اللواء سمير فرج يواصل ذكرياته حول النصر «2»

اللواء سمير فرج يواصل ذكرياته حول النصر «2»اللواء سمير فرج يواصل ذكرياته حول النصر «2»

* عاجل9-10-2020 | 19:05

حوار: وليد فائق  ماذا قال شارون عن خط بارليف في مناظرة BBC الشهيرة ؟ يستكمل الخبير الاستراتيجي اللواء سمير فرج حواره مع «أكتوبر» ويتحدث فى الجزء الثاني والأخير، حول مناظرته الشهيرة في قناة BBC حول الحرب، والتي كانت حديث العالم وقتئذ، وانتهت بفوز ساحق للتخطيط والتنفيذ العسكري المصري على نظيره الإسرائيلي، حيث أكد فرج أن المناظرة كانت أكبر شهادة على عظمة الجندي المصري الذي أشاد به العالم أجمع.. العدو قبل الصديق، مشيرًا إلى أن شارون نفسه وصف الجندي المصري بأنه كان مفاجأة الحرب بالنسبة له، مؤكدًا أن خبراء مركز الدراسات الاستراتيجية بلندن - الذين قاموا بتحكيم المناظرة - أوصوا المعاهد العسكرية العالمية بضرورة تدريس التخطيط المتميز والأداء الراقي للجيش المصري الذى هو خير أجناد الأرض. هل استشرت القاهرة فى تحويل الحلقة لمناظرة؟ - بالطبع كنت أرسل لهم كل التطورات، والجمسى وقتها وافق، فقد كان على ثقة فى كفاءتى وقدراتى، المهم جاء يوم المناظرة، وأتذكر أن شارون قد حضر بصحبة السفير الإسرائيلى والملحق العسكرى وعدد من الشخصيات الإسرائيلية فى ركب  يضم حوالى 7 سيارات، والتف حول مبنى BBC عدد من اليهود جاءوا ليناصروا شارون فى المناظرة التى كان ينتظرها الشارع الإنجليزى وقتئذ، ودخلت المسرح بمفردى بصحبة أدجار آلان، ثم وقفت فى المكان المخصص لى ووقف بجانبى الجنرال بيتش مدير الكلية، فى حين وقف فى الجانب المقابل شارون ومعه المجموعة التى جاءت معه. وانطلقت المناظرة التى استغرقت حوالى الساعة ونصف، حيث خصصت الفترة الأولى منها على عرض تسجيلات خارجية تم تصويرها معى ومع شارون، حيث تم التسجيل لى أثناء وجودى فى الكلية، فى حين تم التسجيل مع شارون فى سيناء والضفة الغربية، وركزت خلالها على أن يكون عرضى للتخطيط المصرى فى اقتحام قناة السويس وإدارة القتال متسمًا بالوضوح والدقة، معتمدًا على النجاح العظيم شبه الأسطورى من وجهة نظر كل المراكز والمؤسسات العسكرية فى العالم لما قام به الجيش المصرى، وكيف نجح فى اقتحام أكبر مانع مائى فى التاريخ وإسقاط خط بارليف، وإدارة العمليات على ضفاف قناة السويس، رغم أن كل تقارير مراكز الدراسات الاستراتيجية فى العالم قبل الحرب أكدت استحالة قيام مصر بأى عمل عسكرى شامل. وأكدت فى عرضى على أن التخطيط لهذه الحرب كان مصرياً خالصاً.. نابعاً من الفكر العسكرى المصرى، بعد الخبرات الطويلة التى اكتسبها فى حرب الاستنزاف، والتدريبات الشاقة على عمليات العبور فى دلتا نهر النيل فى السنوات التى سبقت حرب أكتوبر. وهنا سألنى أساتذة معهد الدراسات الاستراتيجية على الهواء مباشرة، كيف يكون التخطيط مصرياً وأنتم التزمتم بتكتيكات وأساليب القتال فى العقيدة السوفيتية خاصة فى أعماق المهام القتالية.. مهمة مباشرة ثم المهمة التالية وهكذا.. ولحسن حظى عرضت BBC أثناء سؤال الخبراء صورة لميدان المعركة كانت قد حصلت عليها من أمريكا واعتبرتها انفرادا وقتها، فأوضحت من خلال هذه الصورة إلى أن الخطوط التى وصلت لها القوات المصرية لم تكن مبنية على مفهوم أعماق المهام كما فى العقيدة السوفيتية، وإنما كان التخطيط المصرى قائمًا على مدى حماية حائط صواريخ الدفاع الجوى المصرى غرب القناة، فهناك بطاريات صواريخ فى الأمام وأخرى فى الخلف، وكان المطلوب ألا تتعدى القوات المصرية فى رؤوس الكبارى حماية هذه الصواريخ، وهو ما أدى إلى حرمان القوات الجوية الإسرائيلية من التدخل نهائيًا ضد القوات المصرية شرق القناة، وكان خير دليل على ذلك الأوامر الصادرة من قائد القوات الجوية الإسرائيلية لقواته يوم 6 أكتوبر بعدم الاقتراب من القناة لمسافة 15 كيلو متر، وهى المسافة التى يغطيها حائط الصواريخ المصرى، مما حرم إسرائيل من استخدام ذراعها الطويل ضد القوات المصرية، طوال عملية اقتحام القناة وإنشاء رؤوس الكبارى، وهو ما أطلق عليه الخبراء العسكريون فى العالم آنذاك أن المصريين ابتكروا مبدأ جديدا من أشكال عمليات القوات الجوية أطلقوا عليه مبدأ «تحييد القوات الجوية المعادية».

