"الفن مساحة من السعادة"، بهذه الجملة البسيطة اختصرت النجمة اللبنانية راندة كعدي نجاحها المبهر الذي حصدته بعد مشاركتها في ثلاثة أعمال درامية مختلفة خلال الموسم الرمضاني الأخير، حيث تمكّنت بالفعل بقدراتها التمثيلية الفذّة من بث السعادة وروح التعاطف في قلوب المشاهدين من خلال دورها الممتع "أم الديب" في مسلسل "2020"، وشخصية "حنان" اللطيفة وما حملته من رسالة إنسانية مهمة عن "مكتومي القيد" في مسلسل "للموت"، لتكسر بعدها نمطية دور الشريرة مع "سمية" في مسلسل "راحوا".
ويمكن القول إنّ رندة كعدي كانت الرهان الرابح في الدراما لعام 2021، إذ قدّمت دور الأمّ في ثلاث قصص مركّبة، وأعطت لكل واحدة منها هوية مختلفة عن الأخرى، وتمكّنت بالأداء المقنع وبخبرتها التي اكتسبتها طوال سنوات من العمل في المسرح والدراما اللبنانية، من أن تقدّم ثلاثة أشكال متنوعة عن الأمومة، وتترك بالتالي بصمة خاصة وتكون بارقة أمل لزملائها النجوم المخضرمين بأنهم قادرون على إنجاح أي عمل إذا تجرّأت شركات الإنتاج وأسندت إليهم أدوار البطولة المطلقة من خلال حكايات تنقل واقع هذه الفئة العمرية في المجتمعات العربية.
- كنتِ نجمة أعمال رمضان هذا العام بثلاثة أدور مختلفة، هل يمكن وصف الأمر بالمغامرة وكم كان صعباً التلوّن لابتكار أدوات كل شخصية في المسلسلات الثلاثة؟
في الواقع، عُرضت المسلسلات الثلاثة بالمصادفة خلال الشهر الفضيل، حيث يكون الناس مستعدّين للمشاهَدة ولاستقبال النجوم في منازلهم، إضافة إلى أن عرض المسلسلات على قناة MTV، يحظى بنسبة مشاهَدة عالية في لبنان والوطن العربي، الأمر الذي أتاح للمشاهُد أن يرى أدواري الثلاثة والتغيّر الذي قدّمته في شخصيات: "سمية" في "راحوا"، "الحجة ضحى" في "2020" و"حنان" في "للموت"، علماً أن التصوير تم في فترات متباعدة، فالمسلسل الأول صُوّر في 2019، الثاني في 2020، والثالث هذا العام.
أما بالنسبة الى الأدوات التي أستخدمها، فعادة أركّب السمات الخاصة بكل شخصية بعد أن أقرأ النص بتمعّن وأعرف محورها ومسارها ضمن أحداث العمل. كذلك أسأل الكاتب عن رؤيته لهذه الشخصية وتاريخها بالنسبة إليه، ومن ثم أبدأ العمل على تفاصيل الشخصية مع مدرّبتي الخاصة، وهي ابنتي تمارا كريستينا حاوي، فنعمل معاً على الخيوط الدقيقة بدءاً من شكل الشخصية وصولاً الى القالب العام الذي تصب فيه هذه الشخصية. وعلى سبيل المثال، دوري "الحجة أم الديب" حتّم علينا أن نجعل تصرفاتها عابرة لكل الطوائف، فرسمنا ملامح الشخصية الطيبة، الخدوم والسموح، وركّزنا على كل التفاصيل كما لو أننا نعمل على مسرحية. أنا لا أستخدم الأداء الجاهز إلاّ إذا استجدّ أمر ما خلال التصوير على أن يكون من ضمن الشخصية. ولا بدّ من استشارة المخرج الذي يدير العمل فأبدي له رؤيتي واستعدادي لأوافق على أي تعديل يطلبه لكي يخرج العمل حقيقياً للمشاهُد.
- كان لشخصية "أم صافي" في مسلسل "2020" وقعٌ كبير على المشاهد، ما الذي جذب الناس لتلك الأمّ ودفعهم للتأثر بها ومعها؟
الصدق هو أساس تعلّق المشاهدين بشخصية "أم الديب"، والأمر بدأ تدريجاً بتصديقي للنص ولهوية الشخصية وتاريخها وموروثاتها من الطيبة واللهجة ونقل كل ذلك الى المشاهد بسلاسة. ربما ساعد انتشار وباء كورونا على نجاح الدور وجذب المشاهُد، خاصة أننا أُجبرنا على الابتعاد عن أهلنا الكبار في السنّ وما عدنا نلتقي بهم خوفاً على صحتهم، وبالتالي بتنا نشتاق الى غمرهم وشمّ رائحتهم... لذلك تعلّق الجميع بشخصية "الحجة ضحى" الافتراضية والتي تشبه كل أمّ تتميّز بالكرم والطيبة. إضافة إلى أنه حين يكون النص مكتوباً بحِرفية والإخراج مبدعاً والتمثيل صادقاً مع نخبة من الممثلين، فمن الطبيعي أن تسود أجواء الودّ والإيجابية في الكواليس وسيظهر ذلك بوضوح للمشاهُد. أيضاً التمثيل مع الملكة نادين نسيب نجيم التي أدّت بواقعية شخصية "حياة"، والنجم قصي خولي الذي أبدع في شخصية "صافي"، ساهم في تمتين خيوط الحبكة الدرامية للمسلسل بإدارة المخرج فيليب الأسمر الذي لا يقبل بأي خطأ... هذه كلها عوامل نجاح، إذا اجتمعت فمن المؤكد أن جمهور المشاهدين سيتعلّق بشخصيات المسلسل ويحرص على متابعته.
