دار المعارف في طفولتي لم أنتبه للتقويم، التواريخ لدي تُقترن بالأعياد والمناسبات والإحتفالات، فعندما لاح بائع القصب حاملاً بضاعته التي ابتضعها يرتحل بين الشوارع، طائفاً حول البيوت يهتف: "شوية مطر وقداس..عودين قصب وحلة قلقاس"، حينها فقط أعي أن طوبة قد إنتصف، وعموم المصريين يقتاتوا القلقاس والبرتقال واليوسفي.. هذاك التوقيت من كل عام، لايخوي منزل صعيدي من أعواد القصب، يتقاسمه مسلم ومسيحي ويسترضوا به صغارهم، تلك المأكولات التي لم يكترث المصريون بمآب ومرجعية وديانة موسمها، و خصهم فقط نبأ الذين من قبلهم وما ألفوه في هذا الطقس الذي إرتبط بالتقويم القبطي، فكانوا يبتكرون الأمثال الشعبية مثل "غطّستم صيفتم..نوّزتم شتيتم" إستهجاناً لمن كان يكتسي ملابس صيفية في موسم الشتاء و شهر الغطاس، و يلتحف الملابس الشتوية في موسم النيروز أو شهر سبتمبر.. وكأن ذا المثل الشعبي يصف ما آل إليه تغيّر المناخ و إرتفاع درجات الحرارة في شهرنا هذا.. "طوبة" الأبرد بين أشهر العام، حااار دافئ!! ..ذاك الذي نُشدّت له الأمثال الشعبية المصرية القديمة:"طوبة تخلي العجوزة كركوبة، من كثرة البرد والرطوبة".. عساها رحمة الله كي لا يتفشى الوباء و يربو ضحاياه..مرحمة بالمشردين في الشوارع، و مرثاة بالجائعة بطونهم، والمهلهل ردائهم، والمهترئة أفئدتهم. أسترجع حين كنت في التاسعة من عمري، استأنست مع عائلتي و أصدقائنا المسيحيين والمسلمين، دير المحرّق، ضمن رحلات كنسيّة لازمّناها صبيحة عيد الغطاس من كل عام، بصرت الدير للتارة الأولى، ذاك الذي به أول كنيسة في التاريخ على الجبل الذي عاش به السيد المسيح بصحبة السيدة العذراء والقديس يوسف النجار، داخل الصحراء الغربية بصعيد مصر، و طوراً كانت رحلاتنا في عيد الغطاس إلى المغارة المقدسة بجبل درنكة التي لجأت لها العائلة المقدسة في رحلة الهروب من بطش الملك هيرودس، وكانت مستقر وخاتمة مواقع إختباء مسار العائلة المقدسة التي استغرقت ثلاثة سنوات ونصف، باركت فيها أرض مصر وشعبها، لتقرر العودة إلى فلسطين بعد ممات الملك هيرودس. غطاس هذا العام مغاير، لا قداسات ولا رحلات كنسية إلى الأدير، لكن المحبة أبدية و مأكولات الغطاس أيضا، ونرتل:" تهلل مثل الحملان أيها الأردن وبريّته لأنه جاءك الحمل الذي يرفع خطيئة العالم".