من أعقد وأدمى جرائم الإبادة ضد البشر، ما فعله المستعمرون ضد السكان الأصليين لأستراليا، والكثير يتكلم ما بين الحين والآخر عن عمليات إبادة المستعمرين الأوربيون للهنود الحمر في الأمريكتين، وأيضا ما فعله النازيون والصهاينة ضد البشرية، لكن لا أحد حول العالم ينظر بقوة لعمليات الإبادة الدموية التى تعرض لها السكان الأصليون لأستراليا.
ولمن لا يعرف فإن سكان استراليا الأصليين، هم السكان الذين استوطنوا أراضي قارة استراليا منذ آلاف السنين واستطاعوا أن يؤسسوا مدنهم وحضارتهم الخاصة المعزولة عن بقية العالم ، حتى وصل إليهم الاستعمار الأوروبي بعد اكتشاف القارة، وكانت هذه لحظة بؤسهم الحقيقية.
ويتسم هؤلاء السكان بالعديد من المواصفات المختلفة والتي تجعل لحياتهم طابعا خاصا ومميزا ومختلفا عن المستعمرين وأبناءهم.
سكان استراليا الأصليين، وفق الرصد المعلوماتى، هم من يكونون الشعوب الأصلية في البر الرئيسي الأسترالي والعديد من الجزر، مثل جزيرة تسمانيا وجزيرة فريزر وجزيرة هينتشينبروك وجزر تيوي وجزيرة جروت.
ويتكون السكان الأصليون الأستراليون من العديد من الشعوب المتميزة التي سكنت أستراليا لأكثر من 50000 سنة.
وهذه الشعوب لها تاريخ جيني مشترك على نطاق واسع ، وإن كان معقدًا ، ولكن في المائتي عام الماضية فقط تم تعريفهم كمجموعة واحدة.
ويشير مصطلح ” سكان استراليا الأصليين ” إلى جميع السكان الأصليين الأستراليين بالإضافة إلى سكان جزر مضيق توريس.
وفي الماضي ، عاش السكان الأصليون الأستراليون على أجزاء كبيرة من الجرف القاري وتم عزلهم في العديد من الجزر البحرية الصغيرة.
ولا تزال الدراسات المتعلقة بالتكوين الوراثي لمجموعات السكان الأصليين جارية ، ولكن الأدلة تشير إلى أن لديهم وراثة جينية من الشعوب الآسيوية القديمة.
كذلك تثبت بعض الدراسات أنهم يتشاركون بعض أوجه التشابه مع سكان بابوا ، ولكن تم عزلهم عن جنوب شرق آسيا لفترة طويلة جدًا.
وقبل عمليات الإبادة الأوروبية الواسعة ، كان السكان الأصليون يستخدمون أكثر من 250 لغة أصلية.
كذلك يعيش العديد منهم في أنحاء متفرقة من العالم كجزء من الشتات الأسترالي.
وحاليا يتحدث معظم السكان الأصليين اللغة الإنجليزية ، مع إضافة العبارات والكلمات الخاصة بالسكان الأصليين والتي تضفي طابعا خاصا على اللغة الإنجليزية المستخدمة بينهم، بعدما أجبرهم الاستعمار عليها.
ولكن يعاني السكان الأصليون الأستراليون من عدد المشكلات التي تتمثل في الحرمان من الخدمات الصحية والاقتصادية مقارنة ببقية المجتمع الأسترالي، لتستمر معاناة الابناء التاريخية، على طريقة معاناة الآباء والأجداد.
ووجدت دراسة وراثية لجينوم 111 من السكان الأصليين الأستراليين أن هؤلاء السكان اليوم يرتبطون بأسلاف مشتركين من مجموعات سكانية متميزة ظهرت في البر الرئيسي منذ حوالي 50000 سنة.
وتقول النظرية الحالية أن هؤلاء المهاجرين الأوائل جاءوا أنفسهم من إفريقيا قبل حوالي 70،000 سنة ، مما يجعل السكان الأصليين الأستراليين هم من أقدم السكان الذين يعيشون خارج أفريقيا.
وعندما بدأ المستعمرون البريطانيون في استعمار أستراليا عام 1788 ، كان يقدر السكان الأصليين من 750.000 إلى 1.25 مليون.
ولكن سرعان ما دمرت عمليات الإبادة والأوبئة الموجهة سكان الجزيرة الأصليين ، واستولى المستعمرون البريطانيون على أراضي السكان الأصليين، في أكبر عملية إحتلال وقتل بلا أى عقاب حتى الآن.
وعلى الرغم من أن بعض السكان الأصليين الأستراليين قاوموا ، حيث نجد أن ما يصل إلى 20000 من السكان الأصليين ماتوا في صراع عنيف في مواجهة المستعمرين، إلا أنه قد تم إخضاع معظمهم للمذابح وإفقار المجتمعات التي استولى المستعمرون البريطانيون على خيراتها.
بين عامي 1910 و 1970 ، أدت سياسات الاستعمار إلى ترحيل ما بين 10 و 33 بالمائة من أطفال أستراليا الأصليين قسراً من منازلهم، وقد وُضعت هذه “الأجيال المسروقة” في حضانة أسر ومؤسسات بالتبني وحُرمت من التحدث بلغاتها الأصلية ، وغالبًا ما تم تغيير أسمائهم أيضا.
واليوم ، حوالي ثلاثة بالمائة من سكان أستراليا يحافظون على تراث السكان الأصليين، رغم كل هذه المعاناة والجرائم التى يتعرضوا لها.
ولا يزال السكان الأصليون الأستراليون يكافحون من أجل الاحتفاظ بثقافتهم القديمة والنضال من أجل الاعتراف – ورد الحقوق – من الحكومة الأسترالية.
ورغم محاولات التمويه الاستعمارية على هذه الجرائم التاريخية الدموية التى تعرض لها السكان الأصليين، لم تعلن أستراليا بشكل رسمي الاعتراف بهؤلاء الضحايا أصحاب الأرض حتى الآن ، مما يجعلها أستراليا الدولة الوحيدة في الكومنولث البريطاني التي لم تصدق على معاهدة مع شعوبها الأصليين.