في الثاني من يونيو 2018 وأمام البرلمان عقب حلف اليمين الدستورية لولاية جديدة قال الرئيس عبدالفتاح السيسي: "أجدد العقد والعهد بأن نواجه التحدي ونخوض غمار معركتي البقاء والبناء متمسكين بعقدنا الاجتماعي الذي وقعناه سويًا دولة وشعبًا بأن يكون دستورنا هو المصارحة والشفافية ومبدأنا الأعظم هو العمل متجردين لصالح هذا الوطن وأن نقتحم المشكلات ونواجه التحديات ونحن مصطفون محافظون على تماسك كتلتنا الوطنية حية وفاعلة ولا نسعى سوى لصالح مصرنا العزيزة الأبية وتحقيق التنمية والاستقرار لها وبناء مستقبل يليق بتاريخنا وبتضحيات أبنائها."
واستطرد الرئيس فى خطابه التاريخي للأمة: "ولقد كان يقيني صادقًا ورهاني رابحًا حين أثبت هذا الشعب العظيم عراقته وصلابته وخاض معركة التحدي محافظًا على مكتسبات وطنه وقادرًا على تحدي التحدي وإثبات إرادته الحرة وكانت لوحة الوطن رائعة الجمال والكمال، وقد ازدانت بالأزهر الشريف منبر وسطية الإسلام وبالكنيسة المصرية العريقة رمز السلام والتسامح. يؤمن إرادة شعبنا ويحميها رجال الجيش المصري العظيم البواسل، وشرطتها الأبطال الذين قدموا الدماء قربانًا من أجل أن يبقى هذا الوطن مرفوع الرأس والهامة."
وتعهد الرئيس السيسي أن تكون المرحلة الحالية هي مرحلة بناء الإنسان، فحقق ما تعهد به واقعًا من خلال مجموعة من الحزم والمبادرات الصحية التي تم إطلاقها وكان لها عظيم الأثر على صحة وحياة الإنسان، إلى جانب حزم الرعاية الاجتماعية والتعليم والثقافة.
ولأن الرئيس قد حدد دستور العلاقة بينه وبين الشعب «المصارحة والشفافية» كان حديثه دائمًا فى كافة اللقاءات مع المواطنين خلال جولاته لتفقد المشروعات ومناطق العمل أو خلال افتتاحه عددًا من المشروعات، أو خلال مؤتمرات الشباب ومبادرة حياة كريمة.
وقد جاء حديثه الأسبوع الماضي مع الشعب خلال افتتاح المرحلة الأولى من أكبر مدينة للصناعات الغذائية «سايلو فودز» لتسهم فى تحقيق الاستراتيجية التي تنتهجها الجمهورية الجديدة (تحقيق التنمية والاكتفاء الذاتي وتوفير جودة الحياة للمواطن).
وجاءت المدينة لتقدم نموذجًا جديدًا، قررت الدولة المصرية تطبيقه فى قطاع الغذاء من أجل بناء إنسان يتمتع بغذاء صحي وبناء بدني سليم، وهو ما أشار إليه وزير التموين والتجارة الداخلية من تطوير لقطاع الصناعات الغذائية.
(1)
هنا دعونا نتوقف عند مجموعة من النقاط التي طرحها الرئيس فى حديثه، والتي بدأها عندما تدخل خلال استعراض الدكتور طارق شوقي لمنظومة التغذية المدرسية وكيف أن الدولة المصرية تستعد مع بداية العام الدراسي الجديد لإطلاق منظومة جديدة وفق ضوابط وآليات وفلسفة ومنهج يستهدف بناء الطالب بدنيًا ونفسيًا فى ظل منظومة بناء القدرات الذهنية والتعليمية ضمن البرنامج القومي لتطوير التعليم.
كما يستهدف بناء جيل أكثر قدرة على البناء والإبداع، ويمكن الدولة المصرية من الاستفادة من نتائج المسح الصحي الذي خاضه أكثر من 25 مليون طالب على مدى ثلاث سنوات بتكلفة بلغت 4.3 مليار جنيه، ليكشف واقعًا صحيًا يعد تحديًا كبيرًا أمام الدولة المصرية، فهناك 12.7 مليون طالب يعانون من أمراض مختلفة؛ لكن دولة 30 يونيو لا توقفها تحديات أو تعجزها مشكلات، فقد استهدفت بناء الإنسان.
