مشروع عبد الفتاح السيسي «3» عبد الناصر مسيح العرب

مشروع عبد الفتاح السيسي «3»  عبد الناصر مسيح العربعاطف عبد الغني

الرأى25-6-2021 | 15:14

(1)

تجربة الكتابة عن جمال عبد الناصر محفوفة بالمشاعر.. فلا يمكن أن نفصل بين توجهات المشروع الناصرى، وبين هذا التأثير الطاغى الذى حققه صاحب المشروع على السواد الأعظم من المصريين، وامتداده خارج حدود الدولة المصرية، بل المنطقة العربية، والقارة، إلى أماكن أبعد كثيرًا مما يتصور البعض، فى المشروع الناصرى، تداخل السياسى مع الاجتماعى والاقتصادى والثقافى، ليشكلوا تجربة فارقة فى تاريخ مصر الحديث، وأول ملمح فى هذا المشروع هو الرجل نفسه، وتلك الهبة النفسية التى وهبها الله لشخصه، فأتاحت له القبول وألقت محبته فى قلوب الناس، وليس أدل على ذلك من جنازته غير المسبوقة فى التاريخ التى ودعه بها المصريون والعرب، وهذا الحزن الحقيقى الذى تفجر على إثر فاجعة رحيله، التى عبرت فى جزء منها عن إحساس المواطن "الغلبان" باليتم الأبوى، أو الخوف من غياب الحامى، والسند، والصديق الوفى، وربما معانٍ أعمق عبرت عنها الجماهير بوصفه بأبو الغلابة، فيما عبرالشاعر نزار قبانى عن حركته الإصلاحية على المستوى الاجتماعى بوصفه بـ "مسيح العرب".

(2)

كانت الظروف مواتية لميلاد هذه الزعامة على كل الأصعدة، وجاء عبد الناصر فى الميعاد، الذى هيأته المقادير، حين خرج هو وزملاءله فى الجيش المصرى ليلة ٢٣ يوليو من عام ١٩٥٢ فى حركة تصحيحية، فوجدوا الطريق أمامهم مفتوحًا مع هشاشة السلطة الحاكمة آنذاك للوصول إلى السلطة ومن ثم الحكم بكل سهولة، وانضمت جماهير مصر العريضة وقوامها الفقراء والمهمشون للحركة لتصبح ثورة بيضاء، وراح القائد الحقيقى لهذه الثورة وهو اليوزباشى الشاب جمال عبدالناصر المسكون بالثورة، المهموم بالتغيير، يحصر التحديات ويشتبك معها حتى قبل أن يصل إلى منصب رئاسة مصر عام ١٩٥٤.. وأبرز وأهم معاركه التى ألقى بنفسه وبمن معه فيها دون إبطاء، كانت التخلص من ربقة الاستعمار الجاثم على قلب وجسد مصر، وجلاء الاستعمار لم يكن فقط برحيل القوات البريطانية عن كامل الأراضى المصرية، لكن أيضًا، كان باسترداد ثروة مصر وممتلكاتها التى سلبها الأجانب المحتلون، بالنهب والسرقة، وثالثا التخلص من التبعية للاستعمار فى كل أشكاله وجوانبه، وبالذات السياسية، والاقتصادية، وترجمة ما سبق، يستدعى ذكرنا لاتفاقية الجلاء، وخروج البريطانيين بعد ثلاثة أرباع القرن من الاحتلال، وقرارات التأميم، وإنشاء حركة عدم الانحياز، وما سبق يستدعى أيضًا ذكر التوجه الناصرى لتنويع مصادر تسليح الجيش، بعد مراوغة وامتناع الغرب عن مد مصر بما تحتاجه من سلاح، وبحث مصر عن أصدقاء وداعمين فى دول الكتلة الشرقية، خاصة روسيا والصين لمراوغة الإمبراطوريات الاستعمارية الغربية خاصة أمريكا المؤيدة لإسرائيل، هذا مع دعم حركات التحرر العربى بكل قوة فى إطار إعلاء نزعة القومية العربية، مقابل المشروع الأممى الوهمى للإخوان لإعادة الخلافة التركية العثمانية، وكان الاستعمار يؤيد المشروع الإخوانى ليضرب به حركات تحرر الشعوب الإسلامية،
والعربية فى القلب منها.

(3)

أبو الغلابة، ونصير العمال والفلاحين، وداعم الطبقة المتوسطة، هذه أيضا أوصاف لم تطلق من فراغ على عبدالناصر، الذى عمل على انتشال هذه الفئات من وهدة الفقر والعوز والجهل والمرض التى كانت تعيش فى مستنقعاتها، فيما يحتكر النعيم طبقة لا تزيد على نصف فى المائة من المصريين، تتشارك مع الأجانب الذين سيطروا على مفاتيح الاقتصاد والثروة، واتفق بشوات وبكوات مصر مع الأجانب على ظلم أبناء هذا الوطن، فجاء عبد الناصر ليعيد الوطن لأهله.

(٤)

كانت خبرة ممارسة الحكم الجماهيرى، ضئيلة لدى عبد الناصر وأعوانه، خاصة بعد التخلص من الطبقة التى أفسدت الحياة السياسية قبل الثورة، ونقطة الضعف الثانية التى أضرت كثيرًا بالتجربة الناصرية، تمثلت فى ضعف عبد الناصر الوجدانى أمام زملائه الثوار، الذين شاركوه الحكم، وعلى رأسهم عبد الحكيم عامر، ويجب ألا ننسى الحرب الرهيبة التى شنها الغرب على شخص
عبد الناصر وتجربته، هذه العوامل الثلاثة التى تضافرت لتطعن هذه التجربة طعنة مميتة فى نكسة ٥ يونيو ١٩٦٧، ولن أنسى ما قاله لى نائب عبد الناصر، المرحوم حسين الشافعى، فى إحدى مقابلاتى معه المنشورة، وقد قال إن عبدالناصر مات مرتين، الأولى كانت فى أعقاب نكسة يونيو ٦٧.

(5)

أعتقد أنه بعد الحديث السابق يكون أقل أهمية أن نذكر بإنجازات المشروع الناصرى مثل مجانية التعليم، أو الإصلاح الزراعى، أو بناء السد العالى، أو إنشاء الألف مصنع، أو زيادة الرقعة الزراعية.. وفى هذا الكفاية، لكن للحديث بقية

أضف تعليق

حكايات لم تنشر من سيناء

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
تسوق مع جوميا

الاكثر قراءة

إعلان آراك 2