لعل الكثيرين مثلي تابعوا إعادة المسلسل المحترم «ضمير أبلة حكمت» الذي انتهت حلقاته منذ بضعة أيام على قناة DMC، وشاهدوا الفن فى أرقى صوره نصًا للراحل الكبير أسامة أنور عكاشة، وإخراجًا للقديرة المتميزة دائمًا السيدة إنعام محمد على، وتمثيلاً لكتيبة هائلة من النجوم على رأسهم الفنانة القديرة فاتن حمامة والكبار أحمد مظهر وجميل راتب وعايدة عبد العزيز وسوسن بدر ومحمود الجندي وعبلة كاملة، وأسماء كثيرة وكبيرة أمتعتنا، وجعلتنا نشاهد المسلسل لمرات عديدة دون كلل أو ملل.
لكن ما استوقفني هذه المرة أمر آخر غير كل ما يعجبنا فى هذا العمل الخالد، من قيم وقضايا مهمة لعل أبرزها قضية التعليم، التي مازلنا حتى الآن ندور حولها، أو سطوة رأس المال، أو جحود الأقارب، أو ضياع الأخلاق وتراجع الاهتمام بها، ما استوقفني هو مظهر الفنانات والفنانين فى هذا العمل!
كان فى إمكانهم خاصة السيدة فاتن حمامة أن تستعرض ملابسها ومجوهراتها ومكياجها، هي وغيرها من الفنانات الكثر فى هذا العمل، لكن البساطة الشديدة التي ظهر بها الجميع أدهشتني واستوقفتني كثيرًا، وقارنت على الفور بينها وبين ما نراه الآن من تنافس ساذج بين فنانات لم يسجلن اسمهن بعد فى تاريخ الفن وهن يدخلن سباقًا محمومًا لاستعراض أشياء لا صلة لها بالدور الذي يقمن به!
فنرى موظفة بسيطة فى معرض سيارات تمشي وتجعل حقيبتها أمامها، لاستعراض ماركة الحقيبة، والأخرى تلقي بنفسها على السرير وتضع الحقيبة بجوار وجهها حتى إنها احتلت مساحة أكبر من وجهها، وغيرهن كثيرات، وتصدر اسم الماركة الذي ربما لا يعرفه كثيرون من الكادحين والبسطاء من أبناء هذا البلد، ناهيك عن استعراض المجوهرات والملابس، سواء كان هذا من متطلبات الدور الذي يقمن به أو تم إقحامه بلا أي داعٍ!
لمن يقدم هؤلاء فنهن إذن، وعلى من يستعرضن أشيائهن، وما ضرورة هذا الاستعراض إذا كان الدور لا يسمح، وكيف يسمح مخرجو هذه الأعمال بتمادي الفنانات فى هذا الابتذال غير المطلوب على الإطلاق؟
الفنانون الحقيقيون ليسوا فى حاجة إلى مثل هذه الأمور، فمن المفترض أن حرصهم يكون على أداء أدوارهم وإجادته، وعلى كيفية الوصول إلى عقول وقلوب المشاهدين، والبحث فى أبعاد الشخصيات التي يؤدونها، وما هو مناسب لها من حيث الأداء والشكل، أما هذا التسابق غير المقبول فهو يدفع بهم إلى النسيان، ولعل هذا ما يجعل أعمالاً فنية تعيش وتحتفظ بمكانتها، رغم مرور سنوات وعقود، وأخرى يطويها النسيان وتلحق بغيرها من الأعمال التي لا قيمة لها.
وهذا هو ما جعل فاتن حمامة وجيلها وجيلين بعدها يعيشون فى قلوب الجماهير، وجيل نراه اليوم لا يعرف المعنى الحقيقي للفن ولا يشعر بالجمهور الذي يشاهده.