عمرو سهل يكتب: «حلــق» عمرو دياب

عمرو سهل يكتب: «حلــق» عمرو ديابعمرو سهل يكتب: «حلــق» عمرو دياب

غير مصنف23-2-2021 | 14:04

إن طبيعة الفن وكينونته هي الإبداع واصطياد الجمال في الكون وإعادة صياغته وتقديمه للمتلقي وكلما كانت المسافة قريبة بين الإبداع والمبدع عانق عمله الخلود لذلك نري بيننا أسماء مبدعين ما زالت تتردد على أسماعنا رغم رحيلها عن دنيانا منذ ما يقرب من نصف قرن إلا أن حضورها مازال قويا تتواري معه حقيقة الموت الذي غيبهم جسدا وأبقاهم ذكرا. وكانت صدمتي كبيرة وأنا أتابع موجة الجدل التي صاحبت ظهور النجم عمرو دياب المغني الأشهر في عالمنا العربي ومع الأسف لم يكن الجدل حول ابداعه او أغنيته أو كلماتها أو مسار لحنها بل كان الجدل حول ظهوره مرتديا "حلق" في أذنه خلال برومو ترويجي لعطر جديد يحمل اسمه.. حلق أيها الهضبة وهنا تساءلت طويلا عن دور القدوة في حياة فناني العصر وهل يعد رقما معتبرا في حياتهم وحساباتهم وهل يدرك فناني العصر اليوم أنهم يخطون بيدهم أرشيفا قد يجلب لهم الرحمات بعد الرحيل كما يمكن أن يجلب لهم اللعنات وهنا قررت استدعاء الماضي والتفتيش فيه فلم أجد يوما أم كلثوم وهي ترتدي بدلة رجالي وهي تروج لإحدى قصائدها ولم أجد عبد الوهاب وقد ارتدي باروكة مثلا لتصوير أحد أفلامه كما لم أجد عبد الحليم حافظ وقد صبغ شعره بلون ذهبي على سبيل المثال بل وجدت أن هذا الجيل لم يكن يهتم بإبهار معاصريه إلا بإبداعه عن طريق اختيار الكلمات المحلقة في آفاق الوجدان واللجوء إلى ظليل النغمات الساحرة والاحتماء بالذوق العام بشكل عام كانوا يدركون أن خلودهم وبقاءهم كان مقرونا بمدى قدرتهم على الاقتراب الحثيث من مبدعيهم بان يكونوا لسان حالهم للتعبير عما يدور بخلدهم كانت هي تلك المعادلة الصعبة التي عجز عن انتاجها أجيال متعاقبة جعلت من غير المألوف سلما لتحقيق الشهرة وتسجيل نجاح مؤقت تلغيه الموضة وتتحكم فيه شطحات الاستغراب. وهنا قد يأخذنا حب معجبي عمرو دياب إلى ساحة التبرير تحت وطأة الإعجاب التي تفسد علينا الرؤية وتغيب عن مسارنا بوصلته فقد يقول معجب إن عمرو دياب كان موقعا لعقد قد يجبره فيه المخرج على الظهور مرتديا "حلق" أيه اللي فيها.. وهنا تكون الإجابة بسيطة بأن عمرو دياب تحول إلى مانيكان لا إرادة له يجبر على الظهور وفق مالكه لا يا سيدي إن عمرو دياب بات له رصيد من الشهرة يسمح له أن يقبل ويرفض وهو الرصيد الشعبي الذي يجبره على أن يراقب ويتحسب من رد فعل منتقديه قبل معجبيه فقد بات في خانة الرمز الذي ينظر إليه كثير من الشباب ان ما يصدر منه هو الأحدث والأجمل وليسأل عمرو دياب نفسه هل رأي أحدا من ابناء بلده يستسيغ أو يقبل أن يرتدي "حلق" أم أن مجتمعه الذي منحه الشهرة يعتبر أن "الحلق" من زينة النساء؟! هل ترددت في عقل الهضبة عمرو دياب كلمات الرئيس السيسي عن دور الفن وأهميته في صياغة وجدان المصريين وكان الفن صنوان كفاحهم في كافة مراحل نضال الوطن بل كانت شريكا بالدفع والتوثيق لذلك النضال. هل رضخ عمرو دياب إلى قانون الإدهاش ومبدأ "اللقطة" الذي يصنع أنصاف الفنانين وتجار الفن وقبل على نفسه أن يتنازل عن مبادئ مجتمعه وقانونه مثله مثل "الموديل" التي ترتدي ما يطلب منها رغم غرابته في عروض الأزياء.. هل بات كل شئ خاضع لقانون الشراء والبيع. أظن أن ظهور عمرو دياب مرتديا "حلق" كان خطأ غير مقصود من نجم تحوطه ملايين القلوب بالحب والإعجاب وأنه تحت ضغط ما أو تبرير مغلوط تكونت لديه قناعة أن هذا الظهور من باب "السياق الدرامي" وهي العبارة التي ترتكب تحت لوائها أفظع الجرائم وتتحطم بها أرسخ الأخلاقيات.. على اي حال إن عتابي للهضبة عتاب محب مقدر لرحلة تتجاوز العشرين عاما تكبد فيها عمرو دياب الكثير لتكلل بالنجاح فمن العقل ألا يهدر الشخص هيبته بيديه والرجوع إلى الحق فضيلة .. وخيرها في غيرها يا هضبة خيرها في غيرها يا فنان فلتبهرنا بإبداع حقيقي لا بـ"حلق في أذنك"
    أضف تعليق

    حكايات لم تنشر من سيناء (2)

    #
    مقال رئيس التحرير
    محــــــــمد أمين
    تسوق مع جوميا

    الاكثر قراءة

    إعلان آراك 2