محمد أمين يكتب: بناء وطن

غير مصنف12-2-2021 | 23:33

الشعوب صانعة الحضارات، لكن دون قيادة رشيدة وواعية وإرادة فاعلة لا تستطيع أن تحقق إلا القليل، فالأوطان تبنيها أيادي المخلصين من الباحثين عن مستقبل أفضل لأوطانهم. وخلال العصر الحديث لم تنهض دولة من كبوتها إلا بإرادة قوية وثقة شعبية في القيادة، لتتقدم الدول وتشهد أكبر عملية نمو حضاري في المجالات كافة. ومع بداية القرن العشرين، نهضت العديد من الدول، وتراجعت أخرى، بينما أُصيبت دول ما يوصف بالعالم الثالث بحالة من السكتة الدماغية أثرت بشكل كبير على قوى الدولة. ساهمت في تلك الحالة العديد من المتغيرات الداخلية والخارجية، وما شهدته دولنا العربية خلال القرن العشرين والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين كان بمثابة محاولة للإبقاء على حياة شعوب تلك المنطقة، لتشهد مع بداية العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين حراكًا جديدًا وخطة محكمة استهدفت تقطيع أوصال المنطقة بالكامل بل أكثر من ذلك فقد وصل الأمر استهداف تفتيت الدول وهدم مؤسساتها. هنا فطنت بعض الدول (مصر) لحجم ما يُحاك لها سريعًا واستطاعت استعادة مؤسسات الدولة سريعًا وبناء أركانها لاستعادة قوة الدولة. بينما سقط البعض الآخر فى أتون الفوضى مدفوعًا نحو هدم الدول (ليبيا، اليمن، سوريا، لبنان، العراق). ومع بداية العقد الثالث من القرن الحادى والعشرون بدأت تلك الشعوب تدرك الخطر الذى سقطت فيه على مدى 9 سنوات، وتحاول خلال الفترة الحالية أن تعود إلى المسار الصحيح وسط مقاومة شديدة من دعاة هدم الدول لاستمرار تلك البلدان فى حالة الفوضى. فى الوقت الذى تئن فيه تلك البلدان من حالة اللادولة، تواصل الدولة المصرية تحركها بقوة نحو بناء دولة حديثة تحمل كافة مقومات الدول الكبرى وتشهد نموًا اقتصاديًا وحركة عمران غير مسبوقة وتطور فى كافة مناحى الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، لتزداد قوة الدولة، الأمر الذى لم يكن ليحدث لولا وعى القيادة وثقة الشعب فى قائده ومؤسسات دولته، مما جعل تلك الثقة من بين أهداف قوى الشر التى فشلت فى استهدافها رغم تكرار المحاولة. حرص الرئيس عبد الفتاح السيسي منذ توليه السلطة على أن يكون الهدف إعادة بناء الوطن رغم التحديات والتهديدات التى تواجه الدولة من كافة الاتجاهات. وهنا كان القرار بالعمل على المحاور الآتية:
  •  تثبيت أركان الدولة المصرية.
  •  إعادة بناء المؤسسات.
  •  خلق حالة الوعى بما تواجهه الدولة من تهديدات ومخاطر وتحديات فى منطقة تموج بالاضطرابات.
  • ضرورة إيجاد حلول غير تقليدية لمواجهة كافة المشكلات.
  • مشاركة الشعب فى بناء الدولة.
  • وضع خطة شاملة يكون فيها التحرك وفق الأولويات التى تحددها مجموعات الدراسة المتخصصة ذات الاحترافية العالية فى تلك التخصصات.
  • الحوار الدائم بين القائد والشعب.