الدفاع المتحرك

وقال: عرضت بعد ذلك خطة العبور واقتحام خط بارليف بالتفصيل، وكيف اقتحمت قواتنا المسلحة قناة السويس بخمس فرق مشاة مترجلة على مواجهة واسعة بطول الجبهة، مما أربك حسابات وتقديرات القوات الإسرائيلية حيث وقفت الاحتياطات المدرعة الإسرائيلية التى كانت تعتمد على خطة «الدفاع المتحرك» التى كانت تطبقها للدفاع عن سيناء عاجزة عن القيام بالهجمات المضادة ضد قوات رؤوس الكبارى المصرية فى انتظار تحديد مجهود رئيسى لتلك القوات.. وأشرت عندئذ إلى أن خطة الدفاع الإسرائيلية التى اعتمدت على نقاط خط بارليف القوية ونظرية الدفاع المتحرك باحتياطات على أعماق متعددة قد فقدت الاتزان الدفاعى، وأصبحت عاجزة أمام مفاجأة التكتيك المصرى، وعدم قدرة القوات الجوية الإسرائيلية على تقديم أى معاونة للاحتياطات المدرعة الإسرائيلية كما سبق وأشرت. وعندما قامت الاحتياطات الإسرائيلية لخط بارليف بالهجمات المضادة جاءت ضعيفة ومبعثرة، وتحطمت أمام الخطة الرائعة المضادة للدبابات التى وضعها المخطط المصرى ونفذتها لأول مرة فى التاريخ عناصر مشاة مترجلة دون دعم من دبابات المعاونة المصرية التى لم تصل لرؤوس الكبارى فى اليوم الأول للقتال، حيث بدأت فى التدفق فى اليوم التالى بعد تشغيل الكبارى.

