د. طارق رضوان* يكتب لـ «دار المعارف»: إله يستحق العبادة

د. طارق رضوان* يكتب لـ «دار المعارف»: إله يستحق العبادةد. طارق رضوان* يكتب لـ «دار المعارف»: إله يستحق العبادة

* عاجل11-9-2020 | 01:20

أربع حضارات متفرقة تتعاقب واحدة تلو الأخرى، يشيد ويمدح الله فيها بهذا الإعجاز العلمي الحضاري والمعرفي الإنساني بكل أريحية فجل في علاه سبحانه وصف هذه الحضارات فقال عن عاد (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (8)} ثم في ثمود ( وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ) واستكمل ( وَفِرْعَوْنَ ذِي الأوْتَادِ الذين طغوا في البلاد) ثم قال عن سبإ ( لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ). ولكم أن تصوروا عظمة الله فهو يصف بهذه الكلمات في كتابه ما فعلوه دون أن يبخس حقهم. فالله ليس ضد أي تقدم إنساني في المعمار أو في التطور العلمي والتكنولوجي، ولكن يجب أن يكون ذلك طبقا لرغبته وفق قاعدة إيمانية، أخلاقية، لدرجة أنه أشاد بوصفة دون تقليل أو امتهان أو سخرية لهذا الفعل البشري وما قام به قوم عاد، وثمود، وفرعون، وسبأ. ولكن كيف كانت النهاية.....فصب عليهم ربك سوط عذاب وذلك في الثلاث الحالات الأولى.. فالله ليس ضد أي تقدم إنساني في المعمار أو التكنولوجيا ولكن يجب أن يكون ذلك كما ذكرنا سابقًا على قاعدة إيمانية - أخلاقية، الإشكالية هنا أنهم كفروا بأنعم الله، أنهم اسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً.. وعلى ذلك فكانت النهاية "فصب عليهم ربك سوط عذاب" .ولنتذكر من ناحية أخرى مدح الله لبلدة طيبة ورب غفور ومساكنهم التي كانت آية وجنتان عن يمين وشمال، وكل ذلك يعد مدح وتعظيم إلهي واضح دون تشكيك في قدرة الإنسان وفي الفعل الإنساني على الأرض، فللمرة الثانية لم يبخس الله حق البشرية وقدرة الإنسان على البناء.. فلم يستهن بذلك ولم يسخر، بل شعر بالفخر له.. فأي إله هذا ؟!!! إنه إله حقًا يستحق العبادة. إذن الفرق عند الله من بلدان وحضارات الأرض منذ القدم وحتى الآن، هو ذلك الوصف: "بلدة طيبة"، كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا له. نفس الشيء يقاس على الإنسان، وعلى أية حال فإن المتلقي الأول هنا لهذه الآيات الربانية الكريمة فيما يتعلق بتلك الحضارات العارفة والعليمة بأدوات المعرفة والفانية بانتقام إلهي لحظي هو رسول الإنسانية محمد صلى الله عليه وسلم.. وأحاول أن أستشعر هنا كيف قارن صلى الله عليه وسلم بين حياته في مكة والمدينة بصورتها البدائية الصحراوية البسيطة التي لم نسمع فيها عن أي تقدم معرفي أصاب هذه المنطقة وتلك الأقوام التي ذكرناها آنفا برقي حضارتهم في العلوم والمعرفة وتطاولهم في البنيان.. فالفارق في واقع الأمر كبير والفجوة الحضارية والعلمية أكثر هوة واتساعا، فالرسول الكريم لاحظ ذلك والله سبحانه وتعالى أراد اختباره وهو يعلم إلى أين سيكون خياره في التعامل مع أهل مكة وقريش، فيجب أن ندرك أن النضوج الإنساني وعلاقته بالرسالة الإلهية قد اختلف.. فاستقبال قوم عاد وثمود وفرعون وجنوده للرسالة الإلهية قد اختلف مع استقبال المشركين من أهل قريش، لمرور آلاف السنين وارتقاء ما قد أصاب الإنسان على الأرض بعيداً عن استعراض تفوقه العلمي والجسماني. وعندما أراد الله سبحانه وتعالى استخدام نفس الأسلوب مع قوم محمد وهو يعلم مسبقاً رفض الرسول الكريم هذا العرض الذي أتى به جبريل ليطبقن عليهم الأخشبين، رفض محمد ذلك آملا في أن تغير ما قد سيحدث وأن من أصلابهم من سيأتي بقول لا إله إلا الله محمد رسول الله. إذن فكرة العقاب والإبادة اللحظية للكافرين بالله تغير نهجه وطريقة تفعيله، وهو ما اتفق مع ما أراده الله سبحانه الذي منح رسوله الكريم بديموقراطية غير معهودة من قبل في اختيار آلية العقاب. ومال النبي العدنان إلى نهج الصبر والمجاهدة في إصلاح طريق البشرية وان الفناء والإبادة اللحظية لم تروق لنفسه ولن تكون هي الحل، وعليه أقر الله نهج جديد لم يستخدمه مع نبي من الأنبياء من قبل حيث كان الجميع ينتظر التدخل الإلهي الحاسم لينهي القضايا. هذه المرة تبدأ أقدار الله في ترك مساحة ما للفعل الإنساني بالتدخل على الأرض للقضاء والتعامل مع كل من تسول له نفسه في المساس بعلاقة الإنسان بالله. ومن هنا أقر سبحانه وتعالى أن أعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم، الأسلوب هنا اختلف تماماً ومنح الله لعباده لأول مرة التدخل والمحاولة حتى أنه وفي بعض الأحيان قد يعطي عدوهم فرحة الانتصار كما حدث يوم أحد. صحيح كل ذلك برعاية إلهية، وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى، وقوله كتب عليكم القتال وهو كره لكم، وقد وضع الله مقاييس ومنهج لهذا التدخل الإنساني بشروط وأحكام، حتى لا يشرد الإنسان على الأرض. إذن نحن بين تفوق بشري حضاري يعقبه انتقام إلهي لحظي لا هوادة فيه.. وبين ضعف ما إنساني على المستوى الحضاري لكن بنضوج آخر يمكن أن يستقبل الرسالة الإلهية من خلال كتاب يقرأ إلى يوم الدين يخاطب العقل ليرقى به ويضع له منهاجا تكتمل فيه رسالة الله ورب القرآن على الأرض. ونجح الرسول الكريم صلى اللهعليه وسلم في الاختيار وعدل الله سبحانه وتعالى في الآلية وتركها للإنسان ليقوم لأول مرة بما كان يقوم به الله من قبل مساحة جديدة أعطاها الله للفعل الإنساني لتقوم بدورها بعد اكتمال النضوج الإنساني والمعرفي والعلمي.. فهل نحن قادرون على إنجاح هذه التجربة لإرضاء الله بتوازن وحكمة ؟!! ..................................................................................... * أستاذ بكلية اللغات والترجمة، والمستشار الثقافي لسفارة مصر باليونان سابقا
    أضف تعليق

    إعلان آراك 2