لم يكن الأمر سهلًا، فهناك العديد من التحديات والمشكلات مثل تدنى مستوى البنية التحتية وارتفاع حجم العشوائيات والمناطق الخطرة وسوء وضع الرعاية الصحية وفيروس «سى» يلتهم أكباد المصريين وزيادة حجم البطالة لتبلغ أرقامًا قياسية 14. 3% وانخفاض مستوى المعيشة وتدهور التعليم وانهيار الاحتياطى النقدى وانكماش الرقعة الزراعية وزيادة النمو السكانى مع انخفاض حجم الناتج المحلى. كل تلك المشكلات والتحديات كانت تقابلها محاولات خارجية لضرب أمن واستقرار الدولة وسيطرة الجماعات والتنظيمات الإرهابية مستغلة الحالة التى كانت تواجهها مصر والمنطقة عقب يناير 2011. تمثل التحدى الأكبر فى ضرورة بناء الدولة، وهو ما لم يكن يحدث دون استقرار فى ظل محاولات التنظيم الإرهابى ومعاونيه من الدول الخارجية (قطر- تركيا) ضرب الأمن والاستقرار من خلال تنفيذ عناصرها للعمليات الإرهابية. بدأت القوات المسلحة والشرطة المصرية مواجهة تلك العناصر ونجحت فى هزيمة الإرهاب. بالتوازى مع ذلك كانت الرؤية الخاصة بالتنمية والبناء تشمل كافة القطاعات فى توقيت متزامن، وذلك فى محاولة لتقليل وقت تنفيذ للمشروعات مع الالتزام بدقة التنفيذ. بدأ أول مشروع قومى فى القرن الحادى والعشرون وبالتحديد فى السنة الرابعة من العقد الثانى (2014) حفر قناة السويس الجديدة بأموال المصريين وبأيدى المصريين، وخلال عام واحد تم الانتهاء من المشروع، واجتمع المصريون على قلب رجل واحد لبناء دولتهم، وبثقة فى رؤية القائد ما زالوا يواصلون العمل. وبمشاركة 84 شركة مدنية وتوفير 150 ألف فرصة عمل تم الانتهاء من المشروع ليساهم فى زيادة دخل القناة بنسبة تصل إلى 22% رغم تأثر حركة التجارة العالمية بحالة التوتر فى المنطقة، ومن المتوقع مع عودة طريق الحرير أن تتضاعف عائدات قناة السويس لتصل إلى 7 مليار دولار. وبالتوازى مع مشروع حفر قناة السويس الجديدة، كان التخطيط للمشروع القومى للطرق، والذى بدأ العمل فى تنفيذه عقب الانتهاء من حفر قناة السويس لتُضاف إلى الشبكة القومية للطرق أكثر من 7 آلاف كيلو متر بالإضافة إلى تطوير الشبكة القديمة وإعادة توسعة عدد منها ليرتفع تصنيف جودة الطرق المصرية من المركز الـ 118 على مستوى العالم إلى المركز الـ 28 بواقع 90 مركزًا. لم يكن الهدف من المشروع بناء المزيد من الطرق ولكن تطوير البنية التحتية لجذب مزيد من الاستثمارات وفى الوقت ذاته توفير فرص عمل من خلال الشركات العاملة على إنشاء الشبكة القومية للطرق، إذ بلغ حجم فرص العمل التى وفرها المشروع حوالى 2 مليون و800 ألف فرصة عمل، ليرتفع مستوى معيشة أكثر من 10 مليون مواطن. كما انخفض معدل حوادث الطرق بنسبة 41. 1% وانخفض عدد الوفيات بنسبة 50. 5%. بالتوازى مع المشروع القومى للطرق كان مشروع حفر حزم الأنفاق الثلاثة (تحيا مصر بالإسماعيلية و3 يوليو جنوب بورسعيد والشهيد أحمد حمدى 2 بالسويس) أسفل قناة السويس، ولأول مرة تمتلك مصر أربعة ماكينات حفر عملاقة. وبالتزامن مع مشرو6ع الأنفاق الثلاثة بدأ مشروع تطوير محور قناة السويس ومشروع تنمية سيناء لتشهد إقامة أكبر حركة عمران وتنمية فى تاريخها، فتم إنشاء مدينة الإسماعيلية الجديدة ومدينة رفح الجديدة ومدينة العريش الجديدة ومدينة السلام، واستصلاح 400 ألف فدان وإنشاء أكبر شبكة طرق طولية وعرضية من خط الحدود الدولية شرقًا وحتى القناة وخليج السويس غربًا، ومن البحر المتوسط شمالًا وحتى مدينة طابًا وشرم الشيخ جنوبًا. بالتزامن مع تلك الأعمال كانت عملية مواجهة أكبر خطر يهدد الدولة من الداخل (العشوائيات)، فقد بلغ حجم العشوائيات (المناطق غير المخططة) فى مصر أكثر من 50% وباتت تلك الأزمة تهدد الدولة المصرية وتقف حجر عثرة، مما جعل العديد من الحكومات خلال عقود متتالية تبحث عن مسكنات لمواجهتها. أما المناطق العشوائية غير الآمنة والتى كانت تزيد على 375 منطقة فلم يكن يتم اتخاذ أى إجراء بشأنها إلا بعد وقوع كارثة يعقبها تحرك بنقل بعض الأسر إلى مساكن الإيواء وتعود المنطقة أكثر خطرًا. كانت علمية إيجاد حل جذرى لسكان المناطق غير الآمنة للحفاظ على أرواحهم هو إيجاد سكن بديل لهم يليق بالمصريين، فكان