اعتراف بالتفوق المصري

وهنا علق خبراء معهد الدراسات الاستراتيجية بالقول إن توقف القوات المصرية، وتعزيز رؤوس الكبارى تحت مظلة صواريخ الدفاع الجوى المصرى قد حرم الإسرائيليين من تنفيذ خطتهم الدفاعية، واستدراج القوات المصرية إلى مناطق احتواء لتدميرها فى العمق، وهو ما أدى إلى إعلان جولدمائير وديان يوم 9 أكتوبر هزيمة إسرائيل مما يعد اعترافاً كبيراً بتفوق التخطيط المصرى فى المرحلة الافتتاحية للحرب، والأداء المتميز فى تنفيذ هذا التخطيط. عند هذه النقطة اندفع شارون ليقول إنه طالما عارض خطة الجنرال بارليف للدفاع عن قناة السويس، وبناء الخط الذى حمل اسمه، والذى وصفه شارون بأنه مثل الجبن السويسرى ذات الثقوب، مشدداً على أن إسرائيل دفعت الثمن باهظاً عندما لم تستمع لآرائه حول تنظيم الدفاع عن سيناء، متمسكة بخطة الجنرال بارليف رئيس الأركان آنذاك، وأتذكر فى هذه اللحظة أن أحد خبراء معهد الدراسات وقتها قاطع شارون قائلاً: جنرال لقد أشبعتمونا فكراً وآراء ونظريات بعد حرب 67، مؤكدين أن فكركم هذا كان سبب النصر وقتها، وأعتقد أن ما فعله المصريون فى 73 كان ردًا عمليًا على أن نظرياتكم لم تكن دقيقة أو صحيحة، ويبدو أن شارون أراد استخدام هذا التعليق لتحقيق صالحه الشخصى، وتحويل دفة الحديث فى المناظرة، فقال إنه من هذا المنطلق وبعد إعلان جولدمائير وديان هزيمة إسرائيل جاء هو «شارون» ليلعب دور المنقذ وينفذ عملية «الغزالة» ويبدأ فى التفكير فى ثغرة الدفرسوار.

مفهوم غير متزن

حتى هذه النقطة من المناظرة كانت الخطة المصرية قد حصلت على تقدير 4 درجات من لجنة التحكيم، بينما لم تحصل الخطة الإسرائيلية على أى نقاط، ثم حصلت مصر على نقطتين إضافيتين على مرحلة إدارة القتال فى رؤوس الكبارى حتى يوم 15 أكتوبر، لتصبح النتيجة الإجمالية حتى هذه اللحظة 6/0 لصالح مصر. وأكد خبراء معهد الدراسات الاستراتيجية على أن الخطة الدفاعية الإسرائيلية.. المبنية على خط بارليف كانت خطة ذات مفهوم دفاعى غير متزن.. وافتقدت عدم بناء الأنساق والخطوط الدفاعية المتتالية.. سواء بالاحتياطيات أو المواقع الدفاعية، وسمحت للقوات المصرية بكل سهولة أن تقتحم القناة.. وتنشئ رؤوس الكبارى.. وأن هذه النقاط الحصينة فى خط بارليف.. لم تؤد أى دور دفاعى لها.. خاصة أنه لم يكن هناك أى تعاون نيرانى أو تكتيكى بين نقاط خط بارليف.. ولذلك عندما اقتحم المصريون القناة.. ثم عزل نقاط خط بارليف.. تهاوت هذه النقاط فى ساعات.. أو استسلمت.. وشبه الخبراء ما حدث من سقوط خط بارليف.. بسقوط خط ماجينو فى الدفاعات الفرنسية فى بداية الحرب العالمية الثانية، وإن اختلف الأسلوب. بعد ذلك تم استعراض مرحلة تطوير الهجوم المصرى فى اتجاه المضايق، لتخفيف الضغط على الجبهة السورية، ولقد فقدنا فى هذه المرحلة نقطتين ذهبت للجانب الإسرائيلى، حيث علق خبراء معهد الدراسات على الخطوة المصرية بالقول لا تدع السياسى يجبرك على القيام بعمل عسكرى مادمت غير قادر على تنفيذه، أو غير مقتنع به، أو أنه خارج التخطيط المسبق للعمليات.

