أمل إبراهيم تكتب: «الأصليين»

الخيال أقوى من المعرفة، ربما يكون هذا أحد أسباب الشغف بقراءة الروايات ومشاهدة أفلام السينما قبل أن يمسها جنون الأسعار مؤخرا وقبل أن تحول بيننا وبينها ظروف الحياة ومشاغلها ، بعض الفرص الخاطفة والشعور بالملل والرغبة فى التغيير والهرب تجعل مقاعد السينما حالة من السفر وتحيل الظلام هناك إلى وقت مستقطع للراحة بعيدا عن الحر والضغوط التى تحيط بنا . فيلم "الأصليين" بطولة ماجد الكدوانى وخالد الصاوى ،قصة غريبة وجديدة وأداء مميز للبطل ماجد الكدوانى تبدأ بتلك العبارة " الخيال أهم من المعرفة " ألبرت اينشتاين.. وبتأمل العبارة سوف توقن أنها صحيحة جدا لأن الخيال هو محرك البحث وراء المعرفة وخالقها . يدور الفيلم حول فكرة المراقبة وأننا جميعا نعيش تحت حالة من التتبع والمراقبة لأدق تفاصيل حياتنا وأن مبدأ المراقبة مباح ومأخوذ من فكرة مراقبة الله لنا من خلال ملائكة فوق أكتاف البشر بصورة دائمة ومستمرة لتقييم أعمالهم، المراقبة لمصلحة الوطن ومن أجل عيون بهية الأسم الدال على الوطن، ويقوم بها الأصليين الذين وهبوا عمرهم لخدمة البلد، هكذا يدور أغلب الحوار فى الفيلم من خلال استقطاب البطل الذى تم الاستغناء عن خدماته فى البنك وأصبح بلا وظيفة مطالب بتأمين مستوى معيشة مرتفع لبيته وأولاده واقناعه أن ينضم إلى الأصليين ويصبح واحدا منهم مطالبا بمراقبة الآخرين كما حدث معه شخصيا. والحديث أن تسجيل أتصالات البعض ومتابعة حياتهم هو نوع من الحفاظ عليهم وعلى المجتمع وأن ماتراه من خلال مراقبتك للآخرين يختلف فى أهميته بالنسبة لتقييم الأصليين فعلى سبيل المثال لو أكتشفت أن أحدهم يتاجر فى الآثار أو يقوم بتهريبها فالأمر غير مهم لأن الآثار يقدرها الأجانب ويحافظون عليها ويعرفون قيمتها الحقيقية أكثر مما نفعل نحن ، أما لو أكتشفت أن الشخص تحت المراقبة فى علاقة عاطفية فاشلة فالأمر جد خطير لأن ذلك قد يجعله مستعد نفسيا للمشاركة فى مظاهرات ضد النظام وقد يؤدى به إلى حمل المولوتوف مثلا كنوع من تنفيس الغضب الكامن فيه والناتج عن الانكسار العاطفى. لم ينته الفيلم بنهاية المراقبة أو منعها بل باستمرارها وكأنها أمر طبيعى فى حياتنا رغم أن الدائرة يمكن أن تضيق ويقوم الشخص بمراقبة أقرب الناس إليه وتكون النتيجة كارثية وتدمر العلاقات الأسرية وتكشف أمورا الجهل بها نعمة وراحة " الأصليين " أشخاص وراء الشاشات يراقبون الناس فى المجتمع وينتهكون خصوصيات البعض دون أن يدركوا أنهم أيضا مراقبون .