«التنازلات» حجر عثرة في طريق «بريكست»

«التنازلات» حجر عثرة في طريق «بريكست»«التنازلات» حجر عثرة في طريق «بريكست»

عرب وعالم13-12-2020 | 16:56

كتبت_ داليا كامل بحذر شديد تترقب أسواق المال الأوروبية موعد الخروج النهائى لبريطانيا من الاتحاد الأوروبى مع انتهاء الفترة الانتقالية أواخر الشهر الحالى، دون التوصل لاتفاق تجارى لمرحلة ما بعد البريكست، ويثير فشل الجانبين الأوروبى والبريطانى فى جسر هوة الخلافات بينهما حول مسائل أساسية، المخاوف من انفصال غير منظم سيخلف آثارا اقتصادية سيئة عند مغادرة بريطانيا السوق الأوروبية الموحدة والاتحاد الجمركى فى الأول من يناير 2021. وسط مخاوف من عدم وجود اتفاق لإدارة تجارة سنوية بين الجانبين تقدر قيمتها بحوالى تريليون دولار، انخفض الجنيه الإسترلينى، وهبطت مؤشرات الأسهم الأوروبية. ويقول محللون إن المشكلة تكمن فى عدم رغبة أى من الطرفين تقديم تنازلات، حيث يرفض رئيس الوزراء البريطانى تقديم تنازلات خشية الإضرار بسيادة بريطانيا وهى الهدف الرئيسى من بريكست، بينما يتخوف الاتحاد الأوروبى من أن تؤدى أى تنازلات إلى تشجيع دول أخرى على مغادرة الاتحاد. ولا تزال المسائل الثلاث تقف فى طريق اتفاق التجارة وهى: وصول الصيادين الأوروبيين إلى المياه البريطانية، وآلية حلّ الخلافات بين الجانبين مستقبلا، والضمانات التى يطلبها الاتحاد الأوروبى من لندن فيما يخص المنافسة المتكافئة للشركات على الجانبين مقابل حق بريطانيا فى الوصول إلى سوقه الهائلة من دون رسوم ولا حصص، حيث يسعى الاتحاد الأوروبى لضمان التزام بريطانيا باتباع قواعده المتعلقة بالدعم الحكومى، وهو ما ترفضه بريطانيا لأنه يخل بمبدأ سيادتها على قوانينها، وفيما تسعى لندن لضمان دخول الأسماك البريطانية إلى الأسواق الأوروبية دون رسوم، فإن الاتحاد الأوروبى يريد فى المقابل ضمان دخول سفن الصيد الأوروبية إلى المياه الإقليمية البريطانية. ووفقا لـ «بى بى سى»، إذا لم يتم التوصل لاتفاق تجارى، ستخضع المبادلات بين لندن والاتحاد الأوروبى اعتبارًا من الأول من يناير لقواعد منظمة التجارة العالمية، ما يعنى أنه سيتم فرض رسوم جمركية وحصص، على معظم السلع التى ترسلها الشركات البريطانية إلى الاتحاد الأوروبى، وهو ما من شأنه أن يجعل البضائع البريطانية أكثر تكلفة ويصعب عمليات بيعها فى بلدان أوروبا. وتستطيع المملكة المتحدة أن تفعل الشىء نفسه بشأن السلع القادمة من الاتحاد الأوروبى إليها إذا اختارت ذلك. ويعنى تطبيق شروط منظمة التجارة العالمية أيضاً، اتخاذ كل إجراءات التدقيق والتفتيش الحدودية بشكل كامل، مما قد يتسبب فى اختناقات مرورية فى الموانئ والنقاط الحدودية، وهو ما سيؤدى بدوره إلى تأخير فى إنجاز العمليات. كما سيفتقد قطاع شركات الخدمات البريطانية حق الدخول المضمون إلى دول الاتحاد الأوروبى، وستتأثر جميع المهن بذلك؛ من المصرفيين والمحامين إلى الموسيقيين والطهاة. وما يزيد الأمور سوءا أن تنفيذ «بريكست» مع الخروج الفعلى فى 1 يناير المقبل فى نهاية فترة انتقالية، يأتى فى أسوأ مرحلة يشهدها الاقتصاد البريطانى، الذى يتعافى بالكاد من صدمة وباء كورونا ومن ركود تاريخى تقدر الحكومة نسبته بـ11.3 فى المائة لعام 2020، وتتوقع منظمة التعاون والتنمية أن يستمر ركود الاقتصاد  البريطانى بنسبة 6 فى المائة أواخر عام 2021 مقارنة بمستواه فيما قبل الأزمة. وفى حين يؤكد رئيس