المزرعة الصينية

وجاءت المرحلة الأخيرة من المناظرة، والتى أعتقد أن شارون قد دخل هذه المناظرة بالذات لكى يستعرض ما قام به فى عملية الثغرة غرب القناة أمام الرأى العام الأجنبى. فى البداية استعرض شارون الانهيار الذى كانت عليه الجبهة الإسرائيلية فى سيناء، مما أدى بديان  أن يقر بالهزيمة، وبدأت إسرائيل طلب إمدادات عاجلة من الأسلحة والمعدات من أمريكا على أن يتم إرسال المعدات مباشرة إلى مطار العريش فى سيناء، وأضاف شارون أنه طلب على وجه التحديد نوعًا جديدًا وقتها من الصواريخ المضادة للدبابات من طراز «TWO» ذات دقة عالية فى تدمير الدبابات، والتى وصلت بالفعل إلى العريش يوم 13 أكتوبر بعد سحبها من مخازن القوات الأمريكية فى ألمانيا، وتم نشرها بين جنود الاحتياط الإسرائيليين بقيادة ملازم احتياط يدعى «جوفى». وأضاف شارون إلى أنه اعتمد فى خطته على نظرية «ليدل هارت» التى يطلق عليها «الاقتراب غير المباشر»، وهى نفس النظرية التى كان يطبقها روميل فى الصحراء الغربية وسبق وطبقها الجيش الألمانى فى اختراق خط ماجينو، بتجنب الهجوم على دفاعات الخط نفسه، والاختراق من اتجاه غابات الأردين فى بلجيكا، والتى بعدها انهارت الدفاعات الفرنسية تماما، واستكمل شارون حديثه بالقول إنه بدأ تطبيق خطته بمحاولة اختراق الجانب الأيمن للجيش الثانى، والذى كانت تؤمنه الفرقة 16 مشاة، مشيراً إلى أن الهجوم الذى قاده الجنرال «آدان»، والجنرال «ماجن» استمر بشراسة لمدة 3 أيام على المواقع المصرية فيما عرف باسم «معركة المزرعة الصينية» مؤكداً أن المدفعية الإسرائيلية ظلت تقصف المواقع المصرية لمدة يومين كاملين بلا توقف، ثم تم الهجوم على القوات المصرية بالقوات المدرعة ووحدات المظلات الإسرائيلية التى وصفها بأنها أرقى الوحدات القتالية لديهم كفاءة وتدريباً، الا أنه رغم ذلك فشلت كل الهجمات الإسرائيلية أمام صلابة الكتائب الأمامية للفرقة 16 مشاة فى معركة المزرعة الصينية، والجدير بالذكر أن الذى كان يقود كتائب المشاة المصرية التى أوقفت هذا الهجوم الإسرائيلى الشرس كان المقدم محمد حسين طنطاوى، والمقدم أحمد إسماعيل عطية. وبعد هذا الفشل فى اقتحام دفاعات الفرقة 16 مشاة، لم يجد شارون أمامه إلا أن يعبر من البحيرات تجنباً لهذه الدفاعات المصرية الشرسة فى المزرعة الصينية، فاندفع بمجموعة قتال من سرية دبابات ومشاة إلى عمق منطقة الدفرسوار، خلف رأس كوبرى الجيش الثانى الميدانى، حيث بدأ بمهاجمة قواعد صواريخ الدفاع الجوى، مكتفيًا بالاشتباك عن بعد 3 كيلومترات، ليدمر رادار القاعدة فتتوقف بطارية الدفاع الجوى عن العمل، حتى نجح فى عمل ثغرة فى حائط الصواريخ، كما هاجم مواقع المدفعية المصرية غرب القناة حتى يحرم قوات رأس الكوبرى من المعاونة النيرانية من الضفة الغربية، وذكر أن هدفه من العبور إلى غرب القناة فى البداية كان الاستيلاء على مدينة الإسماعيلية ذات الأهمية الاستراتيجية الكبرى، حتى يتمكن الجانب الإسرائيلى فى أية مفاوضات قادمة عندما يتوقف القتال من أن يستخدم ذلك للحصول على مكاسب يوقف بها نزيف الخسائر أمام النصر الكبير الذى حققته القوات المصرية شرق القناة، إلا أنه فوجئ بقتال شرس وعنيد من قوات الصاعقة المصرية غرب القناة فى منطقتى الدفرسوار والجناين، مما أدى لخسائر كبيرة فى المعدات والأرواح بين قواته، بل وإصابته هو شخصيًا إصابة نقلته للعلاج داخل إسرائيل نتيجة شراسة وشجاعة رجال الصاعقة المصرية، الذين كانوا يظهرون فى كل مكان وسط زراعات المانجو لتدمير قواته، لذلك قرر شارون نتيجة خسائره الكبيرة أن يعيد ترتيب أوراقه ويغير اتجاهه ليندفع بقواته جنوبًا فى اتجاه السويس، وبالفعل أكد شارون أنه لم يركب طائرة الإخلاء إلا بعد أن تأكد أن قواته قد غيرت اتجاهها من الإسماعيلية للسويس.

