الدكتور بباوي وعبقرية محمد

الدكتور بباوي وعبقرية محمدرجب البنا

الرأى12-6-2021 | 09:17

فى آخر لقاء لى مع الدكتور نبيل لوقا بباوى قبل رحيله أهدانى كتابين، أحدهما بعنوان «عبقرية محمد» والثانى بعنوان «محمد والخناجر المسمومة الموجهة إليه»، والدكتور بباوى كان وكيل لجنة الإعلام والثقافة بمجلس الشورى، وعضو الأمانة المركزية للتدريب والتثقيف بالحزب الوطنى السابق، وعضوًا فى المجالس القومية المتخصصة، وحاصلاً على دكتوراه فى الشخصية الإسلامية، ودكتوراه فى القانون الجنائى، ودكتوراه فى الاقتصاد، ودكتوراه عن الدور الوطنى للكنيسة المصرية، كما كان يكتب مقالات فى الأهرام والأخبار، وفاز بجائزة الدولة فى العلوم الاجتماعية.. ومؤلفاته تزيد على 30 كتابًا.

وكان الدكتور بباوى يزورنى فى مكتبى بالأهرام حين كنت نائبا لرئيس التحرير ومسئولاً عن صفحات الرأى، كما كنت ألتقى به فى الكاتدرائية حين كنت أذهب إليها لتهنئة البابا شنودة بالأعياد.

وفى كتابه «عبقرية محمد» يقول إن شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم بلا شك شخصية تاريخية لا نظير لها فيها صفات العبقرية، لكنها ليست مثل عبقرية العباقرة الذين عرفهم التاريخ، فإن شخصية الرسول «فوق العبقرية البشرية» وكانت صفاته وأفعاله وأقواله تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أنه رسول الله، وهو كإنسان جمع كل صفات الكمال: الأمانة، والصدق، والزهد، والحكمة، والصبر، والعفة، والمثابرة التى
لا تعرف اليأس، والتسامح الذى لا يعرف الكراهية أو العداء إلا للكفر والكافرين وعبدة الأصنام، وحتى فى طفولته لم يكن كسائر الأطفال، كان هادئًا وكانت البركة تصاحبه فى كل مكان، وحين نزل عليه الوحى وظل يرتجف استشارت السيدة خديجة – زوجه أم المؤمنين – استشارت ابن عمها ورقة بن نوفل، وكان نصرانيًا، فسمع لها وقال: «قدوس، قدوس، لقد جاءه الناموس الأكبر الذى كان يأتى موسى، وإنه لنبى هذه الأمة».

يقول الدكتور بباوى إن النبى صلى الله عليه وسلم كان «قدوة» وصدق فيه قول الله عنه «لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فى رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ».. (الأحزاب – 21) فقد عاش حياته بسيطًا متواضعًا يشعر بآلام الفقراء والمرضى واليتامى والأرامل.. وظل كذلك قبل البعث وبعد البعث وبعد أن تحقق له النصر وفتح مكة، فلم يبحث لنفسه عن مكانة فوق البشر، ولا أراد لنفسه ثروة أو حياة مرفهة، بل عاش حتى آخر يوم من حياته حياة التقشف حتى إن أم المؤمنين السيدة عائشة قالت «إنه كان يخيط ثوبه، ويخصف نعله»، وقالت عن أخلاقه «كان أبر الناس، وأكرم الناس، ضاحكًا باسمًا»، وقال عنه الصحابى
عبد الله بن أبى أوفى: «كان يكثر الذكر، ويطيل الصلاة، ويقصر الخطبة، ولا يأنف ولا يستكبر أن يمشى مع الأرملة والمسكين فيقضى له حاجته»، وقالت السيدة عائشة: «ما ضرب النبى امرأة قط، ولا ضرب خادما قط، وما اختار بين أمرين إلا اختار أيسرهما مالم يكن إثمًا»، وكان يرفض الوشاية ويقول لأصحابه: «لا يبلغنى أحد منكم شيئا عن أحد من أصحابى، فإنى أحب أن أخرج إلى الناس وأنا سليم الصدر.. وكان يتقدم فى المعارك دفاعا عن أصحابه»، قال حارثة بن مضرب: «رأيت النبى يوم بدر ونحن نزود عنه وهو أقربنا إلى العدو فكان أشد الناس يومئذ بأسا، وفى موقعة الخندق فى العام الخامس الهجرى حفر المسلمون خندقا يمنع المشركين من دخول المدينة، قال أبو إسحاق: «رأيت رسول الله يوم الخندق ينقل التراب حتى وارى التراب صدره».

