خلخلة الشعوب وإسقاط الدول "2"

عقب نشر الحلقة الأولى من المقال العدد الماضى حول مشروع خلخلة الشعوب من الداخل، تلقيت اتصالاً من المستشار العسكرى للأمين العام لـ جامعة الدول العربية اللواء أركان حرب دكتور محمود خليفة، أوضح لى أن المنطقة فى المرحلة الحالية تشهد جميع أنواع الحروب بلا استثناء؛ منها الحروب التقليدية (الصراع المسلح) والحروب السياسية بما فيها من صراعات سياسية وتصعيد سياسى وقرارات سياسية وخداع سياسي.

كما تشهد المنطقة الحروب الاقتصادية التى تعمل على التجويع ومنع المساعدات ومنع الأدوية هو شكل من أشكال الحرب الاقتصادية فى نفس المنطقة التى تشهد حربًا تقليدية وهى المواجهات المسلحة.

كما يوجد بالمنطقة حرب الإبادة الجماعية، بالإضافة إلى حرب المعلومات التى تُفقد الشعوب التعاطف مع المقاومة الفلسطينية.

وتعد حرب المعلومات من أخطر الحروب فى ظل الحروب الهجين فى الفترة الحالية.

وكذا الحرب الإعلامية التى تعد أكثر شراسة والحروب النفسية، حتى الحروب بالوكالة أيضًا موجودة بالمنطقة.

جميع تلك الحروب تتوافق على هدف واحد وهو تحقيق مصالح الدولة التى تدير تلك الحروب.

وأضاف أن الحروب الهجين تنجح فى المجتمعات ذات الثقافة الضعيفة والتى تعتبر أن الحروب هى الصراع المسلح فقط، فتلك الشعوب للأسف لا تقتنع سوى بالمواجهات المسلحة، الأمر الذى يجعلها أكثر عُرضة لتلك الحروب الهجين وحروب الجيل الرابع والخامس.

كما تلقيت العديد من ردود الفعل التى طالبتنى باستكمال كشف تفاصيل أكثر حول خطورة مرحلة خلخلة الشعوب من الداخل فى منطقتنا وأيضًا حجم ما تواجهه الدولة المصرية من تلك الحرب وكيفية مواجهتها وهو ما سأتعرض له فى السطور التالية.

فقد تم تجهيز الدولة المصرية للحرب النفسية وعملية خلخلة الشعب من الداخل قبل عام 2011 بأكثر من 7 سنوات، وللأسف لم ينتبه النظام لتطورات المشهد، ففى عام 2004 تأسست حركة «كفاية» كإحدى حركات المطالبة بالتغيير وكانت أولى مظاهراتها فى 14 ديسمبر 2004 أمام دار القضاء العالى تطالب بعدم التمديد للرئيس مبارك، فى الوقت نفسه طالب المتظاهرون من أعضاء الحركة بالإفراج عن أقارب المتهمين فى تفجيرات فندق هيلتون طابا خلال شهر أكتوبر من نفس العام؛ وكان ما يُعرف بـ «كتائب التوحيد الإسلامية» قد أعلنت مسئوليتها عن التفجير.

لم يلتفت النظام للمشهد فى ظل حالة مجتمعية كانت على استعداد كامل لاستقبال مثل تلك التحركات.

وقد لا يكون أيضًا بعض المشاركين فى تلك التحركات مدركين أنهم أدوات فى تلك المعركة المستهدفة عملية خلخلة الشعب من الداخل.

بل إن تلك التحركات التى تهتف باسم الديمقراطية هى فى داخلها أكثر ديكتاتورية.

فقد جاءت تلك التحركات عقب إعلان الولايات المتحدة الأمريكية على لسان وزيرة الخارجية «كونداليزا رايس» فى حديث للواشنطن بوست قائلة، «إن الولايات المتحدة ستلجأ إلى نشر الفوضى الخلّاقة فى الشرق الأوسط، فى سبيل إشاعة الديمقراطية».