بلغ عدد الطلاب المصابون بالسمنة 3.3 مليون طالب، وثمة 8.2 مليون طالب مصابون بالأنيميا، بالإضافة إلى 1.2 مليون طالب مصابون بالتقزم، وهو ما يعد مشكلة حقيقية فى البناء الصحي للمجتمع، فهؤلاء الطلاب معرضون لخطر الإصابة بالعديد من الأمراض منها السكري وضغط الدم ولين العظام وضعف الإبصار وغيرها من الأمراض التي تضرب أجساد أبناء الفقراء بسبب الأنيميا والتقزم.
الأمر الذي جعل الرئيس يوجه بضرورة مواجهة تلك المشكلة كما واجهت مصر خلال السنوات السبع الماضية العديد من المشكلات وتمكنت من القضاء عليها.
ولأن مواجهات تلك المشكلات الصحية وعلاجها فى المهد
يخفف الضغط على المنظومة الصحية، كانت رؤية الرئيس السيسي أن يتم تطوير منظومة التغذية المدرسية فى مصر ورفع كفاءتها وفق المواصفات العالمية لتلبية احتياجات الطالب الصحية والمدارس ووفق الخريطة الصحية التي حددتها عمليات المسح الصحي ضمن مبادرة 100 مليون صحة.
جاء توجيه الرئيس برفع دعم التغذية المدرسية إلى 8 مليارات جنيه فى العام الدراسي 2021/2022، بعد أن كان 1.8 مليار عام 2019/2020 ضمن حزمة الرعاية الاجتماعية ليتضاعف بنسبة 450% عن العام قبل الماضي، بل ويزيد على 11 ضعفًا لما كان مقررًا له قبل 2012.
كانت منظومة التغذية المدرسية فى حالة من الترهل والخمود لسنوات، ثم عادت ثم توقفت، وفى عام 2014/2015 بلغت مليارًا و400 مليون ثم توقفت عام 2017 بسبب حالات التسمم، لتعود مرة أخرى فى عام 2018 تحت إشراف هيئة سلامة الغذاء المصرية.
إلا أنه عقب ظهور فيروس كورونا المستجد تم وقف التغذية المدرسية، لتعود من العام القادم وفق منهجية جديدة، تم استعراض أبرز معالمها خلال افتتاح المدينة الصناعية الغذائية "سايلو فودز" بمدينة السادات.
ووفق تقرير برنامج الغذاء العالمي فإن التغذية المدرسية توفر 10% من دخل الأسرة، هنا يجب أن أتوقف قليلًا مع المشروع الذي يعد بمثابة أكبر نقلة نوعية فى جودة حياة الإنسان المصري:
- يستهدف المشروع الجديد 13.2 مليون طالب.
- يبلغ متوسط تكلفة التغذية للطالب الواحد حوالي 644 جنيهًا فى العام.
- رغم أن مصر تعد من الدول متوسطة الدخل، إلا أن 95% من الصرف على التغذية المدرسية يأتي من الموازنة و5% من مصادر أخرى.
- بحسب تقرير برنامج الغذاء العالمي، جاءت مصر ضمن أعلى الدول تصنيفًا من حيث تغطية عدد الأطفال الذين يتلقون الوجبات المدرسية، مقارنة بدول أكبر من مصر فى تعداد السكان، حيث تغطي مصر ما يقرب من 80% من إجمالي عدد الأطفال.
- يستهدف المشروع بناء جيل من الطلاب الأصحاء، وهو ما يمَكِّن الدولة من الاستفادة من مواردها البشرية بشكل كامل.
- يعد المشروع الجديد بمثابة نظام غذائي وفق اشتراطات صحية عالمية وخريطة صحية، إذ يختلف نوع التغذية من مكان إلى آخر ومن محافظة إلى أخرى وفق ما تحدده وزارة الصحة من خلال عمليات الكشف الدوري والبيانات التي أظهرتها مبادرة 100 مليون صحة.