هكذا كان عليه الصلاة والسلام، كان يزور المرضى، ويسارع بالتعزية، ويسير فى الجنازات ويجيب دعوة البسطاء، وقال أنس: (كان رسول الله إذا افتقد رجلا من إخوانه ثلاثة أيام سأل عنه، فإن كان مريضا زاره)، وقيل أيضا: «كان رسول الله من أكثر الناس حلما وصبرا، حين مات ابنه إبراهيم من مارية القبطية وعمره 18 شهرا غابت الشمس يومها فقال الصحابة: «غابت الشمس حزنًا على ابن رسول الله، فقال لهم: إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا تغيب حزنا على أحد، وإن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن، ولا نقول إلا ما يرضى ربنا»، وقال أبو جعفر الرازى: «كان رسول الله يتفاءل ولا يتطير».

ومع إنه رسول الله، وفرض الله على المؤمنين طاعته «وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا» إلا أنه لم يكن ينفرد بالرأى إلا إذا كان وحيًا من الله، وفى غير ذلك كان يستشير أصحابه ويأخذ بالرأى الصائب، وظل مبدأ الشورى من المبادئ الأساسية فى حياته وبعد رحيله، ومن الأمثلة على ذلك بعد غزوة بدر استشار أصحابه فى التعامل مع الأسرى، فقال عمر: نضرب رقابهم لأنهم رءوس الكفر، وقال أبوبكر: نكتفى بالفداء لأن فيهم الآباء والأخوة والعمومة، وانتهى التشاور إلى اعتماد رأى أبى بكر، ونزل الرسول على رأى الأغلبية.

وتكرر ذلك فى كل موقف، لم ينفرد الرسول بالرأى، ولم يفرض رأيه على أصحابه أبدا، ولم يظهر عليه الضيق بالرأى المخالف، وفى هذا يختلف الرسول عن عظماء التاريخ فقد كان أكثرهم ينفردون بالرأى ويؤسسون للديكتاتورية.. وفى موقعة الأحزاب كان رأى الرسول الدفاع عن المدينة من داخلها، وخالف ذلك سلمان الفارسى واقترح حفر خندق خارج المدينة يمنع الكفار من دخولها، وأخذ النبى برأى سلمان.

هذا التواضع لم يغير نظرة المؤمنين إليه وسمو مكانته عندهم وحبهم له أكثر من حبهم لأنفسهم ولأهلهم، فهو الذى قال عنه الله «إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً»، وهو الذى انتصر بجيشه المحدود على أكبر جيوش العالم وهزم الإمبراطورية الرومانية، وقال الله عنه «هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ» فهو محاط بتأييد الله دائما، وهو الذى عاش فى حماية الله ولم يستطع الكفار أن ينالوا منه وقال الله: «وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ».

فى كتاب الدكتور بباوى نماذج وأمثلة كثيرة ووقائع تدل على اطلاعه الواسع عن سيرة الرسول من مصادرها الأصلية، ويذكرنى ذلك بالزعيم الوطنى مكرم عبيد الذى كان يحفظ القرآن ويستشهد بآياته فى خطبه ويقول: «إننى أقرأ القرآن كما أقرأ الإنجيل، وأتعظ بعظاته، لأنى مؤمن بالواحد الديان».

عنوان:

لم يكن النبى ينفرد بالرأى إلا إذا كان وحيًا من الله وفى غير ذلك كان يستشير أصحابه ويأخذ بالرأى الصائب

أضف تعليق

أصحاب مفاتيح الجنة

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
تسوق مع جوميا

الاكثر قراءة

إعلان آراك 2