الشخص و القيمة في زمان مواقع التواصل الإجتماعي

إن التصور الفلسفي المثالي لقيمة الشخص .يعتبر بأنها قيمة داخلية و كذالك مطلقة ،أي أنها لا تخضع لأية عوامل خارجية كالمجتمع و المحيط .و هذا ما يؤكد عليه الفيلسوف الألماني الأخلاقي كانط . حيث أن هذا الأخير ينفي فكرة كون قيمة الإنسان أو الشخص نابعة من التصورات الخارجية للغير .بل أكثر من ذلك إعتبر أن الشخص غاية في ذاته .فهل فعلا يمكن اعتبار هذا التصور صحيحا ؟ و خصوصا في ظل موجة مواقع التواصل الإجتماعي ؟. قبل إجابتنا عن هذا السؤال لابد لنا من معرفة أن الإنسان بطبعه يحب أن يلقى إعجابا من الغير .و لا نقاش في أن هذا سلوك بيولوجي بالفطرة . لكن ما يمكن إيجاده أنه ليس طبيعيا تأتير ذلك على نفسية المتلقي .حيث أن سعادته متعلقة أساسا بزر الإعجاب .فهي علاقة ترابط ،كلما زاد عدد الإعجابات ،إرتفع منسوب سعادة الشخص بل أكثر من ذلك زاد إدمانه على تلك المواقع .يُهرع ملايين الناس إلى صفحاتهم الزرقاء طيلة اليوم ليمتعوا أنظارهم بمرأى الإبهام المرفوع علامة على الإعجاب، أو القلب الأحمر المعبر عن أعمق الإعجاب الممزوج بالحب. بل تطور الأمر إلى أنّ من يفقد عزيزاً رحل عن عالمنا ميتاً يسارع وهو في غمرة حزنه، إلى إنزال بوست لانتزاع التعازي بالإموجي الباكية.فحسب دراسة عملية أجراها موقع ستارت ديجيتال المتخصص بتقنيات العالم الرقمي، و نشرها موقع "ميديوم كوربوريشن" الأمريكي ، كشفت أن أنزيم دوبامين Dopamine هو المسؤول عن هذا.ومع ازدياد عدد مستخدمي مواقع التواصل الذي تخطى عتبة الـ 3 مليارات شخص، والذي يرتفع بنسبة 18 في المئة شهرياً ، فإن كل لايك أو ما يشبهه، ينال الدماغ جرعة من هذه المادة المسببة للإدمان، وكلما زادت الجرعات، نمت رغبتنا في الحصول على المزيد، وهكذا يعيش الناس في دوامة. و من جهة أخرى فإن قيمة الشخص تحدد بعدد المتابعين الذي لديه في تلك المواقع .أي انها قيمة خارجية .بل يضطر أغلب الناس و خصوصا الجانب النسوي إلى تصوير أشياء غير مرحب بها .رغبة في نيل الإعجاب و الإهتمام لدى الأخرين و لكي يكون الأمر أكثر إدمانا بالنسبة لهم يقوم "انستغرام" على سبيل المثال بدفع مبالغ مالية ، و تزداد كلما زاد عدد التفاعل . و قد يؤدي قلة التفاعلات و الإعجابات بالشخص إلى هاوية الإنتحار. ذلك بالفعل ما حدث لمراهقة بريطانية تبلغ من العمر 19 عاما .وبحسب صحيفة "ذا صن" البريطانية فإن الفتاة أعربت عن حزنها الشديد بسبب قلة التفاعل في صفحتها.وقال أحد أفرد أسرة الفتاة، إنها كانت تتلقى علاجا نفسيا منذ عامين وإنها توقفت عن تلقى العلاج، مؤكدًا: ''أبلغت الأسرة المحققين أن تشول كانت تعشق تلقى الإعجاب ''لايك". ولن يكون بالزمن البعيد حيث أن الناس سيصبحون مقيمين .حسب إعجابات الأخرين و تفاعلاتهم .فالذي سيكون أقل تقييما مثله مثل المنبوذ من المجتمع .و هذا ما كان موضوع أحد حلقات مسلسل " black mirror " الذي يحاول تصوير الجوانب السلبية للتكنولوجيا بشكل أعم .و من جهة أخرى فالتصور الإنستغرامي لحياة الأخر قد يؤدي إلى بؤس الشخص المتلقي .و كرهه لحياته .او بما يعرف ب "معظلة الإنستغرام ". حيث أنه يرى ان حياة الأخر أفضل من حياته. فهكذا لو أردنا إختصار هذا الموضوع فسنقول بأن مواقع التواصل الإجتماعي تحدد قيمة الشخص بطريقة أو بأخرى .لكننا أيضا يمكن أن نقول أنها لا تحدد قيمتك .فالأمر يعتمد عليك أي الشخص المتلقي ،تفكيره و مدى سيطرة هذه المواقع عليه . ،

    أضف تعليق

    حظر الأونروا .. الطريق نحو تصفية القضية الفلسطينية

    #
    مقال رئيس التحرير
    محــــــــمد أمين
    إعلان آراك 2