رغم وصف الحكومة الإسرائيلية الجديدة بأنها حكومة يسار، إلا أنها ليست بحكومة يسارية ولا يمينية، حيث تجمع بين العديد من الفصائل منها اليسارى واليمينى والوسطى ورئيسها «نفتالى بينيت» ينتمى لليمين المتطرف حتى النخاع، هذا التنوع والانقسام الذى يعتبره البعض ميزة، إلا إنه مع ذلك يجعل هذه الحكومة تحت تحكم جميع الأطراف، بل إن استمرار وجودها يعتمد فى الغالب على القائمة المشتركة وحزب راعم العربى بزعامة منصور عباس، وهو ما يعد بمثابة أكبر التحديات التى تهدد وجود حكومة نفتالى بينيت حتى الآن.
تسعى حكومة بينيت الآن إلى إمساك عصى التحكم من المنتصف، نظرا إلى أن أصعب التحديات التى تواجهها الآن، بخلاف الملف النووى الإيرانى وعلاقتها مع الولايات المتحدة وتحديد ميزاينة الدولة، هو إرضاء حزب راعم والقطاع العربى، وخاصة عرب النقب، ويعارضها فى ذلك الأحزاب اليمينية التى تعارض منذ البدايات وجود عناصر عربية فى الحكومة الجديدة، لأن ذلك يتعارض مع المبادئ الصهيونية التى تقوم عليها دولة الاحتلال، والسؤال الآن: كيف ستنجو حكومة بينيت من هذا المأزق؟ وهل سيتحدد مصيرها فى شهر نوفمبر القادم كما يروج لذلك بنيامين نتنياهو؟.
من جانبها، توقعت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية، أن يثير نواب «القائمة العربية المشتركة»- التى تعتبر أول كيان سياسى من عرب 48 يشارك فى ائتلاف حاكم فى إسرائيل- المشكلات فى حال عدم تحقق الوعود التى تلقوها من بينيت ولابيد بتوجيه مخصصات ضخمة للوسط العربى، والتراجع عن بعض السياسات المطبقة ضد عرب النقب على وجه الخصوص والتى استهدفت أراضيهم وحقوقهم فى البناء عليها أو التصرف فيها.
ولا يمكن تجاهل واقع أن العلاقات العربية- اليهودية داخل إسرائيل تتسم بالتوتر العنيف فى الفترة الأخيرة، وسيتعين على بينيت معالجة هذا الوضع بدون أن يخسر اليمين المتشدد الذى ينتمى هو نفسه إليه، أو «القائمة العربية» التى يمكن أن يؤدى انسحابها من الائتلاف حال عدم تحقيق مطالبها، أو حال تجدد المواجهات بين العرب واليهود فى المدن المختلطة، إلى إسقاط الحكومة.
وتعمل حكومة التغيير، على الأقل فى الوقت الحالى، على إرضاء القطاع العربى، وإثبات أنها قادرة على أن توفى بوعودها أمام منصور عباس، ولهذا تم تحديد جزء كبير فى ميزاينة تشكيل الحكومة الجديدة لعرب إسرائيل، كما ينعكس فى بنود الاتفاقات الائتلافية المنشورة حتى الآن، حيث ذكر موقع «كلكاليست» الإسرائيلى أن اتفاقية التحالف مع حزب راعم ربما تكون هى الأكثر تكلفة وستكلف الحكومة من 5 إلى 6 مليارات شيكل فى السنة، والتى سيتم صرفها على تعيين نائب وزير نيابة عن حزب راعم فى ديوان رئيس الوزراء، إلى جانب البرنامج الاجتماعى الاقتصادى للقطاع العربى الذى سيتم إطلاقه فى عام 2022، بحجم موازنة لا يقل عن 5 مليارات شيكل سنويًا، كما ستشمل الخطة، من بين أمور أخرى، تدابير للقضاء على الجريمة فى الوسط العربى، وكذلك تدريب 3 مستوطنات فى بدو الشتات وإعلان مستوطنة «كسيف» كمدينة بدوية.
هذا إلى جانب موازنة تطوير الأحياء والمناطق الصناعية فى الوسط العربى التى لن تقل ميزانيتها عن نصف مليار شيكل سنويا للسنوات العشر القادمة.
