منف.. مدينة «الأرباب»الفرعونية

منف.. مدينة «الأرباب»الفرعونيةمروة محمود التوني

الرأى21-8-2021 | 17:01

من أقدم المدن التي عرفها التاريخ مدينة منف "من نفر" أي "الأثر الجميل" التي شهدت العصور الأولى للحضارة المصرية ، والتي تقع بالقرب من "ميت رهينة" جنوب الجيزة والتي حظيت بعدة أسماء آخرى منها "حوت كا بتاح" أى 'مقر قرين بتاح' و "عنخ تاوى" أي 'حياة الأرضين' و "مخات تاوى" أى 'ميزان الأرضين'، فقد كانت عاصمة مصر منذ عهد الملك 'مينا' وحتى الأسرة الثامنة ، ولم يهجرها التاريخ بعد ذلك بل حرص العديد من الملوك في العهود اللاحقة - نظرا لموقعها المتميز في قلب مصر وقيمتها السياسية وكونها العاصمة الأولى لها - أن يتركوا آثاراهم فيها تخليدا لمكانتها على أرض مصر وتمجيدا للرب 'بتاح' معبودها ، ، وقد الحق بعض الملوك أيضا أسم 'بتاح' معبود تلك المدينة إلى أسمائهم مثل 'سابتاح' أي "ابن بتاح"، 'مر.ن بتاح' أي "محبوب بتاح" ، لم يقتصر الأمر على الملوك المصريين بل أن معظم الملوك البطالمة والرومان قاموا بالتتويج على يد كهنة الرب 'بتاح' معبود منف ، وقد كانت منف قاعدة حربية لملوك مصر أثناء معاركهم فقد إتخذها أحمس كقاعدة حربية له خلال حربه ضد الهكسوس ، ومن أشهر آثار المدينة تمثال رمسيس الثانى الذي زين ميدان رمسيس بقلب القاهرة لسنوات عديدة وتم نقله الآن إلى المتحف الكبير ب الجيزة ، تماثيل الملك رمسيس الثانى التى كانت على أبواب معبد 'بتاح' وإطلال مقصورة 'حتحور' وإطلال معبد و قصر مرنبتاح ومعبد التحنيط الخاص بالثور 'أبيس' و ....، وقد احيطت منف بالكثير من الإهتمام من أبناء مصر وأعتبروا أن من يسيطر عليها فقد تَملّك مصر بأكملها في يده ، كما قاموا ببناء المقابر فيها والمعروفة حاليا بجبانة منف التى ضمت حوالى ٣٠ مقبرة ، وقد ذكر في إحدى البرديات أنها كانت مدينة القصور والعمرأن إلا إنه بعد إنشاء مدينة الأسكندرية ووصولها لمكانتها ذكر عن منف ... "سـتعود الأرباب إلى منـف، وستصبح المدينة التي بجوار البحر مكاناً جافاً يُجفف فيه الصيادون شباكهم، لأن الأرباب ستغادرها إلى منـف ... تلك المدينة التي تُطعـم الجميـع والتي ينـزلها البشـر من كل الأجنـاس" ، وذلك لاعتقادهم إنها كانت المكان الذي قتل فيه أوزوريس وتفرق جسده شمالا وجنوبا ومكان تجمعه وإعادته للحياة مرة آخرى ومن ثم فهى مقر أوزوريس وإنه يوزع الأرزاق على الناس شمالا وجنوبا وينبت الزرع من مقره في منف .

الملك سيتى الأول يقيم عمود جد

أن لوحة اتحاد القطرين التى نراها في كثير من الآثار قد أرتبطت بمدينة منف حيث إعتبرت قديما في المنتصف بين شمال وجنوب مصر ، وقد بنى فيها الجدار الأبيض الذي فصل القطر الشمالي عن الجنوبي قبل التوحيد ، وقد روى إنه عندما قام الرب 'ست' بقتل أخيه وأراد الرب 'جب' - رب الأرض - أن ينهى الصراع بين 'حورس' و'ست' فإنه قد قسم مصر إلى نصفين إحدهما من نصيب 'حورس' هو الشمال والآخر من نصيب 'ست' وهو الجنوب حسب مكان ولادة كل منهما ثم أن 'جب' قد آلمه ضميره من جراء هذه القسمة الغير عادلة في نظره فلقد تجاهل آلام حورس التي عاشها لفقده أبيه أوزوريس وأن المُلك قد نزع منه أغتصابا ، فعاد في حكمه وقرر منح كامل ملك الأرضين إلى حورس الآبن بلا شريك وأبعد ست عن المُلك ومن ثم يقوم حورس بإقامة عمود "جد" الذي يمثل العمود الفقري الثابت لأوزوريس فوق جسد 'ست' .


وبذلك توحدت البلاد بعد أن كانت مقسومة إلى نصفين ، ولذلك لقب ملك مصر "سيد الأرضين" طبقا لتلك الأسطورة القديمة ، واحتفل بذلك المصريين القدماء وجعلوا هذه المراسم تقام لتتويج الملوك وهى إظهار الملك بالتاج الأحمر "دشرت"– تاج الشمال – والتاج الأبيض "حجت" - تاج الجنوب – وبعدها يقوموا برفع عمود "جد" لأجل الملك ويقومون بربط زهرة البردي رمز الجنوب وزهرة اللوتس رمز الشمال دلالة على ربط الكيان المصري وتوحيد القطرين. ويطلق عليها "سما تاوى" أى 'توحيد الأرضين'

ومن هنا نرى أرتباط رواية التوحيد بمدينة منف والتى كان معبودها الرسمى 'بتاح' كما عبد فيها الثالوث المقدس -مجموعة مكونة من ثلاث أرباب - وهم بتاح وسخمت ونفرتوم ، وعبد فيها بعد ذلك الرب 'سوبك' والذى ذكر أسمه على جدران معابدها والذي ظل يعبد بها حتى العهد البطلمى ، وقد جاء تدمير منف وهلاكها على يد الآشوريين والبابليين ثم إتبعهم الملك قمبيز الفارسي الذي خرب المدينة وقام بقتل ثور منف المقدس 'أبيس' وقتل كهنة معبد 'بتاح' كما ذكرت المصادر التاريخية.

وها نحن قد القينا نظرة سريعة على تلك المدينة العريقة التى ستزال مدينة خالدة تحمل في أرجائها الكثير من أسرار الحضارة المصرية القديمة وتفخر بإنها أول مدينة تتوج على أرض مصر العزيزة .

أضف تعليق

خلخلة الشعوب وإسقاط الدول "2"

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
إعلان آراك 2