وتطور المشهد رويدًا رويدًا فى الوقت الذى كانت فيه المواقع الإلكترونية لتنظيم الإخوان تعمل بقوة على السلبيات التى تسقط فيها الحكومة لتقديم صورة سلبية للنظام وترسيخ تلك الصورة فى الأذهان.

كما تم التحرك باتجاه ترسيخ مفاهيم جديدة والتأكيد على إفقاد الشعب لثقته فى القيادة.

وعقب الانتخابات الرئاسية التعددية شارك فيها 10 مرشحين التى جرت فى سبتمبر 2005 وانتهت بفوز الرئيس مبارك بفترة ولاية خامسة، بدأ العمل والتجهيز لمرحلة أكثر عنفًا باتجاه مشروع التغيير للمنطقة بالكامل (الشرق الأوسط) وفى القلب منها مصر.

تم إنشاء أكاديمية التغيير فى لندن عام 2006 على ما عُرف بحرب اللاعنف.

بل إن بعض أعضاء الحركات التى كانت تنادى بالديمقراطية تم تدريبهم على استخدام الأسلحة وكيفية إصابة مؤسسات الدولة بالشلل وكيفية المواجهة من الأجهزة الأمنية.

كل ذلك كان ضمن برنامج واحد وهو العمل على جعل الشعوب تأكل نفسها بنفسها؛ لإحداث ما وصفته وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة بـ«الفوضى الخلاقة» من أجل خلق أنظمة جديدة فى المنطقة وحالة يتبعها عملية إعادة تقسيم لحدود الدول.

تطور المشهد سريعًا وساعدت الأنظمة فى ذلك الوقت بسبب عدم قدرتها على تقدير الموقف بدقة أو التعامل معه وفق آليات مواجهة تلك المعارك الأخطر فى تاريخ الحروب.

بل إن الولايات المتحدة وبريطانيا ومعاونيهما عملوا على إنجاح تلك الحرب، فى ظل فشل الحروب التقليدية وعدم قدرة الجيش الأمريكى رغم ما يمتلكه من قدرات قتالية عالية ذات تكنولوجيا متقدمة على حسم أى من معاركه خلال المواجهات المباشرة فى المنطقة.

كما لم يلتفت النظام فى مصر خلال عام 2008 وبالتحديد خلال شهر أبريل إلى تطورات المشهد، فى الوقت الذى كانت وحدات البحوث لدى أجهزة الاستخبارات الأمريكية والبريطانية تحلل التفاصيل معتبرة أن أحداث المحلة التى تأسست على آثارها حركة 6 أبريل كانت بمثابة بروفة لحالة الفوضى التى من الممكن أن تحدث فى مصر.

تصاعدت حِدّة خلخلة الشعب من الداخل، واتسع الحديث عن الفساد، وباتت الشائعات تتعامل معها وسائل الإعلام التابعة للتنظيم الإرهابى وبعض الصحف الحزبية والمستقلة على أنها حقائق وتروج لها.

تم استهداف مؤسسات محددة خلال تلك الحرب بدءًا من المؤسسة الأمنية التى كان استهدافها غاية لمخططى تلك المعارك، خاصة أنها المسئولة عن تحقيق الأمن الداخلى فى الدولة، والتى بغيابها يغيب الاستقرار وتنتشر الفوضى ويحدث أكبر زلزال مجتمعى يساعد بقوة على عملية تدمر الدولة بأيدى أبنائها.

كما استهدفت رأس النظام والمحيطين به وكذا العديد من أعضاء الحكومة خاصة فى حقائب وزارية كانت قد تم كشف قضايا فساد بها، من أجل إحداث هزّة فى جدار الثقة، وما هى سوى عامان تسارعت خلالها التحركات باتجاه الفوضى الكبرى.

تم استغلال نتائج الانتخابات البرلمانية المصرية فى ديسمبر 2010، لخلق حالة من عدم الرضا المجتمعى عنها، وأصبح الحديث عن فساد الانتخابات هو السائد بعد أن حصل الحزب الوطنى على 420 مقعدًا وحصل المستقلون الذين ينتمون للحزب الوطنى فى ذلك الوقت على 66 مقعدًا ولم تحصل المعارضة سوى على 14 مقعدًا.