مفاجأة المصريين

عند ذلك توجه خبراء معهد الدراسات الاستراتيجية لى حيث سألونى عن خطة القوات المصرية ضد عمليات شارون، فأوضحت أن القيادة العامة المصرية فى ذلك الوقت أمرت بتحريك اللواء 25 مدرع من الجيش الثالث شرق القناة، وكان مسلحا بالدبابة ت 72، والتى كانت تعد أحدث الدبابات فى الجيش المصرى وقتها، واندفع اللواء بالفعل وتقدم ببطء وحذر شديد من رأس كوبرى الجيش الثالث فى اتجاه الدفرسوار على البر الشرقى ليقفل الثغرة بين الجيشين الثالث والثانى، لكن قبل وصول اللواء 25 مدرع إلى رأس كوبرى الجيش الثانى بنحو 20 كيلومترًا، كان قد سبقه إلى ميدان القتال قبلها بساعة واحدة قوات الملازم جوفى، محملة بكتيبة صواريخ «تو» الأمريكية الجديدة، وكان منظمو المناظرة قد قاموا بعمل لقاء تليفزيونى مع الملازم جوفى فى إسرائيل أذيع أثناءها، حيث تم سؤاله عما حدث؟ فأوضح أنه وصل لمنطقة القناة وشاهد غبار حركة اللواء 25 مدرع المصرى، وأمره قائد الجبهة بعمل ستارة مضادة للدبابات، وبالفعل قام بإيقاف تقدم اللواء المدرع نظراً لدقة الإصابة العالية لهذا النوع من الصواريخ الذى وصفه بأنه كان مفاجأة للمصريين. وهنا أوضح خبراء معهد الدراسات الاستراتيجية إلى أن عملية شارون تستحق نقطتين فقط، على أساس تطبيقه لنظرية الاقتراب غير المباشر كنظرية عسكرية سليمة، إلا أن التطبيق كان لا يتماشى مع أسس ومبادئ القتال المعروفة حيث إن شارون لم يؤمن منطقة العبور بأى قوات، وأن التنفيذ جاء أشبه بغارة عسكرية تنفذها وحدات خاصة، وليست عملية عسكرية رئيسية لها هدف الاستيلاء على مدينة ذات أهمية استراتيجية. وأضاف الخبراء أن قرار القيادة المصرية بدفع اللواء 25 مدرع كان سليماً، لذلك تستحق عليه مصر نقطتين أيضاً، مؤكدين أن دخول بطاريات صواريخ «تو» غير من ميزان القتال، ومشيرين إلى أنه لولا هذه الصواريخ، أو كان اللواء 25 مدرع قد نجح فى الوصول للمنطقة قبل الملازم جوفى لكان شارون وقواته قد تم تدميرهم أو أسرهم غرب القناة، ولتغير الموقف العسكرى تماماً، مؤكدين أنهم لا يوصون أى قائد عسكرى بتنفيذ فكر ليدل هارت بهذه المغامرة غير المحسوبة أو مؤمنة، وأن شارون يجب أن يشكر الملازم جوفى وأمريكا على صواريخ «تو» التى لولاها لفشلت العملية بالكامل، وهنا احتد شارون بشدة على تقييم خبراء معهد الدراسات قائلًا: أنا الذى رفعت العلم الإسرائيلى فوق إفريقيا، وجعلت المفاوض الإسرائيلى فى مباحثات الكيلو 101 قادراً أن يكون نداً للمفاوض المصرى بعد العار الذى جلبه ديان يوم 9 أكتوبر، إلا أن خبراء معهد الدراسات أشاروا إلى أن خسائر إسرائيل فى معركة الدفرسوار فقط تساوى خسائرها فى حربى 56، 67 معاً، قائلين لشارون إن من أطلق عليك لقب «الجنرال الدموى» لم يكن مخطئاً، فثار شارون بشدة قائلاً، لقد أعدت لإسرائيل هيبتها التى فقدتها فى هذه الحرب.