وفيما يتعلق بالسياسات الأمنية، فإن بينيت، الرافض لمبدأ حل الدولتين، سيتعرض لاختبار صعب آخر من داخل الائتلاف الذى يقوده، فأحزاب مثل «ميرتس» و«العمل» و«القائمة الموحدة» تقبل بهذا المبدأ وتريد تسوية الصراع مع الفلسطينيين على أساسه، ويتفق معها- بشروط معينة- حزبا «يش عتيد» و«كاحول لافن»، ومن ثم فإنه فى حالة دعوة الولايات المتحدة الأمريكية إلى فتح مسار جديد للتفاوض بين إسرائيل والفلسطينيين على أساس مبدأ حل الدولتين، فإن الائتلاف يمكن أن يتعرض للتشقق والسقوط.
ورغم ذلك، فإن بينيت قد يراهن على إمكانية إقناع الأحزاب الرافضة لحل الدولتين بالقبول بدخول عملية سلام بناءً على هذا المبدأ مع وعد بأن يقتصر ذلك على مجرد الدخول فى المفاوضات دون التزام حقيقى بالتوصل إلى حل للصراع من خلاله، وهو نفس ما فعله رئيس الحكومة السابق بنيامين نتنياهو عام 2009 عندما قبل حل الدولتين نظرياً فيما وعد حلفاءه من جبهة اليمين بأن يرفضه عملياً فغالباَ سياسة حكومة التغيير الحالية لن تتغير عن سياسة نتنياهو أو غيره.
يظهر ذلك فى تحدى قانون المواطنة الذى تنبأ الجميع بأنه فى حال التصويت له فى الكنيست، سيكون الشوكة التى قصمت ظهر البعير لحكومة بنيت ولكن الأمر انتهى الأسبوع الماضى بتأجيل التصويت على القانون مع إصداره بصورة جديدة تناسب الجميع، فهذا القانون يضع حكومة بينيت فى أول مواجهة سياسية، ولذلك تسعى الحكومة إلى إيجاد صيغة جديدة أو تعديلات له وهو ما يمكنه أن يعيد كابوس نتنياهو مرة أخرى بسبب معارضة أحزاب المعارضة اليمينية لإجراء أى تعديلات عليه لمصلحة الفلسطينيين.
وحسب قانون العودة 1950، فإن الإقامة والبقاء ل عرب إسرائيل داخل دولة الاحتلال بشكل دائم ولمدة ثلاث سنوات متتالية، مع إمكانية تحدث اللغة العبرية، تمنح لهم حق المكوث فى إسرائيل، ولكن يتنازل الشخص عن جنسيته الأخرى فى حال حصوله على الجنسية الإسرائيلية.
وسعت حكومة التغيير إلى تمديد سريان منع لم شمل العائلات الفلسطينية، تحت بمزاعم أمنية، حيث يجرى تمديد هذا البند سنويا منذ عام 2003، وقد انتهى سريان التمديد الأخير الأسبوع الماضى، ولكنها تراجعت بعد ساعات عن الموافقة عليه خوفا من فشل تمريره وقررت تأجيل التصويت عليه وذلك فى ظل الفشل المتوقع بعدم المصادقة عليه، ومعارضة التوجه لتمديد سريان العمل بمنع لم شمل العائلات الفلسطينية المعمول به منذ عام 2003، علما أن القانون يمس نحو 45 ألف عائلة فلسطينية. علما بأنه تم التصويت فى السابق 18 مرة على تمديد سريان منع لم الشمل العائلات الفلسطينية.
وذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أن هذا يأتى وسط مطالب القطاع العربى من حكومة التغيير بأن تعمل على رفع نسبة تمثيل المجتمع العربى فى الخدمة المدنية التى لا تبلغ إلا 13.2٪ فقط، فى حين لا يوجد ما يمثل المجتمع العربى فى الوزارات الحكومية التى تتخذ قرارات دراماتيكية بشأن مستقبلهم وإعادة تأهيل الاقتصاد، وإعادة مئات الآلاف من العاطلين عن العمل من عرب إسرائيل إلى التوظيف، وربط الجسور وسد الفجوات بين المجتمع اليهودى والعربى.
وتأتى آمال القطاع العربى بالرغم من تصريح محمد أشتية رئيس الوزراء الفلسطينى بأن سياسات بينيت مع الفلسطينيين لن تتغير إن لم تكن أسوأ من سياسة نتنياهو، التى قامت عل تدمير أى إمكانية لقيام دولة فلسطينية، وأن أى حكومة إسرائيلية يجب عليها الاعتراف بالوجود السياسى والتاريخى للفلسطينيين، وإنهاء الاحتلال وأن هذا الامتحان لن تنجح به حكومة بينيت.