هل توافقين على المشاركة في الجزء الثاني من "2020" ببعض المشاهد ضمن أحداث العمل؟
حتى الآن لم يتواصل معي أحد، وفي الحقيقة لم أكن أعلم أن هناك جزءاً ثانياً من العمل، وأتمنى أن يكون لـ"الحجة ضحى" دور ما، ولكن الشخصية تغيّبت بموتها في سياق أحداث المسلسل، وبالتالي لا أعتقد أن "أم الديب" ستعود، لأن ليس من المنطقي استخدام مشاهد "فلاش باك" أو ذكريات تتعلّق بها.
- قدّمتِ في مسلسل "راحوا" شخصية مختلفة عن أدوارك المعتادة، وتلونتِ مع تفاصيل ملامح السيدة الفظّة والأم المؤذية، كيف استقبل الجمهور هذه الشخصية؟
أرى شخصية "الست سمية" (أم عماد) في مسلسل "راحوا" من أجمل الشخصيات التي تتحدّى الممثل. وكممثلين، ننتظر الشخصية الصعبة والمركّبة والتي لا تشبهنا لنخوض هذه التجربة، وإذا انزعج المشاهِد من الدور فهذا يعني أن الشخصية نجحت وأن أداء الممثل صحيح وصادق. مشاركتي في هذا العمل زادتني فرحاً لأنني تمكّنت من التلاعب بانفعالات المشاهدين بحيث تأثّروا بأدائي لشخصية "الحجة ضحى" وتعاطفوا معها في "2020"، ورفضوا "سمية" ليتعاطفوا من جديد مع شخصية "حنان" التي قدّمتها في "للموت"، وهنا تكمن لعبة الممثل. وفي الغالب، ما من ممثل يحب تقديم نوع محدّد من الأدوار، كما حصل معي من خلال ربط أدواري بالأمّ، لذلك كنت أحرص على الظهور بـ"لوك" جديد ومختلف في كل عمل ألعب فيه دور الأمّ. وهذا ما حصل فعلاً مع دور "أم عماد"، حيث استفزّتني هذه الشخصية وجعلت مني محارِبة شرسة انتصرت على ما كتبته الكاتبة كلوديا مارشليان على الورق وحوّلتها بالتمثيل إلى إنسانة تتنفس وتحكي وتتصرف.
- دورك في "للموت" بدا مختلفاً تماماً، ما هي طريقتك لتبتعدي عن التكرار وماذا تقولين عن الثنائية مع النجم أحمد الزين؟
شخصية "حنان" في مسلسل "للموت" كانت مختلفة، فهي لم تكن أمّاً عادية، بل مديرة ميتم، وقد تضمن الدور رسالة إنسانية نبيلة، مما جعلني أغوص أكثر في تفاصيل ما سأقدمه عن مكتومي القيد وأكشف الصعوبات التي يعانون منها في حياتهم. ولكي أبتعد عن التكرار، أركز دائماً على أبعاد النص وخيوط الشخصية لإيصالها بصدق إلى المُشاهد، وأصنع قالباً جديداً لكل دور بما في ذلك الشكل والصوت وتأدية الحركات...
أما عن الثنائية مع النجم أحمد الزين، فأؤكد أنه إنسان متواضع جداً ويعطي كل خبرته للممثل الذي يقف أمامه، ورغم أنني أتحدّر من مدرسة أكاديمية، ويتحدّر هو من مدرسة أخرى تلقائية، فقد جمع كل خبراته وقدّمها لي، وتمكّنا رغم المساحة الصغيرة لدورينا، من أن نجمع الخيوط التي تربط أطراف اللعبة ببعضها البعض لتبلغ مستوى النضج.
