حسين خيري يكتب: لهذه الأسباب يعلن المكان براءته

غير مصنف31-1-2021 | 13:53

لا تلق باللوم على طبيعة المكان الذي تعيش فيه، لشعورك بأن سبب تعاستك هو مكانك الذي تقيم فيه، واعلم أن صخور المكان أو طبيعة حجرات البناء ليست مسئولة وحدها عن حرمانك من السعادة، فالمكان يصبح جنة بأخلاق ساكنيه السوية، ويكسوه القبح عندما تفسد. ومعايير السعادة لأي مكان يرسخها الإنسان بنفسه علي أرض هذا المكان، ولذا وضعت هيئة الأمم المتحدة معايير للسعادة، وحددت يوم 20 مارس اليوم العالمي للسعادة، وكان من أهم هذه المعايير  غياب الفساد، ومستوى دخل الفرد، ومستوى الصحة النفسية والجسدية، وتوافر فرص العمل. وغالبا تجد الأمم المتحدة تطابقا فى معايير السعادة بين الدول الإسكندنافية كالدنمارك وفنلندا وآيسلندا والنرويج، وعبر السنوات الماضية وإلي الآن تتأرجح صدارة مؤشر السعادة بين هذه الدول، والسبب أن كل القائمين على أراضيها يلتزمون بتطبيق القانون، وتسود بينهم المعاملة الحسنة. والمكان بالنسبة للإنسان عاملا مهما فى بناء حضارته، وقد ينتقل من مكان لآخر بحثا عن الاستقرار، وحتي يستطيع الإنسان فك طلاسم طبيعة المكان المحيط به، أسس قواعد ومبادئ علم الجغرافيا، لتمكنه من اكتشاف أساليب عملية وعلمية للتعامل مع طبيعة كل مكان سواء صخرية أو رملية أو رخوة، مثل كيفية استخراج المعادن والمياه من الآبار. وكان للمكان تأثير كبير على ثقافة الإنسان، وقدم متخصصون أبحاثا عن مدى تفاعل الإنسان مع واقعه، ولذا بلغ العرب ذروة الفصاحة فى أشعارهم، لما أتاحه إليهم طبيعة مكانهم الصحراوي من فرصة التأمل بين الجبال وأوديتها. وكثيرا يحمل المكان خصوصية لدى الإنسان، ويذكره بأحداث سعيدة، وقد يكون مدة استغراقه فى هذا المكان لم يكن سوى بضع ساعات أو دقائق، ودائما يدفعه الشوق إلى المرور عليه من وقت لآخر، حتى لو صار المكان أطلالا. ويرى البعض أماكن لا تصلح للعيش الآمن أو للاسترخاء، ويراها آخرون الأفضل لتأملاتهم، ورسولنا الكريم كان غار حراء هو المكان المناسب ليتعبد فيه، برغم وعورة الوصول إليه وشدة ظلمته، وكان كهفا فى أحد الجبال الملاذ الآمن لأهل الكهف، والآن كثير من الأثرياء يلذون هربا من صخب المدينة إلى قرى بسيطة، حيث الطبيعة البكر مثل قرية البطريرك فى روسيا. والتنوع فى طبائع الأماكن ضرورة لإحداث توازن بيئي ونفسي، وناتجة عن دورة كونية تؤدي إلى استمرار الحياة، ويظهر ذلك فى اختلاف درجات الحرارة بين الشمال والجنوب، وفى الشمال كائنات لا يمكنها الحياة إلا فى البرودة، وتتلاءم طبيعة الحياة أيضا فى النصف الثاني من الأرض مع كائناتها، والإنسان يحتاج لهذا التنوع. ويكتشف العلماء حقيقة تنفى الاعتقاد السائد عن أن درجات الحرارة المرتفعة تؤثرا سلبا على صحة الإنسان، ورصد باحثون فى كلية لندن للصحة والطب الاستوائي أن وفيات الأجواء الباردة أكبر بمقدار 20 ضعفا مقارنة بوفيات ارتفاع درجات الحرارة الشديدة فى أيام الصيف الحارقة، وكان رصدهم بناء على دراسة لهم فى قياس تأثير التغييرات الحرارية علي الوفيات، ومن جانب آخر شكك علماء فى نسبة نتيجة هذا البحث. وبصفة عامة يمثل المكان عاملا أساسيا فى بناء الحضارات الإنسانية، ولهذا أقام الإنسان الفرعوني حضارته على وادي النيل، والإنسان البابلي بنى حضارته على وادي الفرات. وحدد الله أماكن ليقدسها الإنسان عن سائر الأماكن علي الأرض، كما جعل بشرا نقدسهم كالأنبياء، واختص أزمنة لتقديسها، غير أن الله أعطى للإنسان حريته فى البحث عن المكان الملائم لاستقرار حياته عليها، وعرّفنا أن أرضه واسعة لكي نسعي فيها ونحيا آمنيين، فكان البديل لسيد الخلق لإقامة دولة الإسلام هي المدينة المنورة برغم قداسة مكة، وفى عصرنا الحالي ترك أثرياء روسيا وغيرهم المدن والقصور، وعاشوا على الجبال وبين الوديان. ومن أجل ذلك كان سمو المكان أو انحطاطه فى يد الإنسان، وطبيعة المكان بصخوره وأنهاره بريئة مما يلصقها بها من لومه أو اتهاماته.
    أضف تعليق

    وكلاء الخراب

    #
    مقال رئيس التحرير
    محــــــــمد أمين
    إعلان آراك 2