعه الحالى، وإيجاد بدائل تشريعية تقضى على تلك المشاكل بشكل قانونى وشرعى، ويلبى احتياجات المجتمع من بناء أسرة قوية قادرة على تخريج نشء يستطيع مواجهة التحديات ولديه القدرة على العطاء، وقد انتهت اللجنة فى صياغة مواد القانون المقترح بشكله النهائى وتم تقديمه إلى هيئة كبار العلماء.
وقد عكفت هيئة كبار العلماء على مراجعة مشروع القانون مراجعة دقيقة لأكثر من عام واستعانت بذوى الاختصاص والمهتمين بقضايا المرأة والطفل والأسرة، كما استفادت من مشاريع القوانين والمقترحات التى استقبلها الأزهر من بعض أعضاء مجلس النواب والمجلس القومى للمرأة وجهات أخرى، وقد راجعها جميعها ونظر إليها بعين الاعتبار، وبناء عليه عمل الأزهر على صياغة مشروع متكامل لقانون الأحوال الشخصية.
وفى منتصف أكتوبر الماضى أعلن الأزهر الانتهاء من مشروع القانون على أن يتم إرساله للحكومة لتسليمه إلى البرلمان.
وكان د. على عبد العال رئيس مجلس النواب قد أعلن فى نهاية أكتوبر الماضى أن الحكومة أعلنت أنها سترسل للبرلمان مشروع قانون متكامل للأحوال الشخصية خلال 60 يومًا.
(2)
وكان المجلس القومى للمرأة وقد وضع مشروعًا لقانون الأحوال الشخصية للأسرة، وقام المجلس بإنشاء مرصد تشريعى لتلقى الاقتراحات، ووصل للمجلس بالفعل 140 اقتراحًا تم مراجعتهما، كما عقد أكثر من 70 لقاءً مع الجهات المعنية للاستماع لمقترحاتهم، ودرس عددًا من القوانين العربية للاستفادة من الخبرات الإيجابية.
وقد أكدت د. مايا مرسى أن قانون الأحوال الشخصية أهم قانون للمرأة المصرية، وأضافت أن المرأة لا تستحق أن تهان فى المحاكم خلف نفقة أولادها، وحرمانها من النفقة أحد أشكال العنف ضدها، مؤكدة أنه لو لم تأخذ المرأة حقها كاملاً فى عهد القيادة السياسية الحالية، الذى يدعم المرأة، فلن تأخذه أبدًا، فالعصر الحالى فرصة ذهبية لن تعوض لتحصل المرأة على حقوقها، وتسعى للحصول على مكتسبات أكبر، مؤكدة أن الوقت الحالى هو فرصة عمرنا.
(3)
ويتعرض مشروع قانون الأزهر الجديد لبعض الانتقادات التى يتعلق أغلبها بـ «سن حضانة الأطفال بعد انفصال الزوجين، وحق الرؤية، ونفقة الزوجة بعد الطلاق»، وهو ما دفع مجموعة من جمعيات المرأة للتقدم بطلب لوزارة الداخلية لتنظيم وقفة سلمية تضامنية للمطالبة بالحفاظ على حقوقهن فى التعديلات المرتقبة لقانون الأحوال الشخصية.. وأن مطالبهن المشروعة بعدم إغفال القانون الجديد حق المرأة فى طلب الخلع وإلزام الأزواج بسداد نفقة العدة، وتنظيم رؤية الأطفال للحفاظ على مكاسب المرأة وحقوق أطفالها،
وبالفعل تمت الموافقة وفقًا للإجراءات القانونية المتبعة فى هذا الشأن والمتبعة فى القانون رقم 107 لسنة 2013 بشأن التظاهرات السلمية، وظهر الأربعاء الماضى توافد عدد من السيدات من مختلف المحافظات على منطقة الزمالك وانتهت بمسيرة طافت شارع سراى الجزيرة انتهاء بالبوابة الرئيسية للنادى الأهلى، وتعالت هتافات السيدات «إحنا اللى نزلنا فى 30 يونيو»، «إحنا وراك يا سيسي»، «ساعدنا يا ريس»، «اقف جنبنا ماتهمشناش».
شاركت فى الوقفة قرابة 1000 امرأة من أجل الحفاظ على حقوق المرأة والطفل، صوت عظيمات مصر وصل للأزهر وللبرلمان وللحكومة وللقيادة السياسية.. وبعد أيام سيصل مشروع القانون للبرلمان.. وأمام نوابه أمانة ومسئولية لتشريع قانون أحوال شخصية يصون المجتمع ويضمن الحقوق لكل أفراد الأسرة المصرية.