- نجحتِ في تأدية دور الأمّ بكل حالاتها... ما هي الشخصيات التي تتمنين تقديمها في المستقبل؟
أطمح الى تقديم شخصية تحمل في طيّاتها رسالة مهمة وتكون مؤثرة في مجتمعها إذ تعالج إحدى قضاياه، وقد تكون لامرأة ذكرها التاريخ أو شخصية تركت بصمة في المجتمع مثل الكاتبة والروائية المصرية نوال السعداوي. في المجمل، أدوار المرأة كثيرة وليس بالضرورة أن تكون أمّاً فقط، علماً أنني لم أندم على أي دور أمّ قدمته خلال مسيرتي الفنية لأنني أعطيت لكل شخصية هوية خاصة بها، أما اليوم فأرغب بتقديم دور يمسّني في الصميم ويُعنى بمختلف قضايا المرأة ويحتاج إلى الجرأة في الطرح، كدور امرأة دخلت السجن ظلماً، أو امرأة تُقيم على الحدود وتكون في نضال دائم مع العدو...
- ما رأيك بالأعمال المشتركة في الدراما العربية؟ وهل توافقين ما يقوله بعض النجوم من أن الممثل اللبناني مظلوم وحقه مهدور؟
التمثيل هو أحد الفنون، ولا تحدّه جغرافيا. الفن هو مساحة لإظهار السعادة مثل الموسيقى، الرسم، التمثيل والأدب. لا يمكن حصر الفن في بيئة معينة، فهو عابر للمناطق والقارات. بالنسبة إليّ، من إيجابيات الأعمال العربية المشتركة الحديثة أنها ساعدتنا على الانفتاح على الوطن العربي وحققت لنا انتشاراً واسعاً.
أما في ما يخص النجومية، فلا يمكن أحداً أن يأخذ مكان أحد، وكل ممثل هو بطل ونجم في منطقته مهما كانت مساحة دوره في العمل، لكن المهم أن يحرص الممثل والكاتب والمخرج والمنتج على أن يكون أداء كلٍ منهم مرتكزاً على الصدق. في السابق، كنا نصنع المسلسلات المحلية وكانت تلقى رواجاً جماهيرياً كبيراً في مجتمعنا، وتمسّ بمشاعر المشاهدين لأن شخصياتنا فيها تشبههم وتحاكي واقعهم فيتعاطفون معنا. التمثيل هو مرآة تعكس حضارة البيئة، ومن هنا يأتي نجاح الأعمال اللبنانية التي تتوجّه الى الجمهور اللبناني فقط، كما هو الحال بالنسبة الى الأعمال السورية والمصرية التي تعكس صورة المجتمعين السوري والمصري ويتأثر بها المُشاهد السوري والمصري أكثر من باقي المشاهدين. أما إذا أردنا أن نحقق الانتشار وتكون لغة الفنون لا حدود لها، فتجربة التعاون مع فنانين عرب من بيئات مختلفة مميّزة وحلوة.
- تلعب السوشيال ميديا دوراً مهماً في تظهير الأعمال بسرعة، الى أي درجة أصبحتِ منخرطة بهذا العالم؟
السوشيال ميديا باتت تساعد على انتشار الأدوار بسرعة بين الأجيال القديمة والجديدة وحتى خارج الحدود اللبنانية. ومن المهم الإضاءة على مجهود الفنانين، ولكنني لا أُجيد التعامل باحتراف مع مواقع التواصل الاجتماعي، بل اكتسبت بعض الخبرات على الـ"فيسبوك" وبتّ أستخدمه بشكل محدود للترويج لأعمالي الفنية أو لنشر صور التكريمات، وكذلك الردّ على تعليقات المتابعين.
- بعد النجاح الباهر هذا العام، ما هي مشاريعك المستقبلية؟
أنا حالياً في فترة راحة بعد الجهود التي بذلتها في الفترة الماضية، وأحتاج الى الصفاء الذهني لأُحسن الاختيار. كما أقرأ نصاً جديداً للكاتبة كلوديا مرشليان، من إخراج سمير حبشي، وأتمنى أن أُوفّق في اختياراتي لأعمالي بحيث تنال إعجاب الجمهور.
- أمنية في بالك...
أتمنى أن تزيد إنتاجاتنا الفنية المحلية، وتستمر المنافسة الشريفة بين الممثلين لتقديم أفضل أداء. وأتمنى أيضاً أن تُخصّص للفنانين الكبار في السنّ، من أبناء جيلي، مساحة أكبر في الأعمال المحلية أو العربية المشتركة، وأن يكون دور الفنان المسن محورياً في أحداث الأعمال الجديدة وألاّ يُحصر في دور السنيد أو المتمم لنجاح العمل. ومن الجيد بل الضروري ألّا يبقى التركيز فقط على قصص العاشقين والعاشقات لأن هناك الكثير من القضايا المهمة التي تمس الكبار في السن. وكذلك أتمنى أن تنشط الحركة الثقافية في لبنان ويفتح المسرح أبوابه من جديد لطرح القضايا بجرأة أكبر وأوسع، وأن يعود لبنان منارة للعلم والثقافة.