عاطف عبد الغنى يكتب: محمد نجيب

عاطف عبد الغنى يكتب: محمد نجيبعاطف عبد الغنى يكتب: محمد نجيب

*سلايد رئيسى15-7-2017 | 14:27

[caption id="attachment_53266" align="aligncenter" width="300"]080 نجيب بين عبد الناصر وصلاح سالم قبل أن يحدث شقاق بينهم[/caption]
إحدى حكومات ما قبل 25 يناير 2011 قررت أن تُكرِّم اسم محمد نجيب فأطلقت اسمه على محطة لمترو الأنفاق، (بالطبع بعد أن عادت للقيادة السياسية).
وأبناء الجيل الذين يعيشون الآن وتقل أعمارهم عن33 عامًا، (حددت الرقم على أساس أن عمر الجيل الواحد تحدد بهذه السنوات الـ 33)، ربما لا تعرف الكثرة من هذا الجيل عن محمد نجيب إلا محطة المترو التى تحمل اسمه وتقع قبل محطة رئيسية هى محطة السادات، ونجيب كان رئيسا قبل جمال عبدالناصر.
وبعد ثورة يناير أراد نظام الإخوان أن يستغل اسم نجيب أو بمعنى أصح أن يوظف سياسيًا مأساته التاريخية ضد عدوهم اللدود عبدالناصر، لكن الظروف لم تسمح بذلك، إلا قليلا.
 وكان من المخجل أن يفكر مستثمر سياحى هو صاحب القرية الفرعونية فى إنشاء متحف لرؤساء مصر بعد ثورة 23 يوليو وأولهم محمد نجيب ولا تفعل هذا الدولة.
لكنى عرفت قبل أسبوع تقريبا أن الدولة عازمة على تصحيح هذا الخطأ، وأن متحف محمد نجيب فى طريقه للتنفيذ، والافتتاح قريبًا بأوامر من الرئيس عبد الفتاح السيسى..
(1)
 وعلى أثر هذه المعلومة - دعونى أحتفظ بتفاصيلها وأخفى مصدرها - عدت للتفتيش مجددًا عن محمد نجيب، وقد كان لى شرف أن أخط بقلمى مقدمة لأحد كتبه النادرة الذى حمل عنوان «مصير مصر»، وكان ذلك عام 1995 وكتبت فى المقدمة:
«لا أحد يستطيع أن يصادر التاريخ»، أقصد تاريخ محمد نجيب.
وفى سطور تالية كتبت: «ولا أحد يستطيع أن يخفى الحقيقة كل الوقت عن كل الناس، فالحقيقة تتسرب مثل شعاع الشمس، وتخترق النوافذ المغلقة أو مثل قطرات الماء تتخلل الأصابع..».
وفى فقرة أخرى قلت: «محمد نجيب أول رئيس مصرى من تراب هذا الوطن فى العصر الحديث.. حقيقة تم إخفاؤها زمنا، والتمويه عليها.. حقيقة حاول البعض أن يسلبوها من الرجل ويمنحوها للغير تملقًا وخوفًا، واعتقدوا (هم وهذا الغير) أنهم نجحوا فى التأثير على التاريخ حتى فقد ذاكرته»..
والتاريخ لا يفقد الذاكرة، البشر فقط هم الذين يفقدونها وعلى هذه القاعدة يتأسس الحكم بأن السيرة أبقى وأطول عمرًا من صاحبها.
(2)
كتاب «مصير مصر» الذى اكتشفته قبل ما يزيد على 12 عاما، وأنا أنجز عددًا من التحقيقات والشهادات عن ثورة 23 يوليو له قصة، فهذا الكتاب هو الأول الذى خطه الرئيس الأسبق الراحل بقلمه، كتبه بالإنجليزية، ونشر فى بريطانيا فى شهر فبراير سنة 1955، وتطوع بعض محبى محمد نجيب من السودانيين بترجمته إلى اللغة العربية وصدر الكتاب المترجم عن دار النشر بعد شهرين من صدوره الأول، لكن تمت مصادرة الكتاب، ومضت الأيام حتى صادفت نسخة واحدة منه يحتفظ بها أحد المتيمين، المبهورين بنجيب، إنسانًا وضابطًا، وثائرًا، ومعلمًا، وهو ابن أخته اللواء على المعاش (وقت أن قابلته) حسن محمد سالم رحمه الله.