فبعد 10 أيام من إعلان نتائج الانتخابات البرلمانية المصرية، تم الدفع بأحداث محيطة بشكل غير مباشر لإشعال أحداث 2011 وتم إطلاق مسميات عليها واستغلال الأوضاع الداخلية للدول، والتى كانت عاملاً مساعدًا، فأحداث تونس وما أطلق عليها حينها «ثورة الياسمين» والتى بدأت فى 18 ديسمبر2010 بحادثة الشاب «محمد البوعزيزي» الذى أضرم النار فى جسده، تعبيرًا عن غضبه على بطالته ومصادرة العربة التى يبيع عليها من قِبل الشرطة.

لتعم التظاهرات العاصمة التونسية فى اليوم التالى لحادثة «البوعزيزي» وينتشر الحراك وتتعالى الصيحات المطالبة بـ «العيش، الحرية والعدالة الاجتماعية» ثم تتطور حتى تصل إلى المطالبة بإسقاط النظام.

بعدها يتم التحرك على تأجيج الصراعات الداخلية بين القوى المختلفة التى ظهرت فى المشهد لتحدث حالة الخلاف وترتفع حدتها إلى الانقسام الشديد.. وحال غياب مؤسسات الدولة الصلبة تنهار الدولة من الداخل متجهة ناحية المجهول، ويتحول الحلم إلى كابوس لا تستطيع الدول الفِكاك منه.

بدأ الأمر بتونس ثم سرعان ما انتقل إلى مصر، فلم يكن رأس النظام فى ذلك الوقت منتبهًا لخطورة المشهد الذى يدور فى المنطقة، كما تأخر فى التحرك باتجاه مواجهة تلك الحرب، فى الوقت الذى كانت فيه الأوضاع الداخلية متهيئة لاستقبال توجيهات التحرك نحو الفوضى وبنفس السيناريو المخطط له.

فعملية خلخلة الشعوب من الداخل لم تكن تستهدف التغيير السلمى أو صناعة الديمقراطية المزعومة كما كانوا يرددون فى ذلك الوقت.

الأمر الذى جعل مخططى تلك العمليات يعتمدون على عناصر ذات رؤى مختلفة يصعب عليهم الاتفاق فى مرحلة محددة، كما أنهم اعتمدوا على جماعات لديها تاريخ من المظلومية المكذوبة تستطيع من خلاله خلق حالة من التعاطف معه والانضمام إليه.

كما تم استخدام سلاح الشائعات فى الحيلولة دون قدرة الدولة الوطنية على الصمود فى مواجهة التحركات الشعبية التى لم تحدد وِجهتها بدقة.

تشابهت تلك الأحداث فى مسبباتها أو ما عُرف بالشرارة الأولى لها.

لم يتوقف أحد ليراجع الأحداث وتفاصيلها، فيدرك أن هناك قوى شر خفية تدير تلك التحركات لتهدم الدول الوطنية وتعيد تشكيل المنطقة من جديد؛ وهى بعيدة تمامًا عن المشهد سوى بعناصر إما من أبناء الشعب أو عناصر تم الدفع بها لمتابعة تطورات الموقف والانغماس داخل صفوف المواطنين، وبصفات مختلفة كان على رأسها الصفة الإعلامية أو السياحية.

فالذين التهبت حناجرهم وهم يهتفون بشعارات الثورة لم يكونوا صنّاع تلك الشعارات، كما أنهم لم يكونوا مع المخططين لها، ليصلوا بها إلى المطالبة بإسقاط النظام.. لأنهم لم يحددوا وماذا بعد إسقاط النظام؟!

وعَبرت الدولة المصرية تلك المرحلة الصعبة بعد أن استطاع المجلس العسكرى عقب توليه إدارة شئون البلاد الحفاظ على مؤسسات الدولة الوطنية، وعودة الأمن والاستقرار والعمل على استكمال المسار السياسى للدولة للخروج من النفق المظلم الذى حاولت قوى الشر أن تدفع بالدولة المصرية تجاهه.