الوزراء البريطانى بوريس جونسون من جهته أن البلاد ستزدهر حتى فى حال الانفصال من دون اتفاق، خصوصاً عبر إبرام اتفاقات تجارية مع مختلف دول العالم، فإنه من المتوقع أن يسبب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى، مع اتفاق أو من دون اتفاق، مزيدًا من التأرجح فى الاقتصاد البريطانى. وفى هذا السياق، قال تقرير نشرته وكالة الصحافة الفرنسية إنه إذا كان حجم الأضرار الناتجة عن انفصال بريطانيا عمليا عن الاتحاد الأوروبى فى يناير المقبل، شريكها التجارى الرئيسى، يعتمد على نتيجة المفاوضات الجارية حالياً بين لندن وبروكسل بشأن الاتفاق التجارى، فإن الخبراء الاقتصاديين يتوقعون أن يكون «بريكست» مؤلماً اقتصادياً. وتذهب «جامعة لندن للاقتصاد» المرموقة إلى حد توقع أن يكون «بريكست من دون اتفاق»، أى العودة لفرض رسوم جمركية وتدابير رقابية على الحدود، مكلفاً أكثر من «كوفيد19»، لأن تداعياته ستكون ظاهرة لفترة أطول، حسبما أوردت وكالة الصحافة الفرنسية. وبحسب تقديرات للحكومة البريطانية السابقة، سيتسبب الانفصال «من دون اتفاق» فى تراجع الناتج المحلى الإجمالى بنسبة 7.6 فى المائة على مدى 15 عاماً. وإذا تم التوصل إلى اتفاق، سينخفض بنسبة 4.9 فى المائة، وهو تأثير كبير إلى حد ما، ويشكل مؤشراً للتحدى المتمثل فى مغادرة الاتحاد الأوروبى. ووفقا لوكالة الصحافة الفرنسية، ستشهد شركات بريطانية كثيرة ارتفاع تكاليفها، ويتوقع أن تزيد الأسعار بالنسبة للمستهلكين أيضاً خصوصاً فى مجال الأغذية والمنتجات الطازجة، التى يتم استيراد قسم كبير منها من الاتحاد الأوروبى. وقد يفاقم هذا الواقع انهيار الجنيه الإسترلينى، مما سيزيد أسعار السلع المستوردة. وتقول وكالة الصحافة الفرنسية إن قطاع صناعة السيارات معرض للتحولات بشكل خاص؛ إذ إنه يصدر قسماً كبيراً من إنتاجه إلى الاتحاد الأوروبى. وتضم بريطانيا على أراضيها شركات مصنعة دولية مستعدة لإغلاق مقارها إذا لم يسر «بريكست» على ما يرام. وفى نفس السياق، قالت صحيفة «نيويورك تايمز» إن الفشل فى إبرام اتفاق تجارى سيؤدى إلى تفاقم الضرر الناجم عن جائحة فيروس كورونا على جانبى القناة الإنجليزية، إلا أنه سيكون له تداعيات أكبر بكثير فى بريطانيا، حيث سيضع حواجز تجارية جديدة مع أكبر شريك للبلاد. وأشارت الصحيفة إلى أن داونينج ستريت اعترف باحتمال ارتفاع أسعار المواد الغذائية فى بريطانيا ما لم يتم التوصل إلى اتفاق تجارى، رغم أنه جادل بأن هذه الزيادات ستكون متواضعة، كما حذر مستوردو المواد الغذائية من أن بعض المنتجات، بما فى ذلك بعض الفواكه والخضراوات، قد تختفى مؤقتا من أرفف البقالة. وفى سياق متصل، قال تقرير نشرته «سى إن إن» إن مغادرة الاتحاد الأوروبى يعنى تحت أى ظرف ارتفاع التكاليف للشركات البريطانية، لكن المغادرة دون ترتيب جديد بشأن التجارة قد يكون كارثيا، حيث إنه سيخضع حركة السلع والخدمات البريطانية للتعريفات الجمركية وغيرها من الحواجز. وأضاف التقرير أن الشركات البريطانية، التى تعانى بالفعل من جراء وباء كورونا ، ستفقد حرية الوصول المعفى من الرسوم الجمركية ونظام الحصص إلى سوق يضم 450 مليون مستهلك يشترى ما يقرب من نصف صادرات بريطانيا ويوفر حصة مماثلة من وارداته. أما بالنسبة للاتحاد الأوروبى، فإن المملكة المتحدة تمثل له أهمية أقل بكثير، حيث شكلت 4٪ فقط من صادرات التكتل فى عام 2019 و6٪ من وارداته.
أضف تعليق