رأيت الكتاب وثيقة، وتكمن وثوقيته فى التاريخ الذى كُتب وصدر فيه، وكان هذا قريبا جدًا من الأحداث التى تناولها، والرجل مازال فى عنفوان اللياقة الذهنية، وحضور الوعى، ولم يكن قد تعرض بعد لأحداث هى من قبيل المأساة، وقد سجلتها ونقلتها لنا بعض الصور، وهو يعيش فى منفاه فى قصر زينب الوكيل (زوجة النحاس) الذى صادرته الحكومة المصرية، وتحول مع الوقت إلى ما يشبه الخرابة، وراحت الصحافة المصرية وأعداء ثورة 23 يوليو من الإخوان والوفديين يتاجرون بصور «البطريرك» وهو فى خريف عمره ويحوّلونها إلى مادة لابتزاز مشاعر القراء وإيذاء أهل نجيب وأقربائه، وعذر الكاتبين أن حكايات نجيب أشبه بحكايات الواقعية السحرية التى أبهرنا بها جابريل جارسيا ماركيز أديب نوبل الأشهر.
(3)
كان لى الحظ وأنا أجرى التحقيقات عن ضباط ثورة يوليو من الأحرار وقد سمعت لبعضهم أمثال الراحلين حسين الشافعى، وأحمد المصرى، وعبد المجيد شديد، وغيرهم، أو كتبت عنهم أمثال يوسف صديق الذى انفردت بنشر الفصل الأول من مذكراته عن ليلة الثورة، وقد كان صاحب الفضل الحقيقى فى نجاحها بعد أن تحرك بكتيبته العسكرية التى كان يرأسها مبكرا ساعة عن الميعاد المحدد للتحرك (ساعة الصفر) وكان ذلك على سبيل الخطأ، الذى تسبب فى نجاح الثورة.. ياسبحان الله.
وكان لى الحظ أيضا أن ألتقى أسرة يوسف محمد نجيب، الابن الوحيد للرئيس السابق الذى بقى بعده على قيد الحياة وتزوج وأنجب بنتين وولد، هم على الترتيب: نجيبة وسامية ومحمد، ذهبت إليهم فى مساكن عثمان الشعبية فى المرج، ورأيتهم يعيشون فى شقة بسيطة ولا يملكون من نعيم الدنيا أغلى من كرامتهم وعفة أنفسهم، وبعد نشر التحقيقات صرت صديقًا للعائلة..
وبعد كتابه «مصير مصر» ألّف محمد نجيب كتابين آخرين هما: «كنت رئيسا لمصر» و«كلمتى للتاريخ» وحكى فى الكتب الثلاثة - تقريبًا - كل ما يمكن أن تتشوق لمعرفته عن حياته وخلافه مع الضباط الأحرار وعلى رأسهم عبد الناصر، وتحديد إقامته، والمطالع لهذه السيرة المتخمة بالأحداث إذا لم يقرأ بين سطورها عبرة التاريخ، وسخرية القدر من الأشخاص الذين يشكلون هذا التاريخ، أقول: من لن يكتشف هذا فلا قرأ شيئا ولا فهم.
(4)
واسمحوا لى أن أختم بعبارة أخرى من مقدمة كتاب «مصير مصر» وقد قلت فيها: «محمد نجيب ظل معتقلا ومحبوسًا سنين طويلة يجتر أيامه وآلامه وأحلامه، صبورًا، صامتًا، راضيًا، مسلّمًا مثل النساك أو المتصوفة، فقيرًا مثل أغنى الأغنياء، وهو يحتمل ضربات القدر بشجاعة نادرة وسبحان من ألهمه الصبر والسلوان حتى مضى يقابل وجه ربه هو وبعض الذين ظلموه، ولم يأخذ (لا هو ولا هم) لا مالا، ولا جاها، ولا سلطانا بل تركوا ذكرى بعضها محفوظًا فى الأفئدة، وأكثرها مسطر بالمداد على الورق».
.. أما الشىء الذى تأكدت منه بعد أن بحثت وقرأت وسمعت عن محمد نجيب فهو، أنه ما كان لهذا الرجل رحمه الله أن يشتغل بالسياسة.
أضف تعليق

إعلان آراك 2