- يستهدف المشروع توفير مزيد من فرص العمل، فتغذية 100 ألف طالب من المتوقع أن توفر 1700 فرصة عمل تتشكل ما بين الطهاة وعمال التعبئة والتجهيز وغيرها.
- يقدم المشروع مزيدًا من الرعاية الاجتماعية والصحية للأسر الأولى بالرعاية من خلال تقديم تغذية مدرسية لأبناء تلك الأسر فى مراحل التعليم المختلفة.
إن ما يستهدفه مشروع التغذية المدرسية ليس مجرد تقديم وجبة غذائية لطلاب المدارس، لكنه جزء من منهجية بناء الإنسان المصري وفق رؤية متكاملة تستهدف جودة الحياة للمواطن.
ليس الأمر مجرد وجبة غذائية سيتم تقديمها لطالب، لكنه نظام غذائي وفق شروط صحية وبمواصفات ومعايير جودة عالمية.
(2)
كما تحدث الرئيس عن أهمية الحفاظ على حياة أبنائنا بدءًا من عملية الإنجاب، وهي رؤية أكثر عمقًا لجودة الحياة، وإدارة ملفات الدولة، فكلما كان النشء يتمتع بصحة جيدة كان المجتمع أكثر قدرة على العمل والإنتاج، واستطاعت المنظومة الصحية أن تصبح أكثر قوة وباتت قادرة على تقديم رعاية صحية وفق المعايير العالمية.
هنا جاءت المبادرة الرئاسية الجديدة التي أعلنت عنها وزيرة الصحة الدكتورة هالة زايد تستهدف الكشف على الراغبات فى الإنجاب، ويتم توفير شهادة الزواج إلكترونيًا بعد فحص كامل للراغبين فى الزواج ويتم التواصل مع الشباب وإخبارهم بالحالة الصحية والمشاكل التي قد تقابلهم بعد الزواج فى إطار الكشف الشامل بالتعاون مع دار الوثائق المؤمَّنة داخل العاصمة الإدارية.
اقرا أيضا :
محمد أمين يكتب الفهود المصرية وصناعة الدواء
محمد أمين يكتب: القرار المصري
المسكوت عنه فى أزمة سد النهضة
وثمة برنامج كبير ومجموعة حملات تبدأ بالتزامن مع تدشين المشروع القومي لتنمية الأسر، خاصة أن كل جهات الدولة تتعاون فى هذا الأمر، إلى جانب مبادرة أخرى تستهدف الكشف عن الأمراض التي تنقل من الأم للطفل أثناء الحمل، وجزء من متابعة الحمل الكشف عن أمراض الإيدز والزهري وفيروس بي لبناء جيل جديد خالٍ من الأمراض المعدية، لتقدم مصر نموذجًا فريدًا للصحة الإنجابية خلال الفترة المقبلة.
وقد تساءل البعض لماذا لم أتطرق إلى تصريحات الرئيس حول رغيف الخبز فى ذلك المقال؟ وهنا لا بد أن أوضح أن ما وجه به الرئيس هو أن تقوم الحكومة بدراسة الأمر بشأن رغيف الخبز، وهو ما لم نتعرف بعد على ملامح تلك الدراسة التي ستقوم بها وزارة التموين وعدد من الوزارات ذات الصلة والخبراء قبل عرض نتائجها على مجلس الوزراء، عندما يحدث ذلك يمكننا مناقشة ما توصلت إليه تلك الدراسة أو نطرحه للحوار المجتمعي.
تستهدف الجمهورية الجديدة تحقيق جودة الحياة للمواطن الذي هو أهم ركائز بناء الدولة، فهو من استطاع مواجهة تبعات برنامج الإصلاح الاقتصادي بعزيمة صلبة من أجل النهوض بالوطن.. لأننا معا نستطيع استكمال مشوار بناء الدولة وتحقيق الحلم بأن تصبح مصر "قد الدنيا"