الجندى المصرى الجديد

وقبل نهاية وقت المناظرة كان الموعد مع السؤال الأخير لشارون، حيث سأله أحد الخبراء عن ما هى مفاجأة حرب أكتوبر بالنسبة له؟.. هل هجوم المصريين يوم عيد الغفران والحياة متوقفة فى إسرائيل؟ أم هجومهم فى منتصف النهار وهو أمر لم يكن متوقعا؟ أم قيامهم بغلق مضيق باب المندب فى مفاجأة أذهلت إسرائيل؟ أم لأنهم نجحوا فى التنسيق مع سوريا لشن الهجوم فى توقيت مشترك؟ أم لأنهم هجموا بطول مواجهة القناة.. وهو أمر لم يكن فى تخطيط.. وحسابات وتوقعات الجانب الإسرائيلى؟ هل.. وهل..؟ وذكر له عدة نقاط أخرى، المهم كانت إجابة شارون الذى رد بقوله، إن هذا كله لم يكن مفاجئاً لنا.. قد يكون بعض ما ذكرته ربما كان خارج حساباتنا وتوقعاتنا، لكن المفاجأه الحقيقية بالنسبة لى شخصياً (شارون) كانت هى العسكرى المصرى، فذلك الجندى الذى شاهدته فى حرب أكتوبر ليس نفس النوعية التى قابلتها فى الحروب السابقة سواء فى 56 أو 67، النوعية مختلفة، ففى حين كان الجندى المصرى فى السابق لا يجيد القراءة والكتابة، هذه المرة – وقد كنت حريصا على استجواب الأسرى بنفسى – رأيت جنودا من خريجى الهندسة والعلوم والتجارة، الروح المعنوية للجندى المصرى أصبحت عالية، تعلم الشراسة فى القتال، لم يعد يرهب جيش الدفاع الإسرائيلى صنعت منه هزيمة 67 إنساناً جديداً عكس توقعاتنا من أننا قضينا على الجيش المصرى الذى ظننا أنه أصبح جثة هامدة غير قادرة على القتال. وحكى شارون أنه فى بداية الثغرة، وعندما تقدم نحو الإسماعيلية بسرية دبابات مكونة من 10 دبابات، فوجئ بخروج 5 من جنود الصاعقة المصرية، وطبقاً لكل التقديرات العسكرية التى درسها فإن النتيجة الحتمية لمواجهة 5 جنود لـ10 دبابات، هى أن هؤلاء الجنود قتلى لا محالة فى الحال، لكنه فوجئ أن هؤلاء الخمسة قد أصابوا 5 دبابات إسرائيلية قبل القضاء عليهم. وأضاف شارون أنه يجب على المخطط الإسرائيلى فى أى حرب قادمة مع مصر.. أن يضع فى حساباته نوعية هذا الجندى الجديد. الذى لم نقابله من قبل.. وأنهى حديثه.. هذه كانت مفاجأة حرب أكتوبر لى شخصياً.. الجندى المصرى الجديد.