عندما أدرك مخططو الحرب النفسية الموجهة إلى مصر أن تنفيذ النموذج فى مصر لن يكلل بالنجاح فى ظل وجود مؤسسة صلبة وموحدة (المؤسسة العسكرية) تتمتع بثقة المصريين، حاولوا من خلال أدواتهم النيل من تلك المؤسسة بنشر الشائعات تارة أو بالتشكيك فى قدرتها على إدارة شئون البلاد تارة أخرى أو بالفصل بين قادتها وأفرادها.

لكن فطنة الشعب المصرى ووعيه كان أكثر قدرة على المواجهة.

ورغم أن الشعب المصرى ساند رؤية القوات المسلحة فى الحفاظ على الدولة والمسار الذى حدد لذلك، إلا أنه سلك مسارًا سلبيًا عندما اتجه ناحية التنظيم الإرهابى تحت تأثير المظلومية المكذوبة للتنظيم من جانب، أو استجابة لدعوات التغيير والبحث عن فصيل مُغاير للنظام كتجربة جديدة لم تدرس عواقبها.

لكن بعد عامين ونصف العام استعاد الشعب المسار الصحيح للدولة عندها بدأت أكبر موجة من موجات حروب الشائعات التى بلغت فى شهر واحد أكثر من 20 ألف شائعة، أى بمتوسط 666 شائعة يوميًا بمعدل 27 شائعة فى الساعة، بهدف تضليل الشعب وإحداث حالة من عدم الثقة وخلق صورة ذهنية محددة تجاه الدولة والنظام.

كما تمت محاولة إشعال الفتنة باستهداف التنظيمات الإرهابية للكنائس، لكن وعى المصريين كان أكثر قوة وكانت مقولة البابا تواضروس الثاني، الشهيرة «وطن بلا كنائس أفضل من كنائس بلا وطن» ليُخمد نار الفتنة والتى استخدمت فى العديد من البلدان.

لكن هل انتهت عملية خلخلة الشعوب باستقرار الدولة المصرية؟! أم أنها لا تزال تواجه تلك الحرب منذ 2014 وحتى الآن؟! وما طرق المواجهة ومخاطر عدم الانتباه لما يجري؟! نستكمل تلك التفاصيل فى العدد القادم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
السيناريوهات الثلاثة لحادثة طائرة الرئيس الإيراني
تلقيت من اللواء طيار ممدوح حشمت، رئيس قطاع الطيران المدنى سابقًا، اتصالاً فنَّد فيه سيناريوهات محتملة لحادثة الطائرة الهليكوبتر الخاصة بـ الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، قائلاً:

السيناريو الأول:
إذا كان سوء الأحوال الجوية السبب فكيف وصلت الطائرتان المرافقتين وطائرة الرئيس لم تصل.. المفروض أن طاقم طائرة الرئيس هذا أكفأ طاقم فيهم يعنى هذا أكفأ الطيارين.

لكن ماذا حدث للطيار حتى لا يقوم بالاتصال؟! لو كان لديه عطل فنى فى المروحة الرئيسية أو مروحة الذيل كان سيبلغ.. لو عنده حاجة فى الهيدروليكى كان سيبلغ أيضًا لكن هذا انقطع معه الاتصال.

إذًا هذا السيناريو وإن كان محتملاً لكن انقطاع الاتصال يجعله غير مبرر.

أما السيناريو الثاني:
هل الطائرة انفجرت فى الجو؟! احتمال وارد.. لكن لو حدث ذلك كانت الطائرة ستسقط وتخبط فى الأرض وكان سيحدث حريق جامد وسيرتفع دخان الوقود من مكان بعيد حتى لو كانت سقطت فى منطقة غابات أو فى منطقة جبلية.

أما السيناريو الثالث:
إنه من الممكن أن يكون خبط فى جبل أو فى تبَّة أو سلك أى تنشن أو برج من أبراج الاتصالات هى دى الحاجة الوحيدة اللى تخليه يقع فجأة وميتكلمش وينزل على الأرض على طول وهذا تقريبًا أكبر الاحتمالات.

أضف تعليق

المنصات الرقمية و حرب تدمير الهوية

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
تسوق مع جوميا

الاكثر قراءة

إعلان آراك 2