حورية عبيدة تكتب: جِوال الفِئران ووعْيُنا المَغدور

حورية عبيدة تكتب: جِوال الفِئران ووعْيُنا المَغدور حورية عبيدة تكتب: جِوال الفِئران ووعْيُنا المَغدور

الرأى10-6-2017 | 18:03

[caption id="attachment_45308" align="aligncenter" width="246"]حورية عبيد حورية عبيدة[/caption]

ركِبَ أحدهم قِطاراً، جاورَ في جِلسته فلاحاً مُسنّاً يضعُ بين قدميه جِوالاً، وما فَتيء يُقلّبه ويخلطُ محتواه بين الفَينة والأخرى، ثم يعيدُ تثبيته بين قدميه، واستمرَّ على ذاك المِنوال طِيلة مُدة السفر، تعجَّبَ الرَّجلُ وسأل الفلاح، فأجابه: ”بالجوال مجموعة مِن الجُرذان والفئران تم اصطيادها لمراكز البحوث كي تُستخدم في التجارب المخبرية، وأقوم بهَزّ الجِوال لأجل ألّا تشعر بالراحة والاستقرار، وإلا ستتوقفُ عن التوتر الغريزي ومِن ثَمَّ تبدأُ في التفكير المُنظّم وتتكاتفُ لقضْمِ الكيس وثَقبه؛ كي تَفر ناشِدةً الحرية والخلاص، أما تحريكها وخلطها مِن آن لآخر فيجعلها مهمومة بالعِراك مع بعضها البعض، فتنسى أمْر الجِوال ريثما أصِلُ بها لمركز البحوث”.

بعد أيامٍ تحلُّ الذكرى الرابعة لرحيل “هيلين توماس” عميدة صحفيّ ومُراسلي البيت الأبيض الأمريكي، أنفقتْ مَسيرةٍ اقتربتْ من السبعين عاماً داخل مطبخ القرار الأمريكي، عاصرتْ فيه عَشرة رؤساء، رافقتْ نيكسون في رحلته للصين عام 1971، ورفضتْ مُصاحبة جورج بوش الابن في حربه أو بمعنى أدق احتلاله للعراق؛ مُعلنةً معارضتها لعبارته الشهيرة أنه يحارب مِن أجل الله والصَّليب، وقالتْ: ”بل مِن أجل الشيطان”.

قبْل رَحيلها بقليل؛ كتبتْ مقالةً خطيرةً لكبريات الصُّحف الأمريكية وتم رفْضها - في حادثةٍ هي الأُولى من نوعها بالنسبة لها - فصرَختْ مُحاضِرةً بنادي الصّحافة قائلة: “إنَّ اليهود يسيطرون على إعلامنا وصحافتنا وعلى البيت الأبيض، وأنا لنْ أُغَير ما حييت قناعاتي؛ فالإسرائيليون يحتلون فلسطين، وهذه ليست بلادهم، قولوا لهم ارجعوا لبلادكم بألمانيا أو بولندا واتركوا فلسطين لأهلها”.. وكتبتْ مُعقِّبةً: “إنني أرى بوادر حربٍ عالميةٍ ثالثة، طُبختْ في تل أبيب ووكالة الاستخبارات الأمريكية، والشواهد عِدة؛ أولها التنظيمات الإرهابية بدعم أمريكي كامِل، لا تصدقوا أنَّ أمريكا تحاربُ الإرهاب، إنها دُمية في يد "السي آى إيه".

وصرًّحتْ: “ أرى بريطانيا تستحضر روح البريطاني مارك سايكس، وفرنسا تستحضر روح بيكو، وواشنطن تُمهد الأرض بتقسيم الدول العربية بين الثلاث، وروسيا ستحصلُ على مايتبقَّى منهم”، على الفَور طالب نتنياهو بمحاكمتها بتهمة مُعاداة السادمية، لكنَّها رَحلتْ بعد أنْ سجَّلَ لها المخرج العالمي مايكل مور أقوالها في فيلمٍ تسجيلي، وهو نفْس المخرج الذي فضحَ بوش الابن وعصابته - ديك تشيني وكونداليزا رايس - في فيلمه فهرنهايت 9/11.

السؤال أية تنظيم إرهابي – سَواء أكان يُدعى داعش أو القاعدة أوغيرهما مِن أسماءٍ قميئةٍ كرهناها ورُوّج لها إعلامياً وعالمياً بإمكاناتٍ هائلة- قادرة على إشعال المنطقة في العراق وسوريا وليبيا وبيروت وسيناء وباريس وتركيا وإيران مؤخراً؛ وكل هذا العنف الدموي الذي نراه؟ والتقسيمات الدينية والطائفية والعرقية التي ابْتُلينا بها؟! استمعوا لجيمس وولسي رئيس الاستخبارات الأمريكية السابق وهو يُعلنُ: “المِنطقة العربية لن تعود كما كانت، وسوف تزولُ دول وتتغيرُ حدود دولٍ موجودة”، عَطفاً عليه؛ قال المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية علَناً: المِنطقة العربية على صفيح ساخن، وننسِّقُ مع أجهزة استخبارات الدول الكبرى، وسنتدخّلُ معهم لمحاربة الإرهاب حتى لو اندلعت الحروب، المهم حماية دولتنا”.

شَرٌ أُريدَ بأوطاننا لتتلو آيات النِّهايات، فمتى وكيف نمتلكُ القدرة على استعادة وعْينا المَغدور؟ هل لدينا عقول باستطاعتها فتح ثقوبٍ في جدار الوعي العربي لاستعادة صحوة اشتد عودها مع ثورات التحرر الوطني في خمسينيات وستينيات القرن الماضي ما لبِثتْ أن انتكستْ قبل أنْ تَستوي على سُوقِها؟ أم نظل مع الجُرذان والفئران في جِوال واحدٍ؛ تقتلنا الصراعات الطائفية والعرقية والدينية والجغرافية وغيرها، نتخبطُ ونتعاركُ كلما هزَّتنا يَدُ القابِض علينا مثلما قَبِضتْ على فلسطين كما همسَ نتنياهو ضاحكاً في أُذُن ترامب؟ وقد نزيدُ عليه ونرددُ مع محمود درويش الشاعِر الفلسطيني: ليتني حَجَر..

" لا أحِنُّ إلى أي شىء.. فلا أمْس يمضي ولا الغدُ يأتي.. ولا حاضري يتقدمُ أو يتراجَع.. لاشىء يحدثُ لي”..

لكنه لوعاش الآن لعَلِم ماالذي يحدث لنا مِن إخفاقاتٍ تلو إخفاقات.

[gallery type="slideshow" columns="1" size="full" ids="45359,45358,45357,45356,45355,45354"]
أضف تعليق

إعلان آراك 2