مشروع الأسمرات (1) ثم توالى العمل ليشمل الأسمرات 3 وأهالينا 3 والمحروسة 2 وروضة السيدة وبشاير الخير 2 وغيرها من المناطق، ليتم الانتهاء من 296 منطقة وتصبح 14 محافظة خالية من المناطق غير الآمنة وجارى الانتهاء من الباقى لتنتهى مشكلة المناطق العشوائية غير الآمنة من مصر بنهاية 2022. وعلى هذا النحو يتم العمل على أن تصبح مصر خالية من المناطق العشوائية غير الآمنة بتكلفة بلغت 61 مليار جنيه، ويتم الانتهاء من تطوير المناطق العشوائية بالكامل (المناطق غير المخططة)، وكذلك تطوير الريف وعواصم المدن 2023 لتصبح مصر فى ذلك التاريخ خالية من العشوائيات. بالتوازى مع المشروع الخاص بتطوير العشوائيات كان مشروع تطوير الإسكان الخاص بمحدودى الدخل فتم إنشاء مليون و 500 ألف وحدة سكنية وإنشاء 30 مدينة جديدة من مدن الجيل الرابع، ليساهم قطاع التشييد والبناء بتوفير أكثر من 4. 5 مليون فرصة عمل ترفع مستوى معيشة 20 مليون مواطن. كما يساهم المشروع بالتوازى مع عدد من القطاعات الأخرى فى خفض البطالة إلى 7% نظرًا لأن قطاع التشييد والبناء من القطاعات كثيفة العمالة كما تساهم حركة نشاط هذا القطاع فى زيادة الاستثمارات وتطوير الصناعات الخاصة بمواد البناء وصناعات الحديد. لم يكن التحرك فقط فى تلك القطاعات فقد كان قطاع الصحة قد حظى بتحرك واهتمام خاص بالتوازى مع قطاع التعليم فى إطار حرص القيادة على بناء الإنسان، حيث أطلقت الدولة أكبر مبادرة فى تاريخ مصر لتعيد الحياة إلى أكباد المصريين التى ضربها فيروس «سى»، ويبدأ أكبر مشروع لعلاج الفيروس بالمجان وتصبح مصر صاحبة أكبر تجربة صحية لمكافحة فيروس «سى» تشيد بها منظمة الصحة العالمية وتعتبرها نموذجًا يُحتذى به. وينطلق تطوير القطاع الصحى نحو مشروع التأمين الصحى الشامل، وفى الوقت ذاته تنطلق عدة مبادرات رئاسية منها القضاء على قوائم الانتظار على حساب الدولة بتكلفة 3 مليار، حيث تم إجراء 360 ألف عملية جراحية، وكذلك مبادرة 100 مليون صحة ومبادرة الكشف عن الأمراض غير السارية، ومبادرة الحفاظ على صحة المرأة. كان لتلك المجموعة من المبادرات دورًا كبيرًا فى نجاح الدولة والقطاع الصحى على مواجهة جائحة كورونا. وبالتزامن مع تطوير القطاع الصحى كان التطوير فى قطاع التعليم ما قبل الجامعى من خلال إطلاق المشروع القومى لتطوير التعليم وإنشاء المدارس التكنولوجية والمدارس اليابانية والذى بدأ منذ ثلاث سنوات وسوف يتم تقييم مخرجات التجربة العام القادم، كما كان للتعليم عن بعد دوره فى مواجهة تداعيات جائحة كورونا. تم أيضًا تطوير التعليم الجامعى والتوسع فى إنشاء الجامعات الحكومية والأهلية لرفع مستوى جودة التعليم وتطوير المناهج وفق احتياجات سوق العمل. كما تم بالتوازى مع تلك المشروعات العمل على التوسع فى الرقعة الزراعية لتعويض المساحات التى تآكلت من الرقعة الزراعية القديمة لحساب البناء العشوائي، إذ تم العمل على مشروع زراعة مليون ونصف فدان وكذلك إنشاء 100 ألف صوبة زراعية يبلغ حجم الإنتاج منها 5 أضعاف إنتاجية المساحة الزراعية المماثلة لها وفق الزراعة التقليدية مما يساهم فى ضبط الأسعار وتوافر السلع الغذائية. لم يكن ذلك فحسب بل تم تطوير مشروعات الثروة الحيوانية وكذلك إعادة الحياة إلى البحيرات المصرية بعد إطلاق أكبر مشروع لتطوير البحيرات وإنشاء المزارع السمكية ليتقلص حجم الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك من الأسماك إلى 20% فقط، وقريبًا سنصل إلى حد الاكتفاء الذاتى بعد أن كان حجم الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك يصل إلى 75 %. كما تحول قطاع الطاقة (الكهرباء والمواد البترولية) من العجز إلى الوفرة بعد تنفيذ استراتيجية ساهمت فى تحويل مصر بعد 6 سنوات إلى مركز طاقة إقليمى. كل ما سبق ليس سوى جزءً مما حدث في مصر على مدار 7 سنوات كانت بمثابة نقطة انطلاق لدولة قوية تستعد لتتبوأ مكانتها بين الدول الكبرى في وقت لا يعترف العالم فيه إلا بلغة الكبار.
    أضف تعليق

    بريكس بلس .. فرص وطموحات وتحديات

    #
    مقال رئيس التحرير
    محــــــــمد أمين
    إعلان آراك 2