شهادة بالتفوق من العدو

وانتهت المناظرة بعد أن منح خبراء معهد الدراسات الاستراتيجية 8 درجات للقيادة المصرية، فى حين حصلت نظيرتها الإسرائيلية على 4 درجات فقط، وفى حين جاءت توصيات الخبراء معظمها سلبية عن خطط وأداء جيش الدفاع الإسرائيلى سواء فى الخطة الدفاعية لخط بارليف، أو أداء معركة شارون غرب القناة، كانت معظم التوصيات إيجابية للقيادة المصرية، حيث أوصى المعهد بأنه يجب أن تدرس المعاهد العسكرية الفكر المتطور والتخطيط المتميز للقيادة المصرية والأداء الراقى للجندى المصرى فى هذه الحرب، التى أكد خبراء المعهد أنها أضافت عنصرا جديدا من عناصر مقارنة القوات وحسابات التوازن العسكرى بين الدول، وهو العنصر البشرى الذى لم يكن محسوباً قبل هذه الحرب، لكن جاء الأداء المشرف للجندى المصرى فى 73 ليبرز مدى أهمية هذا العنصر، ولتكون هذه المناظرة أكبر شهادة من العدو قبل الصديق على عظمة وبسالة القائد والجندى المصرى الذى هو خير أجناد الأرض.  كيف تنظر مراكز الدراسات والمؤسسات العسكرية العالمية لحرب أكتوبر؟ - فى بداية كل عام كان «معهد الدراسات الاستراتيجية فى لندن IISS»، وأنا عضو فيه، يصدر كتابا دوريا عبارة عن موازنة ومقارنة سنوية بين جيوش العالم.. وفى يناير 1973 أصدر المعهد كتابه السنوى وذكر فيه أنه إذا حاولت مصر والعرب مهاجمة إسرائيل فمصيرهم الهزيمة المؤكدة، وشرح التقرير المعطيات التى أوصلت لهذه النتيجة، فقال إن إسرائيل تمتلك كذا طائرة حديثة وكذا دبابة، فى حين أن مصر تمتلك عددا أقل من الطائرات والدبابات الحديثة.. أى أن المقارنة كانت عددية، ولذلك طبقاً للتقرير فإن إسرائيل ستنتصر فى أى حرب ضد مصر. قامت حرب أكتوبر وانتصر الجيش المصرى.. وانتظرنا ماذا سيقول معهد الدراسات فى تقريره السنوى فى يناير 1974، إلا أن التقرير تأخر لمدة 5 أشهر كاملة، ليصدر فى شهر مايو، وذكر فيه أنه بسبب حرب أكتوبر فقد ظهرت عوامل كثيرة يجب أن تؤخذ فى الاعتبار عند موازنة القوات بين الدول، فلم تعد الموازنة فقط عددية، ودخلت عوامل أخرى فى المقارنة مثل الروح المعنوية للمقاتل، والشعب الذى يريد استعادة أرضه، وغيرها من العوامل.. أى أن المقارنة أصبحت عددية ونوعية، كل هذا غيرته حرب أكتوبر التى أدخلت مفاهيم جديدة على أساليب وأعمال القتال لجيوش العالم.

إنجاز ملهم

 كيف يمكن الاستفادة من دروس حرب أكتوبر فى التغلب على التحديات التى تواجه مصر حاليا؟ - حرب أكتوبر مثال حى لتحقيق الإنجازات والتغلب على التحديات.. أخذنا خبرة عظيمة فى حرب أكتوبر.. أعطتنا دفعة لاستلهام دروس أكتوبر فى تطوير قواتنا المسلحة والتصدى لكل العدائيات الجديدة التى تواجه الدولة ككل.. أكتوبر ولدت فكرا مصريا جديدا.. اليوم الجيش يحارب بناء على خبرات أكتوبر.. كل جيوش العالم تريد أن تأتى للتدريب المشترك مع الجيش المصرى لأننا الجيش الوحيد فى العالم الذى يمتلك خبرة تلك الحرب.  ما الرسالة التى توجهها أكتوبر للأجيال الجديدة؟ - أن تعود روح أكتوبر.. الشعب يومها حارب مع الدولة.. وتحمل المصاعب للانتقال من النكسة إلى النصر.. شعار «الشعب والجيش إيد واحدة» ليس مجرد كلام.. ولكنه يجب أن يكون تطبيقًا عمليًا استلهاماً لروح أكتوبر عندما تحمل الشعب الكثير من المصاعب والتضحيات ليتحقق النصر فى النهاية وكل عام وأنتم بخير.
أضف تعليق